1

قلتُ في الحلقة الأولى أن أمريكا تمارس لعبة إدارة الصراع في العراق، مضطرة لذلك غير مختارة، إنه أهون الشرور بالنسبة لأمريكا في العراق، لا تملك غير هذا الحل في هذه

القسم الأول
المرحلة، ثم إن الأبقاء على الصراع متأجج في العراق بشكل وآخر من شأنه إضعاف الجميع، وأمريكا لا تريد طرفا قويا في العراق، سواء كان هذا الطرف هو الشيعة أو السنة أو العرب أو الأكراد، رغم أن الوقائع تثبت أن الأكراد هم نقطة الضغط الأمريكية الحقيقية في العراق لتمرير الكثير من مشاريعهم ومواقفهم، وهنا نستذكر ما قاله السيد الجلبي من أن أمريكا أسقطت الجعفري بواسطة الضغط الكردي. ولكن المحصلة النهائية هنا، أن أمريكا لا ترتاح لاي طرف قوي في الساحة العراقية.
إن إدارة الصراع تؤدي سياقيا إلى إضعاف الجميع كما قلت، وربما يؤدي في النهاية إلى توازن قوى، قوى ضعيفة بطبيعة الحال، وفي ذلك راحة أمريكية، وإطمئنان إلى تواجد أمريكي متمكن، ويقيني أن أي طرف يتحول إلى قوة مهيمنة أو راجحة، سوف تلقى من أمريكا ما يضعغها، ويقهقر قوتها، ويحجم قدراتها، تماما كما كانت خطة الرئيس السوري المرحوم حافظ الأسد مع قوى الصراع في لبنان، فقد كانت خطته تقوم على إضعاف الجميع بلا إستثناء، وتحقيق توازن قوى ضعيفة.

2
ولكن أين نضع النفوذ الإيراني في هذه المعادلة؟
هناك نفوذ إيراني كاسح في العراق، والإيرانيون هدَّدوا أمريكا أكثر من مرة بان لهم أذرعاً طويلة في الشرق الأوسط، بل قالوا صراحة أن لهم اخوة في السلاح في الحكومة العراقية ــ بالنص ـ والسؤال هو أين موقع الأسلحة الإيرانية التي تتدَّفق ــ كما تقول الأخبار وتؤكد الوقائع وكما يسرب بعض السياسين العراقيين المحسوبين على إيران ــ على بعض القوى العراقية من صلب معادلة إدارة الصراع هذه؟ بل هناك من يقول أن لإيران علاقات مال وسلاح مع كل القوى العراقية، رغم التناقضات التي تحكمها.
أين نضع كل هذا من معادلة إدراة أمريكا للصراع بين القوى العراقية داخل العراق؟
ليس من شك أن السلاح الإيراني في العراق يقلق أمريكا، بل هو موجّه بالذات ضد أمريكا، وله دوره الكبير في الساحة الآن بشكل وآخر، وبالتالي، يجب أن يكون هناك تفكير أمريكي في معالجة هذه النقطة بالذات، على أن يكون في نطاق خطتها الحالية، أي في نطاق إدراتها للصراع.
لا تقدر أمريكا كسح النفذو الإيراني، فهو ممتد، أخطبوط، مال وسلاح ورجال وقيادات ومراكز بحوث سرية وشركات تجارية...
إذن ما العمل؟
تحويل هذا النفوذ لخدمة الصراع، جعل هذا النفوذ في خدمة الصرا ع، وذلك بالاستفادة من التناقضات التي تحكم كل الفرق المحسوبة على إيران بشكل وآخر، فإن هذه القوى متناقضة، بل متناحرة، بل متقاتلة، وبالتالي، ما المانع من تحريك هذه التناقضات، ومن ثم تحويل السلاح الإيراني إلى نار تلتهم الجميع؟
وهكذا صار للسلاح الإيراني هذا وظيفيتان، الوظيفة الأولى ضد الأمريكان، والوظيفة الثانية لإدراة المعارك بين القوى التي تتزوّد به، وإذا كان لإيران دور كبير في الوظيفة الأولى، فإن لأمريكا دورا كبيرا في الوظيفة الثانية.
هذا التعامل الأمريكي مع السلاح الإيراني والنفوذ الإيراني في النهاية، هو ذات التعامل مع نفوذ كل نظام حدودي متورط في العراق.

3
والسؤال الأخر...
أين موقع الحكومة العراقية من هذه المعادلة؟
بكل صراحة أن الحكومة العراقية ضعيفة، وقد صرح السيد المالكي أنه لا يقدر على تحريك سرية واحدة، ثم اقل لا يستطيع تحريك أكثر من فرقتين عسكريتين، ثم الداخلية باعتراف الوزير مخترقة بالمليشيات، والحكومة اليوم في العراق بجيشها وشرطتها، وليس بجامعاتها وقضائها واقتصادها، وعليه، لا حكومة بالمعنى الحقيقي في العراق اليوم، ولعله لا نذيع سرا إن أي تحرك للقوات المسلحة العراقية مرهون بامر وسماح أمريكي، وبالتالي، ليس للحكومة وجود بالمعنى الحقيقي، والسؤال عن موقعها من صلب عملية إدارة الصراع لا محل له أصلا.
تستمر لعبة إدارة الصراع لان هي البديل الجاهز الأن.
ولكن ما ذا فيما بعد؟
هل حقا أن أمريكا تعد الجيش العراقي للمرحلة القادمة؟