شركات التامين على خطى نوبل السلام

تم منح جائزة نوبل للسلام هذه السنة مناصفة إلى أمير الفقراء، كما اسماه عبد الرحمان الراشد في صحيفة الشرق الأوسط، الدكتور محمد يونس و البنك الذي أسسه و يشرف على إدارته: بنك جرامين، والمعروف ببنك القروض الصغيرة، كما بينت في مقالي السابق: quot;نوبل السلام لبنك الفقراءquot;. وهو النجاح الذي أعطى حافزا قويا لإنشاء ما يزيد عن 10 آلاف مؤسسة تمويلية في مختلف أنحاء العالم تعنى بمنح القروض الصغيرة لحوالي 100 مليون شخص، ينتمون لاكثر الشرائح الاجتماعية فقرا و معظمهم من النساء. يركز هذا المقال على دور شركات التامين التي دخلت هي الأخرى على الخط بمنح خدماتها بناء على نفس النموذج و باستهداف نفس الشرائح الاجتماعية التي استهدفها د. محمد يونس، كما جاء في تقرير لصحيفة quot;وول ستريتquot; بتاريخ 16 أكتوبر الماضي. فما هو quot;التامين صغير الحجمquot; (microinsurance) ؟ و ما هي أهميته بالنسبة لمكافحة الفقر في الدول العربية؟

يحتاج بنك الفقراء للتامين على القروض (الصغيرة) التي يمنحها، حتى يتمكن من استخلاص مستحقاته في حالة تعرض المقترض إلى خسارة وسيلة الإنتاج التي يستعملها أو في حالة الوفاة، تماما كما تحتاج إلى ذلك البنوك التقليدية. لكن الحجم الصغير للقرض و فقر المقترض تجعل شركات التامين التقليدية غير راغبة في إسداء خدماتها، و لنفس الأسباب التي تجعلها غير راغبة في منح القروض الصغيرة للفقراء، و أهمها التكلفة الإدارية العالية لدراسة الملفات المقدمة مقارنة بحجم العملية، و وجود الشرائح المستهدفة في مناطق نائية و معزولة.

لعل المشجع في الأمر أن اكبر شركات التامين العالمية كانت أول من بادر بالمغامرة في هذا المجال، و في مقدمتها العملاق الأمريكي quot;أميريكن انترناشيونال جروبquot; (AIG) الذي بدا برنامجا رائدا في أوغندا يوفر التامين على قروض معدلها 400 دولار، مقابل بوليصة تامين لا تزيد عن 15 دولار. و قامت الشركة بتعميم هذه الخدمة في بلدان أخرى مثل الهند، السلفادور و جواتيمالا، حيث بلغ العدد الإجمالي للمنتفعين حوالي 5،1 مليون شخص. و تأمل الشركة أن يتجاوز حجم هذه الخدمة لديها 100 مليون دولار سنويا في اقل من 10 سنوات. مع التنويه بان هدف الشركة هو تجاري بحت (أي الربح)، و يتحقق ذلك بإقامة الشركة لعلاقات أعمال مع شريحة واعدة من المجتمع خصوصا إذا ما تحقق خروجها تدريجيا من الفقر و ارتقت ، كما هو مأمول، إلى مصاف الطبقة الوسطى. و سار العملاق الألماني (الايانز) على نفس المنوال، حيث انشا قسما خاصا لهذا الغرض
quot; Munich Re Foundation quot; و طور شراكة مع طرف هندي بإنشاء مجموعة quot; Bajaj Allianz quot; في العام 2003 ، تبعتها وحدة جديدة في إندونيسيا تم افتتاحها في شهر أغسطس الماضي، تبيع بوليصة تامين على الحياة تتعهد بموجبها، في حالة وفاة المقترض، بدفع ما تبقى من القرض بالكامل إلى الجهة المقرضة و دفع ضعف المبلغ إلى عائلة المتوفى.
و دخلت المؤسسات الخيرية المعمعة، و في مقدمتها مؤسسة quot;بيل و ليندا جايتسquot; و مؤسسة quot;اغا خانquot; و quot;اكسيون انترناشيونالquot; ،حيث تعتبر هذه المؤسسات هذا التامين عملا مكملا لعمل القروض الصغيرة، مع الفارق الهام وهو أن هذه الأخيرة لا تهدف للربح من خلال أنشطتها. و هذا ما وعاه العملاق الأمريكي في مجال التامين quot;آي-آن-جي) الذي منح هذه السنة 5،5 مليون دولار إلى المؤسسة الخيرية quot;اكسيون انتارناشيونالquot; ، و مقرها بمدينة بوسطون، التي قامت بمنح ما يقارب 4 مليون دولار كقروض صغيرة للفقراء في 23 بلدا في مختلف قارات العلم، خلال السنوات الماضية. و تتعهد المؤسسة الخيرية باستعمال هذه الأموال الممنوحة لتقديم خدمات جديدة و في مقدمتها التامين بمختلف أنواعه و فتح حسابات ادخار توفر عائدا ماليا للفقراء.

مازال برنامج التامين صغير الحجم الموجه للفقراء في بداياته. مع ذلك، توجد في العالم حاليا حوالي 250 مؤسسة تعمل لهذا الغرض. كما تم إنشاء مركز متخصص هدفه التعريف و نشر الوعي بأهمية هذا المشروع (موقع: www.microinsurancecentre.org) ، و ينشط في عديد الدول منها الأردن حيث يساعد صندوق تمويل المرأة quot; quot;MicroFund for Woman.

كما لا بد من التنويه بأهمية التامين في القطاع الزراعي في الدول النامية، حيث توجد مخاطر عدة مثل تلف المحاصيل جراء الفيضانات أو الجفاف أو بعض الكوارث الطبيعية الأخرى ... لكن شركات التامين التقليدية تنأى بنفسها عن هذا النشاط، حيث تعمل شركة تامين واحدة في هذا المجال من مجموع 36 شركة تامين في جمهورية الدومينيكان، على سبيل المثال، و ثلاث شركات فقط في دولة الأرغولي من مجموع 18 شركة تامين... لذلك لا بد من إنشاء مؤسسات متخصصة من هذا النوع في الدول العربية. كما لا بد من اعتماد برامج على مستوى المنطقة، كما حصل في الماضي مع مبادرة برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية الذي يرأسه الأمير طلال بن عبد العزيز، و هي المبادرة التي عملت على إنشاء شبكة من بنوك الفقراء في الدول العربية، منها بنك الأمل في اليمن و بنك الرجاء في لبنان، و مؤسسات شبيهة في الأردن و دول أخرى (مزيدا عن هذا على موقع البرنامج: WWW.AGFUND.ORG ).

هذا نداء للأمير طلال بن عبد العزيز و الأثرياء العرب للمساهمة في هذا المجهود الحيوي لتامين الفقراء في منطقتنا من المخاطر التي يتعرضون لها، وهو أيضا نداء للحكومات العربية لاعطاء هذا الموضوع الأهمية التي يستحقها و إنشاء المؤسسات الملائمة لتحقيق الغرض المنشود.

محلل إيلاف الاقتصادي باحث أكاديمي في اقتصاديات التنمية و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
[email protected]