يبدو أن ضواري العراق وكواسرها وجوارحها من زعماء وقيادات الإرهاب السني أو الشيعي أو المغولي قد عقدوا العزم على تدمير العراق بالكامل في ظل التشابكات وحالة الفوضى الأمنية وتداخل كل الرؤى و الطروحات العجيبة الغريبة، فبعد فضيحة الخطف العلني و التي قامت بها ميليشيات طائفية لم تجرؤ الدولة و الحكومة على تسميتها في وزارة التعليم العالي والتي تشكل ما هو أكبر من الفضيحة بكثير، جاءت مهزلة مذكرة (إلقاء القبض) على حارث الضاري وهو أحد أمراء الإرهاب دون جدال بل أنه لم يخجل من الدفاع عن ولي نعمته السابق صدام وعن التشكيك في شرعية محاكمته لأنها تمت تحت حراب الإحتلال! وكأن قواته الضاربة من القتلة و الطائفيين و التكفيريين هي التي أسقطت صدام وليس القوات الأمريكية!!، تلك المذكرة لم تكن جدية للأسف بل كانت لصرف الأنظار ولمحاولة لملمة فضيحة الحكومة حول ما حصل من خطف لمواطنين على أسس طائفية في وضح النهار؟ فمواقف الضاري العدوانية و المعادية ليست جديدة ولم تكن سابقة بل أنها معروفة منذ أول لحظات سقوط صدام؟

والضاري بسحنته الكئيبة وتكشيرته العجيبة هو الوجه الحقيقي المعبر عن تشاؤم الفاشيين من سقوط نظام الموت البعثي والذي لم نسمع أن الضاري ولا أي واحد من زعماء الحوار أو التوافق الحاليين قد وقفوا مواقفا مضادة منه أو عملوا ولو بالإيحاء على مناهضته وفضح جرائمه ضد الشعب العراقي؟ بل العكس هو الصحيح تماما فغالبية (السنة) الذين نراهم اليوم منخرطين في العملية السياسية بشكل إنتهازي فج كانوا من وجوه النظام البائد ومن مفاصله الحيوية! بل كانوا من المدافعين عنه حتى الثمالة!! وجميعنا يتذكر مداخلات ودفاع (الرفيق) ظافر العاني على القنوات الفضائية العربية عن نظام صدام عشية الإطاحة به؟ كما نتذكر جميعا كيف هرب العاني لدولة قطر ليحتمي شهورا في ظلال (قناة الجزيرة) المناضلة ! قبل أن يعود نائبا وسياسيا يشار له بالبنان وتشرأب لمقولاته الأعناق؟ وهنالك أسماء أخرى من سنة العراق السياسيين اليوم كانوا خدما وعبيدا لأبناء صدام وخصوصا عدي وهي أسماء معروفة و لاتحتاج لتعريف ! ومع ذلك فقد إمتطت اليوم عربة الدين وتمسحت بعباءة الإيمان لتدخل السياسة من باب (الحزب الإسلامي) فما أن يخلع السياسي السني عباءته البعثية حتى يبرز عمامته الإسلامية الإخوانية!! وهي عملية نفاق عراقية أصلية متدرجة من (الحملة الإيمانية) العريقة التي خلطت المخابرات بالدين وغزت الحوزة الشيعية كما غزت المساجد السنية، وزرعت الخراب في النفسية و الذهنية العراقية الخربة أصلا؟، وقد كان يمكن لعملية إلقاء القبض على الضاري أن تكون أكثر مصداقية لو كانت قد سبقتها تنفيذ عملية مذكرة إعتقال (مقتدى الصدر) وهو الذي بدأ شلال الدم العراقي منذ اللحظات الأولى لسقوط الطاغية على يد الأمريكان الذين هم ما غيرهم من ثأر لمظلومية رجال الشيعة من المقاومين كالمرحوم الشهيد محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى والشهيد محمد صادق الصدر وأولاده وبقية الشهداء من آل الحكيم، ولكن إهمال مذكرة القبض على الصدر الصغير وإستمرار أعمال العنف والتحدي بل مكافأة الصدر وعصاباته من القتلة وإستمالتهم عبر توزيرهم وتشويه دوائر الدولة بوجودهم الفوضوي و العدمي قد أعطى إشارات واضحة على الضعف الهيكلي للدولة العراقية منذ زمن حكومة أياد علاوي التي دخلت في معارك لم تكن حاسمة مع الإرهابيين و الصدريين والزرقاويين ومختلف ملل و نحل التكفير التي غزت العراق وبقوة عبر الجيران في إيران و الشام وبركاتهم التي لم تقصر في تحويل العراق لجحيم حقيقي لقاطنيه؟ لا نشك لحظة واحدة في مسؤولية (حارث الضاري) عن الكثير من حوادث الإرهاب و التصفية الطائفية لا بل أن تصريحاته الأخيرة للعربية حول قرار إعدام صدام كانت واضحة بما فيه الكفاية لإبراز كل المخفي في الصدور وتوضيح الطبيعة الفكرية و السلوكية له ولجيشه المكنى بكتائب ثورة العشرين! وكأن تلك الثورة كانت من إنتاج وإخراج الضاري وأهله وليست نتيجة لتعاون الشيعة و السنة ولدور المرجع الشيعي الراحل الشيرازي أو لتضحيات عشائر الفرات الأوسط الشيعية التي قدمت في الرميثة والرارنجية مواقف البطولة و الفداء و التضحية وحيث عاقبتهم الحكومات العراقية المتعاقبة وتركتهم عرضة للتجهيل و الفقر و التهميش، أما الضاري الذي صمت دهرا و نطق كفرا فلم يكن في العير ولا في النفير وهو ليس أكثر من إقطاعي طائفي متوحش جديد يحاول البروز و التواري خلف العباءة الدينية و التغطي بملاية الوطنية التي لا يحتكرها هو ولا أي من أقرانه.
المصيبة اليوم هي أن الحكومة الحالية والعاجزة عن حماية ملابسها الداخلية لا تمتلك القدرة على حل المشاكل المعقدة التي تضرب العراق وتهدد مستقبله، فالفوضى الضاربة أطنابها قد جعلت وزير الداخلية الهمام و الذي كان إختياره منذ البداية (فلتة) من فلتات المهزلة السياسية العراقية يتصرف بخفة وعدم إتزان ويصدر أمرا يعلم علم اليقين بأنه لن يتحقق؟ فيما يفشل هذا الوزير حتى اللحظة في حل طلاسم و ألغاز عملية الخطف الفضائحية في وزارة التعليم العالي والتي فشلت الحكومة المالكية بكل هيلمانها من توضيح ماذا جرى بالضبط؟ ومن هي الجهات التي تقف خلف ما حدث؟ وما هو مصير المخطوفين؟ ولماذا تمت تلكم العملية أصلا؟ والعديد العديد من كوارث الرؤوس المقطوعة والأجساد المحروقة المرمية في مزابل العراق؟ لقد وصل العراق لحالة كارثية مريعة، تصوروا حتى منطقة الحدود مع الكويت (صفوان) و التي كانت هادئة ومؤمنة قد تحولت اليوم لمرتع لعصابات الإجرام والخطف الغير بعيدة عن الميليشيات الطائفية التي تدعمها إيران و تجتهد في تمويلها لتخرب الجنوب الذي أضحى اليوم هدفا إيرانيا مقدسا لحماية النظام الإيراني ذاته الذي تهدده إنتفاضة الشعب العربي في الأهواز وحيث لجأ النظام الإيراني لتصعيد عمليات الإعدام الظالمة ضد المناضلين و الأحرار في الأهواز الثائرة والتي ستنتصر حريتها بكل تأكيد في القريب العاجل، وقد جاءت قضية حارث الضاري لتصب الزيت على النار و لتفضح كل الجماعات الطائفية الشيعية و السنية على حد سواء ولتؤكد أن وجود هؤلاء مطلقي السراح هو تخريب حتمي للعراق الذي أضحت فيه العملية السياسية غير ذات جدوى ولا معنى، فإعتقال الضاري ينبغي أن يتبعه ويتلازم معه إعتقال كل قادة عصابات القتل وفرق الموت الطائفية بدءا من مقتدى الصدر و قادة فيلق بدر وغيرهم من عصابات الموت مع ضرورة إبعاد الدين والطائفة عن تقرير العملية السياسية في العراق وبروز جيل وطبقة جديدة من العراقيين الأحرار الذين يتعرضون اليوم للتقتيل و التهجير، وما عدا ذلك فلن يحصد العراق سوى الريح، ولن يكون مصير الدولة العراقية إلا الفشل ثم التلاشي... تلك هي الحقيقة العارية.. للأسف؟.

[email protected]