مع تجاوز سعر برميل النفط الخام حاجز الـ75 دولاراً أميركياً، في منتصف شهر تموز (يوليو) الماضي، اتضح أن افريقيا باتت بحاجة ماسة إلى رد فعل عاجل ونشط. وفي داكار، يوم 27 تموز (يوليو) عقد أول اجتماع لوزراء الطاقة في 13 دولة بهدف إنشاء laquo;رابطة عموم افريقيا للدول غير المنتجة للنفطraquo; (بانب)، بحيث تكون تجمعاً شبيهاً بـraquo;أوبيك خضراءraquo; الغاية منها حقيقة اقتصادية قاسية.

فمع إعلان أكبر منتجي النفط في العالم خلال الأسبوع المنصرم أرباحاً قياسية (شركة إكسون موبيل وحدها سجلت أرباحاً بلغت 10 بلايين دولار خلال الربع الثاني من عام 2006)، يتبين حقاً أنه رغم أشجع الجهود التي يبذلها القادة الأفارقة لخفض معدلات الفقر في بلداننا لن يكون بالإمكان التفاؤل بالصمود أمام تداعيات الإفقار الناجمة عن الارتفاع المطرد في أسعار الطاقة.

فاقتصادات افريقيا وكذلك معيشة مواطنينا تدمّر باستمرار، وإذا صحت توقعات المحللين بأن يصل سعر برميل النفط إلى 100 دولار بنهاية العام الحالي، فإننا سنشهد كارثة على مستوى عموم افريقيا تدفع بمزيد من الناس تحت خط الفقر، وستواجه منجزات الحكومات العاقلة المتبصرة، ولكن المحدودة الموارد، بتحديات يستحيل التصدي لها.

جوهرياً، سيؤدي ارتفاع أسعار النفط المنفلتة من أي ضابط، إلى نسف تقدمنا في مجال تثبيت بنية الاقتصاد الحر القائمة على المبادئ الديموقراطية. ولعله من قبيل المفارقات ان الأرباح القياسية التي تجنيها شركات النفط الآن لن تخدم المصالح الطويلة الأمد حتى لهذه الشركات، لأن من شأن هذه الأرباح الضخمة تدمير الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للقارة. وبتبسيط أكثر، ان الارباح النفطية القياسية الضخمة - بما فيها تلك المجنية من النفط الافريقي - تؤذي ولا تفيد شعوب افريقيا، ولا سيما شعوب دول القارة غير النفطية.

الاحصائيات المتوافرة مذهلة على هذا الصعيد. فتبعاً لمؤشر laquo;بلات إيندكسraquo; وأرقام laquo;أوبيكraquo; - خرجت الدول الافريقية المنتجة للنفط laquo;بابraquo; وحدها بفائض دخل وصل إلى 119 بليون دولار بين عامي 2002 و2005، استناداً إلى أسعار خام برنت التي قفزت من 24 دولاراً إلى 57 دولاراً للبرميل. وفي المقابل يؤكد بنك التنمية الافريقي أن سعر الـ60 دولاراً للبرميل سيؤمن نحو 33 ألف دولار كمعدل دخل سنوي للفرد في أي دولة افريقية منتجة للنفط، ولكن في دولة كالسنغال يقف معدل دخل الفرد عند 849 دولاراً فقط. فهل يبقى من زيادة لمستزيد؟

لقد ارتفعت فاتورة السنغال من النفط المستورد بأكثر من الضعفين بين 2002 و2005، مؤدية إلى كلفة إضافية على امتداد السنوات الثلاث بلغت 487 مليون يورو.

فاتورة بوركينا فاسو النفطية ارتفعت بين 2004 و2005 فقط بأكثر من 12 مليون يورو، بينما تضاعفت نفقات النيجر النفطية أربع مرات. وبالتالي، يمكن القول إن التدمير يلف عموم القارة الافريقية والحاجة الملحة للتدخل السريع غير مسبوقة. فمن أجل ضمان المحافظة على ترابط النسيج الاجتماعي وحماية عنصر المنافسة في اقتصادات الدول الافريقية غير النفطية تبدو هذه الدول وكأنها أضحت مجبرة على استخدام مبالغ دعم ميزانياتها الحيوية لمواجهة النفقات المتنامية، الباهظة للنفط والكهرباء. والحصيلة أنه لن يتيسر لنا إنجاز أي تنمية حقيقية طالما واصلنا إهدار مواردنا لمجرد البقاء حيث نحن.

وبما يخص السنغال، لقد ارتفع حجم الدعم المباشر المخصص لتأمين النفط من 35 مليون يورو عام 2002 إلى أكثر من 180 مليون يورو. وثمة حقائق مشابهة تعيشها كل دول غرب افريقيا، ومعها تتولد تهديدات خطرة على استقرارنا الاقتصادي والمالي والاجتماعي.

ان غايتنا الجماعية، سواء في افريقيا أو في منظمة الأمم المتحدة كما عبر عنه في laquo;اهداف الألفية التنمويةraquo;، التي تشتمل على القضاء على الفقر، وترويج التعليم الحكومي، وتوفير مزيد من فرص الاستفادة من خدمات الصحة العامة، ستتحول إلى مجرد أحلام ورعة. أضف إلى ما تقدم أن الدول الغنية المنتجة للنفط في افريقيا ستواجه خطر التعرض لموجات من الهجرة السكانية الكبيرة لدوافع معيشية حادة. ومما يزيد الطين بلة، ستفرض اسعار النفط الباهظة عبئاً ثقيلاً يهدد بإطاحة كل الأفضليات المأمول بها والمطلوبة بشدة من مبادرتي laquo;البلدان الأعلى مديونيةraquo; و laquo;الدين المتعدد الأطرافraquo; IADM.

ولكن، وبينما كنت أشارك في laquo;القمة الافريقيةraquo; المنعقدة في بانجول، عاصمة غامبيا، خلال الشهر الفائت خطرت ببالي فكرتان اعتقد أنهما قد توفران فرصة لإنقاذ دول افريقيا غير النفطية. فعلى المدى الطويل يجب أن يكون هدفنا السير قدماً باستراتيجية جديدة لتحويل منطقة laquo;بانبraquo; - أي laquo;رابطة عموم افريقيا للدول غير المنتجة للنفطraquo; - إلى منطقة عالمية رائدة في مضمار الوقاية الاحيائية واستراتيجيات الطاقة البديلة، كما تعلمنا وما زلنا نتعلم من تجربة البرازيل.

على افريقيا أن تتخذ لنفسها موقعاً كمصدر طاقة مستقبلي للعالم. علينا كسر العادة النمطية المتمثلة بالعجز عن الاستقلال بمقدراتنا.

غير أن فكرتي الثانية هي الأكثر إلحاحاً وتتعلق بضرورة ايجاد حل سريع لأكلاف الطاقة الباهظة والمدمرة.

فماذا لو عرضت laquo;بانبraquo; - كحل عاجل اضطراري - الدول الافريقية المنتجة للنفط - وكذلك المجتمع الدولي وشركات النفط الكبرى - معادلة رياضية لتصحيح الكلفة الإضافية؟

معادلتي، أو laquo;معادلة وادraquo;، كما أسماها أحد الصحافيين أخيراً، تحمل إمكانيات وقف تدمير قارتنا. وهي وفق عملية جبرية بسيطة تأخذ ما يلي في الاعتبار:

pt - 29) Qt = St)

Pt تمثل السعر الحالي للنفط الخام

29 تمثل علامة تحديد سعر النفط الخام عام 2003

Qt تمثل كميات النفط التي استوردتها laquo;بانبraquo;

St تمثل الكلفة الإضافية التي تقتل اليوم جزءاً كبيراً من افريقيا

فماذا لو امتص نصف الـQt الفائض النفطي للدول الافريقية المنتجة للنفط، بينما يغطى النصف الآخر من تمويل مصدره المؤسسات الدولية والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي... إلخ، وذلك لقاء قروض طويلة الآجال منخفضة الفائدة لنقل بحدود الـ5 في المئة. أو وهذا خيار أفضل، لماذا لا نطوّع حاجاتنا كوسيلة خلاقة لاستغلال بعض الارباح الريعية من الشركات نفسها التي تستخرج ملايين البراميل من النفط الافريقي يومياً؟

شركات النفط الكبرى، مثل إكسون موبيل وشل وشيفرون وتوتال وب بي... لا بد أن تكتشف أن laquo;معادلة وادraquo; تخدم مصالحها كثيراً. وكرائد للاقتصاد الحر في افريقيا، سيسعدني وضع معادلتي بتصرف القطاع الخاص.

إن عافية هذه الشركات المساهمة العملاقة وحيويتها تكمنان في الاستقرار الطويل الأمد فيالدول التي تقوم فيها بأعمال التنقيب والتطوير، وكلنا يدرك العواقب الوخيمة عندما تتجاهلالشركات أو ترفض تلبية الحاجات المحلية للسكان في المناطق التي تعمل فيها. وفي دول laquo;بانبraquo; لهذه الشركات أسواق متطورة، وهم بحاجة لاحتفاظنا بالقدرة على شراء منتجاتهم.

وحالياً أسعار أسهم هذه الشركات في بورصتي نيويورك ولندن على علاقة وطيدة بنظرة الجمهور إليها كشركات لها ضمير أو التزام اجتماعي مسؤول. وعلى هذا الأساس سيفرح laquo;بانبraquo; أن تساعد شركات مثل إكسون موبيل وشل على تحقيق ما تصبو إليه، في حالة مثلى لمفهوم الربح للجميع.

إن laquo;معادلة وادraquo; تعرض على اصدقائنا من منتجي النفط سبيلاً كي يثبتوا أن قلوبهم وجيوبهم تتبع جسماً تجارياً واحداً. واضعف الايمان هنا ان افريقيا بحاجة إلى حل عاجل لأزمة الطاقة إذا كان لنا منع تعثر مسيرة تقدمنا، ومن حسن الحظ أن ثمة سيولة مالية كافية لتعميم السعادة على جميع الأطراف.


* رئيس جمهورية السنغال.