تخبط السياسة العراقية وحالة الهرجلة المتصاعدة التي تفوقت على المهزلة في كثير من شؤون وشجون الحياة اليومية للعراقيين ليست ذات أبعاد داخلية فقط، بل أنها حلقات متسلسلة شملت جميع مجالات الحياة العراقية التي يفترض أن تكون جديدة!!، و لكنها للأسف لم تكن كذلك، فجبال الفساد و المحسوبية في العراق قد جعلت من ذلك البلد الذي كان غارقا و لعقود طويلة تحت جناح أبشع سلطة دكتاتورية وشمولية مهلهلا في العديد من مناحي البناء الذي لم يكتمل بل لم يحصل، وكل ما تم مجرد إجراءات ترقيعية ومحاولات بناء غير مكتملة الأركان بسبب الخلل البنيوي الفظيع المتمثل في فضية ومبدأ (المحاصصة الطائفية) أو إتباع سياسة (شيلني وأشيلك)!! ووفق أسلوب (أنا بتاعك يا بيه)!! أو معادلة (هذا ولدنا)!! السيئة الصيت و السمعة ؟ ولعل حالة السفارة العراقية في دولة الكويت هي واحدة من آلاف الحالات الغريبة و المضحكة في وطن ما زال يحبو ويبحث عن خارطة طريق وطنية شاملة للخلاص، فالسفارة هناك لم تزل ممثلة دبلوماسيا بدرجة قائم بالأعمال وحيث تتخذ من أحد الفنادق في منطقة (حولي) في الكويت مقرا لها، ولم يعين لحد اللحظة سفير عراقي معلوم بل أن هذا الملف ظل عرضة للأخذ والرد و المماطلة منذ أيام حكومة الدكتور أياد علاوي، وفي ذلك مفارقة غريبة فدولة الكويت تحظى بأهمية إستثنائية في علاقات العراق الدولية كونها كانت (بوابة التحرير)، ونظرا لخصوصية الوضع الكويتي / العراقي ولإشكاليات الماضي القريب و البعيد كان يفترض أن تكون فتح السفارات المتبادلة هي باكورة النشاط الدبلوماسي العراقي الجديد.. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث لأسباب عديدة لعل أبرزها تقاتل القوى السياسية العراقية على حصص السفارات و التعيينات وفي طليعتها الكويت بشكل أكيد، و ظلت القضية معلقة، ودولة الكويت ونتيجة للأسباب و الظروف الأمنية القائمة في العراق لم تفتح سفارتها هناك رغم وجود الرغبة الحكومية الكاملة، أما العراق فقد إكتفى بإرسال دبلوماسي بدرجة قائم بالأعمال لتصريف أمور المواطنين العراقيين هناك وهي كثيرة ومتراكمة لسنوات طويلة، فضلا عن تصريف المعاملات التجارية والإقتصادية ذات العلاقة بعمل السفارات، والخارجية العراقية حينما عينت القائم بالأعمال فقد إشترطت عليه العمل الجدي و الحثيث وعدم إطلاق التصريحات الهوائية و التصرف بمسؤولية وحذر في الظروف الدقيقة الحالية، فماذا كانت النتيجة ؟
كان أول دبلوماسي عراقي يعود للكويت منذ أزمة الغزو الغاشم هو السيد (حامد الشريفي) وهو أحد العراقيين الذين كانوا يعيشون في لندن لم يكن معروفا ضمن وجوه المعارضة العراقية السابقة، بل لم يسمع به أحد إطلاقا ولا يعرف أي نشاط سياسي له ضد النظام البائد فضلا عن عدم إلمامه التام بالكويت وأوضاعها وطبيعتها، وقد كان تعيينه هناك لكونه كان أحد المستشارين الذين عينهم الأمريكان وكان يحظى بدعم وترشيح من السيد (أياد جمال الدين)!! وهو كما نعرف ليبرالي معمم ومنفتح، ومن الطريف ذكره أن القائم بالأعمال السيد حامد الشريفي والذي إنتهت قبل أيام مدة إنتدابه كان يعمل (جزارا في محل لبيع المواد الغذائية) في لندن يدعى محل (الطيبات)!! أي كلوا من طيبات مارزقناكم!! أما كيف يتحول (القصاب والجزار) لدبلوماسي وفي عاصمة عربية مهمة ستراتيجيا كالكويت فتلك من معادلات ومضحكات السياسة والدبلوماسية العراقية، فدبلوماسية النظام البعثي البائد مثلا كانت تقوم على أسس تعيين (الشقاوات والسرسرية) في السفارات مثل المقبور الشقي عبد الجبار لفتة في بيروت أو المجرم الهارب (عبد الجبار عمر غني الدوري) عامل السكك السابق و السفير الأسبق في الكويت وأحد المساهمين في جريمة الغزو وآخر سفير عراقي في المغرب !، وغيرهم الكثير، ويبدو أن التغيير الكبير الذي حصل في العراق قد لامس القشور ولم يلامس الجذور! فظلت العقلية الإدارية المتخلفة هي السائدة وظل مبدأ المحاباة مضافا له المحاصصة هو السائد ؟ ولعل أغرب الأشياء هي التصريحات والمؤتمرات الصحفية التي يعقدها بين الفينة والأخرى (القائم بالأعمال القصاب)!! والتي يتبرع فيها بإطلاق التصريحات المجانية ويحاول البروز إعلاميا ويتبرع بتحليل مواقف ليست من إختصاصه على الإطلاق ؟ مثل مؤتمره الصحفي الوداعي الأخير والذي تحدث فيه عن قضية الديون الكويتية على العراق ؟ وعن تحديده لمدة أربعة أشهر لقدوم السفير العراقي الجديد ؟ وهي أمور لم تشير بها إليه وزارة الخارجية العراقية التي طلبت منه سابقا الحرص في التعليقات وهو الأمر الذي لم يلتزم به ؟ ولعل من طرائف ممارسات القائم بالأعمال العراقي السابق والراحل هي ولعه الشديد بزيارة الحسينيات في بنيد القار والمشاركة الفاعلة في عمليات (اللطم) الشامل حتى لكأنه (آخوند) أو (ملا) متميز من دعاة (الولي الفقيه)!! وهي تصرفات لا تتناسب ومنصبه الدبلوماسي المفترض أن يكون معبرا عن وجه العراق بأسره وليس عن وجه طائفة واحدة فقط ؟ كما أنها لا تتناسب والكياسة الدبلوماسية المفترضة، ولكن (كله في العراق الجديد صابون)!!، أما تعاليه على مواطنيه وتراكم المعاملات الإدارية فتلك من الطامات الكبرى، فما كان يهم القائم بالأعمال (القصاب) هو تلبية الدعوات والبروز الإعلامي من خلالها، فمثلا قامت إدارة مسجد (زين العابدين) الشيعي في منطقة الرميثية بدعوة السيد حامد الشريفي بمناسبة الإحتفال بميلاد (المهدي المنتظر) فإشترط على أهل الدعوة وجود إحدى القنوات الفضائية لنقل الحفل وعلى أن يكون له دور بارز ورئيس في التغطية الإعلامية!!، ولعل أكثر ما يثير الطرافة والضحك في مؤتمره الصحفي الأخير والذي تجاهلنه بعض الصحف الكويتية هو إدعائه عن دور مفترض له في مساندة الكويتيين في لندن أيام الغزو العراقي عام 1990!!! وذلك مجرد إدعاء محض يفتقر للدليل المنطقي لكون المؤمأ إليه من راكبي قطار المعارضة العراقية في محطتها الأخيرة أي قبل أسابيع من إسقاط صدام وكان وقتذاك أي أيام الغزو مشغولا في عمله الرئيسي وهو تقطيع الخراف والذبح على الطريقة الإسلامية وبيع الكبدة و الكلاوي و المعلاق فضلا عن (الفشافيش)!! وكذلك الطحال ومشتقاته ؟ أما إدعاء البطولات وتزوير التاريخ فضلا عن تزوير شهادات (الدكتوراه) فتلك أمور أخرى نعرف تفاصيلها ولا داعي بعد ذلك (لبيع الميه في حارة السقايين)!! و (كلنا عيال القريه.. وكلنا يعرف أخيه)!!، و الإدعاءات الفارغة لن تبني مجدا أو تصنع تاريخا غير موجود، ويبدو أن مأساة الدبلوماسية العراقية الضعيفة و المتهالكة ستظل مستعصية في دولة فقدت البوصلة وفي حكومة (كلمين أيدو إلو) التحاصصية المعتمدة على مبدأ (هذا ولدنا)، فحال سفارات العراق في العالم تعبر عن حال العراق في الداخل، أما كيفية تحول القصابين و المهربين وباعة الطماطم والسبح و السجاد لدبلوماسيين فتلك معادلة عراقية خاصة لا يحل رموزها إلا (الراسخون في العلم)؟ أما مهازل الدبلوماسية العراقية في الكويت فهي حالة من حالات الفوضى العراقية المستمرة.
[email protected]