صرح السيد بيمول سيرفاكورن نائب وزير التجارة التايلندي مؤخرا انه قد تم افتتاح اكثر من الفي مطعم يوفر الاكلات التايلندية في اكبر مدن العالم، خلال النصف الاول من هذه السنة، مما سيرفع عددها الاجمالي الى 9 الاف بنهاية هذا العام والى 20 الف بنهاية 2008. تحقق هذا نتيجة مبادرة حكومية تم اتخاذها منذ سنوات، تحمل اسم quot; المطبخ التايلندي لكل العالم quot;، يمنح شركات المطاعم التايلندية قروضا ميسرة من بنك الصادرات والواردات ببنكوك لتمويل توسعها خارج الدولة.
بررت الحكومة دعمها السخي للمبادرة بـ :
(1) اهميتها في الحفاظ على جزء من التراث الشعبي الوطني،
(2) اهمية المطبخ التايلندي في الخارج في التعريف بالبلاد كوسيلة دعاية للسياحة،
(3) توفير فرص العمالة للمواطنين في الخارج،
و(4) تطوير قطاع المطاعم داخل الدولة باعتباره من الخدمات الاساسية الداعمة للسياحة وعنصرا هاما للمنافسة مع الدول الاخرى في هذا المجال.
والحقيقة ان الحكومة التايلندية قد اصابت في كل هذا، حيث ان الرضا عن نوعية الاكلات المتوفرة يمثل احد اهم عناصر رضا السياح بتواجدهم ببلدها وهو ما يعزز quot; مؤشر الوفاء quot; اي عودة نفس السائح لنفس البلد مرة ثانية.
لعل فرنسا اول من ادرك هذا، بدليل التطوير المتواصل للخبرات الوطنية في هذا المجال والانتشار الواسع للمطاعم الفرنسية في العالم. كما اصبح quot; دليل ميشيلان quot; المرجعية الدولية لتصنيف المطاعم. وساعد هذا فرنسا على الحفاظ على مرتبتها الاولى عالميا من حيث استقطاب السياح الاجانب.
من هنا يمكن فهم المبادرة الفرنسية الاخيرة بانشاء الاكاديمية الدولية لفنون الطبخ quot; Academie Internationale des Arts Culinaires quot; التي من المتوقع ان تقوم بتخريج 2500 خبير سنويا في فنون المطبخ الفرنسي العريقة. و تتنافس حاليا مدينتي quot;نيسquot; و quot;كونياكquot; على مقر المركب الجامعي للمؤسسة التي ستبدأ اشغال بنائها السنة المقبلة على مساحة 4 الاف متر مربع و باستثمارات 3 مليون دولار، و التي ستحتوي على قطب للابحاث والتطوير ( بالاضافة للتعليم والاشغال التطبيقية )، والتي من المقرر ان تكون المرجعية الدولية في فنون الطبخ الفرنسية، بالاضافة لاهميتها كعنصر للمحافظة على التراث ( موقع :http://blog.arts-culinaires.com ).
بقدر ما نجحت المبادرة الحكومية في تايلنده وفرنسا ودول اخرى، فشلت الدول العربية ndash; باستثناء لبنان ndash; في تطوير هذا القطاع، مما انعكس سلبا على منتوجها السياحي. فشلت الدول السياحية مثل تونس

فواكه وخضروات

مصر ndash; وحتى المغرب الى حد ما ndash; في تطوير اكلاتها الوطنية، حيث تكاد تنقرض عديد الاكلات التقليدية، كما فشلت في ملاءمة عديد الاطباق لخيار السائح الاجنبي ( مثل التقليل من البهارات والطحين، واضافة الخضروات والاجبان...). وافضل مثال على هذا، عدم وجود مطاعم ولا حتى اطباق معروفة لفئة النباتيين التي تزداد عددا في الدول الغربية، ناهيك عن الغلاء الفاحش للمشروبات الكحولية المستوردة نتيجة الضرائب وعدم توفر الجودة وشروط النظافة. وانعكس كل هذا سلبا على انطباعات السياح وادى الى ضعف كبير للقطاع حيث نادرا ما يعود السائح الاجنبي الى بلد عربي مرة ثانية. كما ان نفقات الزائر للدول العربية غالبا ما تكون اقل بكثير من المعدل العالمي المقدر حاليا بـ 1500 دولار (المزيد عن هذا في مقالي القادم بعنوان: دروس آسياوية للسياحة العربية).

اليوم والدول العربية تقوم بمراجعة استراتيجياتها السياحية الخاطئة الى حد كبير، والتي اعتمدت في الماضي على الكم على حساب الكيف، من المهم اعتمادها النماذج الاسياوية الناجحة وفي مقدمتها مبادرة quot;المطبخ التايلندي في كل العالمquot; دعما لهذا القطاع ذي الابعاد الحضارية والتاريخية ولاهميته بالنسبة للقطاع السياحي الذي لعب ويلعب دورا هاما في الاقتصاد الوطني، والذي من المتوقع ان ينمو بنسب عالية على مستوى العالم خلال العقود المقبلة.

كاتب المقال باحث اكاديمي في اقتصاديات التنمية وخبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
[email protected]