ملاحظة
ملاحظة بودي أن أبديها لقرائي الكرا م، إن كاتب هذه السطور مضطر للكتابة في الحقل السياسي العراقي لأن العراق بالنسبة إليه ليس وطنا، بل عشيقة مغمَّسة بأعتى شهوة روحية صارخة، وإلاّ يتحرق شوقا للكتابة عن معركة بدر، وفن ( كارسيا) الساحر الحزين ، وفلسفة العقل، وتموجات الجسد الحديث ليس في عالم الوجد المكنون ولكن في عالم العلن الجريئ! وعزائي أنها مادة جاهزة، لعل الله يمن علي بفرصة تكحيل عيني (إيلاف)، هذه الزوجة المشاغبة، وذلك بما يسمح القدر من نصيب، فيبدو إن الإرادة كلمة ليس لها من حظ في متن الوجود إلا في القاموس اللغوي المحنّط.
والآن...
كيف يمكن أن نرى مستقبل العراق الجريح ؟
لا تعدو التصورات في هذا الميدان سنة التوقعات المحتملة، والمشكلة الكبيرة إنها إحتمالات على سنة الإمكان الفلسفي وليس على سنة الفكر الغربي، أي الإحتمال المحسوب رياضيا وحسابيا، مما يشجع على شي من الجزم أ و الترجيح.

1
الإحتمال الأول كما أتصور أن تبقى الحالة على ما هي عليه في سياق إدراة الصراع بين القوى والمكونات التي يتشكل منها الشعب العراقي حتى إضعاف الجميع، وبطبيعة الحال اللاعب الإساسي في إدارة الصراع هو أمريكا، بل هي فكره الإستراتيجي المؤقت في هذه الفترة من الزمن الحرج. وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن أمريكا لا تمارس القوة الشرسة هنا وهنك، فهي مستمرة بذلك، وقد قلت في مقال سابق أن أمريكا الآن بصدد سياسة القوة في أقصى ممكانتها مع كل الفرقاء والعناصر العراقية رغم تناحرها وتناتقضاتها، ولكن بقدر محسوب وبالشكل الذي يكون في السياق العام لإدارة الصراع.


2
أن ينفلت الوضع في العراق تماما، يصل فيه المستوى إلى حرب أهلية طاحنة، الآن العراق على مشارف حرب أهلية شاملة، ولكن ليس في حميم حرب أهلية شاملة، الحرب الأهلية الشاملة تعني أن يعم قتال وليس اغتيالات وخطوفات هنا وهناك، الحرب الطائفية الشاملة ممكنة، وهي أقرب للواقع من النفي الذي يصر عليه بعض المسؤولين العراقيين.
والحرب الطائفية إذا حصلت بهذا الشكل سوف يصيب شررها كل المنطقة.

3
أن يتم توافق مصالح بين إمريكا وإيران، وربما مع سوريا أيضا، كلا على حدى أو كليهما ، ولكن مثل هذا الاحتمال يبدو صعبا في ظل المعطيات الحالية. فإن العراق ليس محل صراع بين أمريكا من جهة وكل من سوريا وإيران من جهة اخرى، بل هو آلية صراع، فهناك موضوع الملف النووي، وموضوع المحكمة الدولية، وموضوع المقاومة الفلسطينية، وموضوع أمن الخليج، وبالتالي، فإن التفاهم بين إمريكا وكل من إيران وسوريا معقد للغاية، لان وراء كل ذلك معارك مصيرية تهم مستقبل كل طرف من الأطراف الثلاثة.\
لا شك أن الإحتمال وارد، ولكن تعترضه صعوبة جوهرية، تلك هي أن القضايا المختلف عليها أكبر من بكثير من تصورات المتمنين، وحتى إذا كانت هناك خطوات على الطريق، فإ ن الامر يحتاج إلى وقت طويل. وأعتقد أن العراقيين وربما ا لمنطقة تأمل بمثل هذا الإحتمال، ولكن ليس بعيدا عن إرداة وتصورات وأمن الدول الخليجية، وهذه أيضا من مشاكل هذا الحل.

4
أن تضع أمريكا خطة جديدة، تعتمد على زيادة القوات، وتمرين سريع ومكثف للقوات العسكرية العراقية، ومن ثم تبدا بخطة تصفية كاملة وشاملة للمليشيات بدون رحمة، وربما ما تسرب من أن بوش يعد لخطة نهائية في صدد العراق إنما ياتي في هذا السياق، كذلك فكرة إرسال عشرين ألف جندي أمريكي جديد، فإن زيادة منسوب القوة يعني زيادة منسوب الممارسة للقوة.
يبدو لي أن إدار ة بوش بشكل عام مع هذا الحل، فقد استبعد بوش أكثر من مرة الحوار مع إيران حول مستقبل العراق، فيما تساهل بعض رجاله بفكرة الحوار مع سوريا. ربما يشير البعض إلى مشروع بيكر، ولكن لنعم أ ن بيكر يرفع توصيات وليس تعليمات، وبوش هو المسؤول عن السياسة الخارجية، ومن حقه أن يشن حربا من طرفه لمدة تسعين يوما.

5
الإحتمال الخامس أن يستلم الجيش العراقي الأمر برمّته بالتعاون من القوات الامريكية، ويستلم الجيش الوضع بالتدريج من خلال توسيع قاعدته البشرية، ومن خلال تزويده بسلاح امضى وأقوى وأشد، وتزويده بالمعلومات والمعدات اللوجستيكة، ويتولى الجيش بعد ذلك ضبط الأمور، وليس أمام الجيش العراقي غير القوة، فيما إذا فشلت المعاسي الحوارية مع مكونات المشكلة العراقية، من سنة وشيعة وكرد وعرب...
ليس هذا نوع من الإنقلاب العسكري، بل هو تسليم الامر للجيش بالتدريح، خاصة إذا أثبت الجيش قدرته على إنجاز بعض الأهداف والإنتصارات التي تصب في مصب الأمن والأستقرا. وربما يستبعد بعضهم مثل هذا الخيار الامريكي باعتبار أن أ كثر رؤساء الفرق من ذوي الإنتماءات المذهبية المنحازة، أي ضمن السياق الطائفي، ولكن أعتقد أن معالجة هذه الثغرة ممكن، من خلال ا لتافهم مع هذه القيادات، فإن رائحة الحكم تعدي وتزكم، كما أن بالامكان إسترجاع بعض الضباط الذين كانوا في المنفى، وذلك بالتعاون مع قواد الفرق الحا ليين.

6
الاحتمال السادس أن يتفجر الوضع فوضويا، يتفجر دراماتيكيا، فتختلط الأمور، وتتداخل الحوادث، بحيث ينطبق على الإحتمال عنوان الفوضى العارمة، تضيع هنا التقسيمات الطائفية والعرقية، هناك فوضى لا يمكن تحديد الخطوط الفاصلة بين مكوناتها، وربما في مثل هذه الحالة تنسحب القوات الأمريكية، وتدخل دول الجوار بكل ثقلها في العراق، تغذي الفوضى هنا، وتضبطها هناك، وذلك حسب طموحاتها و ممكنتها.
وبعد هذه أقرب الاحتمالات لمسقبل العراق القريب، وكلها لا تبشر بخير، وليس أمام العراقيين إلا أ ن يتقوا الله في وطنهم وشعبهم، ويجلسون على طاولة الحوار الجاد، بعيدا عن تدخل دول الجوار، وبالإستقال عن القرار الأمريكي، فإن أهل مكة أدرى بشعابها، والله الموفق للخير.