تدور هذه الأيام معركة ثقافية نشارك فيها جميعا حول النقاب والحجاب وأهميتهما الدينية وهل هما فرض ديني أو واجب شرعي أو هما ليس من أصول الاسلام..
وبعيدا عن تديين هذا النقاش.. أتمني أن ننظر له من زاوية مختلفة لها علاقة بالعصر الذي نعيش فيه..
الحجاب (أو عدمه).. هو بلاشك تعبير عن الحرية الدينية وحرية العقيدة.. وحرية العقيدة هي من أول وأبسط وأهم حقوق الإنسان..التي يجب أن ندافع عنها جميعا.. هي المدخل الي أي نظام سياسي يحترم الانسان والمواطن.. ولعل هذا هو السبب في مناقشتي هذه القضية..
فالنقاش أشارك فيه من هذا المدخل.. ليس من مدخل ديني..
يجب..في رأيي الشخصي..أن نحترم جميعا حق المرأة أن تلبس الحجاب لأنها تعتبره ضرورة لالتزامها الديني.. ويجب في نفس الوقت أن نحترم حق المرأة ألا تلبس الحجاب لأنها لا تراه ملزما دينيا.. أو لا تري ضرورة في أن تظهر التزامها الديني للآخرين.. أو أنها ليست ملتزمة دينيا من الأصل..
لأن البشر.. ليس من حقهم فرض الالتزام الديني أو فرض عدم الالتزام علي الآخرين..
لقد وصل الإنسان في كل بقاع الأرض في العصر الحديث الي قناعة مازلنا نحاول مقاومتها.. مقاومة أراها السبب في كثير من مشاكلنا.. وتفشي ثقافة الاستبداد والديكتاتورية في مجتمعاتنا..قناعة مفادها أن الدين والالتزام به هو حق فردي وحرية شخصية.. علاقة بين الانسان وربه.. ليس من حق الآخرين أن يتدخلوا فيها..
من حق المجتمع أن يتدخل فقط لمنع إيذاء الآخرين..
من حقه أن يتدخل لمنع السرقة والقتل والاغتصاب والاختلاس والاعتداء علي الممتلكات الشخصية والعامة وإرهاب الآخرين فكريا أو جسديا..
ويجب في ظل هذا التفكير أن ننظر أيضا الي النقاب..
من حق المرأة أو من يؤيدها في ذلك...أن تنظر الي النقاب علي أنه واجب ديني.. ولكن ليس من حقها أن ترفض الكشف عن وجهها للتأكد من هويتها الشخصية..وعليها هي أن توازن بين الأمرين..وليس المجتمع أو النظام..
عليها هي أن توازن بين الخروج الي الشارع والعمل.. الأمر الذي يستدعي الطلب منها في أي وقت الكشف عن وجهها للتأكد من شخصيتها وبين أن تقر في منزلها حتي لا يطلب منها غريب ذلك..
من حقها أن تتنقب في الأماكن العامة..ولكن ليس من حقها عدم الكشف عن وجهها لأسباب أمنية أو أن العمل الذي تتقدم اليه أو المكان الذي تذهب اليه يشترط كشف الوجه لأسباب أمنية أو لأهمية التواصل الإنساني.. لأن إصرارها علي عدم كشف وجهها هنا هو اعتداء علي حرية الآخرين..
ومن هذا المنطلق يجب أن ننظر الي تصريحات وزير الثقافة الأخيرة.. من حقه وحق غيره أن يقولوا رأيهم الشخصي في الحجاب.. بل وفي الدين نفسه سواء كان الاسلام أو المسيحية..ولكن ليس من حقه خاصة كمسئول أن يمنع موظفة مثلا من لبس الحجاب الذي يكشف الوجه.. من حقه كمسئول أن يشترط علي أي موظفه في وزارته أن تكشف وجهها ولكن ليس من حقه إطلاقا أن يطلب منها كشف شعرها أو ذراعها أو أي جزء آخر من جسمها..
والعكس صحيح.. ليس من حق أي مسئول ينتمي مثلا سياسيا أو ثقافيا الي جماعة الإخوان..أن يطلب أو يفرض علي موظفاته التحجب.. ليس من حق أي مدرسة عامة تابعة لوزارة التربية والتعليم أو جامعة أن تطلب من طالباتها لبس الحجاب أو عدم لبسه..ولكن من حق هذه المؤسسات الطلب من الطالبات كشف الوجه للتحقق من الهوية الشخصية..
أمور اصبحت من المسلمات في كل الدنيا.. حرية العقيدة.. هي حق انساني.. لايحق للمجتمع أن يتدخل فيها إلا فيما يؤثر علي المجتمع.. أو يعتبر اعتداءا علي حرية الآخرين..
ولأضرب مثالا بسيطا..
من حق أي إنسان في أي دولة في العالم..أن يكون متدينا وملتزما تماما بدينه جوهرا وشكلا..وأن يدعو الي هذا الدين بحرية تامه..ويدعو الي الالتزام به.. ولكن ليس من حقه أن يفرض علي الآخرين هذا الدين أو الالتزام به بالقوة.. أو حتي بالتحريض علي استعمال القوة أو العنف.. وهو ما يضع كثير من المسلمين وخاصة الدعاة منهم في الغرب تحت طائلة القانون من حيث لا يدرون أو يقصدون..
وللتركيز علي مصر كدولة مدنية وكتلخيص للأمر..
من حق رجال الدين الاسلامي ودعاته والمؤمنين به دعوة النساء الي الالتزام بالحجاب.. طالما يفعلون ذلك بطريقة سلمية وهادئة دون ترهيب أو إرهاب فكري أو جسدي..ولكن ليس من حق أي منهم فرض الحجاب علي أي امرأة بالقوة.. إن قررت كل نساء مصر لبس الحجاب بإرادتهن البحتة.. فهذا حق لهن لا يستطيع أحد أن يعترض عليه..
ولكن يجب أن نفرق بين الحجاب والنقاب.. لأن كشف الوجه هو مرتبط بالتحقق من الهوية الشخصية.. والتحقق من الهوية الشخصية هو حق للمجتمع ككل..
وفي نفس الوقت لو قررت نساء مصر أو أغلبيتهن رغم كل دعوات رجال الدين الاسلامي والمؤمنين به خلع الحجاب.. فهو حق لايستطيع أي انسان الاعتراض عليه أو منعه بالقوة..
كل امرأة بالغة من حقها التحجب أو عدم التحجب.. حتي الزوج أو الأب ليس من حقه فرض الحجاب علي زوجته أو ابنته الراشده قانونا وعقلا.. قد يكون من حق الزوج أن يطلق زوجته إن رفضت الحجاب ولكن ليس من حقه فرضه عليها..
إن حق المرأة في اختيار الحجاب أو خلعه هو حق إنساني أصيل مرتبط بالحق الانساني في حرية العقيدة.. قبولها أو رفضها..
لن نستطيع فهم حقوقنا السياسية والحصول عليها إن لم نفهم حقوقنا الانسانية وكيفية الحصول عليها..
الحرية السياسية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحقوق الانسان.. وأولها حقه في حرية العقيدة..وعدم التقرقة بين البشر علي أساس الدين أو اللون او الجنس أو العرق..
لكي نحصل علي حقوقنا وحريتنا السياسية..لابد أن نتبني ثقافة حقوق الانسان وحقوق المواطنة أولا..
لابد أن نتبني ثقافة حق الانسان المصري أن يكون مسلما سنيا أو شيعيا أو صوفيا أو يكون مسلما فقط ويرفض المذاهب..حقه أن يكون مسيحيا أرثوذكسيا أو كاثوليكيا..حقه أن يدعو الي دينه أو مذهبه بحرية تامة طالما يفعل ذلك بطريقة سلمية وبدون تحريض علي العنف.. بل وحقه في رفض الدين وابداء رايه هذا بحرية..
لابد أن نفهم ونقتنع أن من حق المرآة أن تتحجب أو تخلع الحجاب..ليس من حق أي مسئول أن يمنع مذيعة مثلا من لبس الحجاب وليس من حقه أن يفرضه عليها..
في النهاية لن نحصل علي حقوقنا كشعوب إلا إن حصلنا أولا علي حقوقنا كأفراد..حق تقرير المصير هو ليس للشعوب والدول فقط..ولكن قبل كل شيء هو حق للفرد أولا..
- آخر تحديث :
التعليقات