اختلفت آراء الاعلاميين والصحافيين السوريين إزاء صدور صحيفة سورية جديد أطلق عليها quot;الوطنquot; ووصفها ناشروها بأنها quot;أول صحيفة سياسية مستقلةquot; في البلاد، بين متفائل يريح رأسه كل يوم على وسادة كتب عليها quot;إننا محكومون بالأملquot;، ومتشائم لم ينس أنه مشى منذ سنوات في جنازة quot;الدومريquot; الساخرة . وجاءت هذه الصحيفة الجديدة في ظل استمرار العمل بقانون مطبوعات صادر عام 2001 يصفه صحفيون سوريون ومحامون متخصصون وبعض منتسبي نقابة الصحفيين بأنه quot;قانون مقيد لحرية الصحافة والصحفيينquot;.
وفي غضون ذلك، تجدر الإشارة إليه ظهور تجارب صحفية جديدة في سوريا لم نعتد على رؤيتها منذ سنوات طويلة؛ حيث انطلقت مشاريع استثمار في الصحافة الإلكترونية، وجاءت مطبوعة يومية جديدة لتبشر -حسب ما علمنا- بقرب صدور صحف سورية أخرى منها الأسبوعي ومنها اليومي بدعم من رجال أعمال سوريين وتجار وصناعيين لم يعرف عنهم أي اتجاه سياسي.
وبقدر ما يدعو هذا النشاط المحموم للتفاؤل ndash; على الأقل من ناحية تأمين فرص العمل لعشرات الصحفيين السوريين خارج نطاق الصحافة الرسمية- إلا أنه كان من الأجدى ضخ وحفظ هذه الخمور السورية الجديدة في جرار جديدة وليست قديمة، أي أن يتم أولا تعديل قانون المطبوعات المقيد لحرية الصحافة واستبداله بقانون آخر عصري يسمح بحرية الصحافة ويتيح للصحفي السوري تناول مختلف القضايا دون أن يتعرض للملاحقة أو السجن، وهذا كان أمل الصحفيين السوريين منذ سنة كاملة عندما حصل اعتراف رسمي بأهمية إسقاط عقوبة حبس الصحفيين.
وعقب صدور العدد الأول من صحيفة quot;الوطنquot; تلقفتها انتقادات عديدة حتى من قبل بعض الصحفيين المقربين من دوائر رسمية، ووصفوها أنها quot;عاديةquot; جدا كما جاء على عدد من المواقع الالكترونية داخل سوريا، وشبهها آخرون بالصحف السورية الرسمية انطلاقا من أن صحيفة quot;البعثquot; لسان حال حزب البعث في سوريا نشرت ترحيبا بصدور الصحيفة الجديدة، وذهب بعض الصحفيين إلى التقليل من أهمية صدور هذه الصحيفة مشيرين إلى منع نشر صحف سورية أخرى مثل الصحيفة الساخرة quot;الدومريquot; لرسام الكاريكاتير السوري- العالمي علي فرزات.
لكن، أزعم أنه ليس من المنطقي في شئ الحكم على تجربة صحيفة سورية منذ العدد الأول أو حتى الخمسين، ويجب أن تعطى مهلة زمنية نرى فيها مدى دقة شعار الاستقلالية الذي أعلنته، ونقيس رؤية الناس لها، و إقبال المواطنين عليها، ونستطلع رأي الزملاء فيها بعد فترة زمنية من حيث تجربتهم في صحيفة غير رسمية وهامش العمل الصحفي المتاح لهم، فضلا عن المردود المالي العائد للصحافيين العاملين فيها.
كما أزعم أيضا أنه ليس من المنطق في شئ إحباط أي تجارب صحفية في سوريا، وأشير هنا إلى التجارب الصحفية التي تأتي في إطار العمل الصحفي الإخباري، بما فيها الصحافة الإلكترونية، مثل موقع quot;سيريا نيوزquot; الذي يوجد فيه أكثر من 30 صحفيا يتقاضون عائدات مالية منه.
يجب تشجيع هذه التجارب الصحفية الجديدة، سواء اتفق أو اختلف المراقبون والمثقفون مع عمود رأي فيها أو أسلوب وطريقة تحرير الأخبار أو كيفية تعاطيها مع بعض الشؤون الداخلية، وما المانع أن يكون لدينا في سوريا عشرات المواقع مثل quot;سيريا نيوزquot; ؟. هذا الموقع يوفر فرص العمل لعشرات الصحفيين، ويغطي الشأن الداخلي من الفقر إلى البطالة والفساد ومحاكمات المثقفين والنشطاء السوريين بهامش معقول لم نكن نحلم به في سوريا منذ سنوات، حتى أنه استطاع أن يجبر عددا من المسؤولين السوريين أن يكتبوا للموقع ردا على تقارير صحفية حول المؤسسة أو الشركة التي يديرونها.
وكان موقع quot;سيريا نيوزquot; هو الذي أشار إلى أن صحيفة quot;الوطنquot; quot;لا يمكن اعتبارها تصدر في سوريا لأنها لم تحصل على ترخيص بموجب قانون مصدق من مجلس الشعب بل حصلت على ترخيص من المنطقة الحرةquot;.ونقل عن مسؤولين قولهم أن الصحيفة خاصة وتنطبق عليها القوانين التي تنطبق على الصحف غير السورية والتي تحتاج لموافقة للدخول إلى الأراضي السورية كما أنها تخضع للرقابة.
وعلى صعيد مقابل، لا بد من الاعتراف أنه في بلد متنوع اجتماعيا وثقافيا ودينيا مثل سوريا، ليس مدعاة للفخر أن نحتفل بظهور صحيفة جديدة quot;مستقلةquot; هي الأولى منذ عشرات السنين، لأنه كان الأحرى بنا اليوم أن نحتفل بظهور الصحيفة العاشرة المستقلة في البلاد والموقع الإلكتروني العشرين على الإنترنت، فيما كانت تصدر في سوريا صحف كثيرة حتى قبل الحرب العالمية الأولى في مختلف المحافظات السورية مثل صحيفة quot;الإنسانيةquot; التي كان يصدرها الشيخ حسن رزق في مدينة حماة، والتي كانت تصل بعض أعدادها التي تحوي مقالات مترجمة عن الثورات الأوروبية التحررية إلى صالح العلي في الساحل وابراهيم هنانو في الشمال مع بعض التجار المسافرين على ظهر الحمار!
ومعلوم أن لجنة اعلامية سورية مؤلفة من صحفيين رسميين ومستقلين كانت قد أدخلت تعديلات على قانون المطبوعات الصادر عام 2001 وأرسلتها للحكومة للموافقة عليها، ومن هذه التعديلات quot;إلغاء عقوبة السجن بحق الصحافيين وإيقاف العمل بالبنود المتعلقة بسحب التراخيص من قبل رئيس الوزراء، وجعلها مرهونة بالمؤسسات القضائية فقطquot;.
وكان قانون المطبوعات الصادر عام 2001 قد أثار استياء الصحفيين السوريين لكثرة الممنوعات الواردة فيه وتسابق الكتاب والأدباء والصحفيون إلى تشبيه هذا القانون بالقوانين العثمانية لما فيه من مواد وصفت بالغريبة حيث لاحظ الزميل ابراهيم حميدي، مراسل quot;الحياةquot; بدمشق، أن اغرب المواد الموجودة في القانون، الفقرة ج في المادة 28 ونصت على ان quot;لا يسأل الصحافي عن مصادر معلوماته الصحافية باستثناء ما يسنده إلى مصدر مسؤول، وللوزير صلاحية سحب بطاقته الصحافية في حال امتناعه عن التعريف بهذا المصدرquot;، وقال quot;غير أن المرسوم لم يعرِّف هذا التعبير المبهم (مصدر مسؤول)، ما يفتح الباب أمام تأويله على نحو تعسفيquot;.
ووفق قانون مطبوعات عام 2001 قد يتعرض الصحفي لعقوبة تصل إلى السجن مدة ثلاثة أعوام إضافة إلى غرامات مالية تصل إلى مليون ليرة سورية إذا أساء إلى quot;الأمن القومي أو علاقات سورية بدولة أجنبية أو نشر معلومات كاذبةquot;.
وأخيرا، تبقى الإشارة إلى أن التعديلات التي أرسلتها اللجنة الاعلامية السورية إلى الحكومة للموافقة عليها لا يعرف مصيرها حتى اليوم، مما دفع بعض الصحفيين السوريين إلى الشعور بالقلق حيال عدم صدور قانون المطبوعات الجديد، كما لاحظ الزميل أيمن الدقر رئيس تحرير مجلة quot;أبيض وأسودquot; الأسبوعية الخاصة في سوريا، عندما قال quot;بعد مرور أشهر خمسة على ما (أنجزت اللجنة) لم يصدر القانون، وبدأت أخشى أن يكون (إنجاز اللجنة) قد فهم من قبل البعض (اقترافاً) أو (ذنباً) مما أدخل ذلك القانون في سبات عميق، ولم تعد المشكلة خوفاً من الدرب الواقع بين المجلسين( مجلس الشعب ومجلس الوزراء).. بل مشكلة وفاة القانون قبل ولادته، دون الإعلان عن ذلك، منعاً من تقبل العزاء به.
فهل يصدر قانون المطبوعات الآن بالتعديلات التي اقترحها اعلاميون سوريون، وبشكل خاص إلغاء عقوبة حبس الصحفيين، وتصدر كل المطبوعات الجديدة وفق القانون الجديد وبالتالي تكون الخمور السورية الجديدة قد وضعت في جرار جديدة ؟ أما أن قدر الصحفيين هو الانتظار وقدر الصحف المولودة حديثا والتي ستولد قريبا أن تبقى في المنطقة الحرة وتعامل معاملة الصحف غير السورية القادمة من لندن أو بيروت أو القاهرة ؟!
التعليقات