هناك علاقة وثيقة بين الكتابة والانكشاف الأنثوي خصوصاً في مجتمع محافظ جلبب المرأة حتى غدت رمزاً للسواد ودلالة عليه. الكتابة عند السعوديات حالة مغايرة للستر وإن كانت عابرة أو خاطفة؛ استعراض غامض ومثير في الوقت ذاته مثل نفحة هواء تطّوح بالبرقع، أو انفراج غير مقصود للعباءة، أو تنغيم ضحكات شفافة وناعمة، أو حتى درجة عطر فواحة وأخيراً الانغماس الجارف في quot;البلوتوثquot;. كلها حالات متقطعة تعيد للمرأة جانباً من فرديتها، وتغويها للحظات لتتوهم أنها منعزلة عن قريناتها فتنتشي ظانة أنها كسرت المحظور، وحققت ذاتها.
عندما تكتب السعودية تنطلق من قاعدة معرفية إلا أن مسارها، غالباً، هو انتفاض أنوثة؛ بمعنى أنها تكرس كل طاقتها لإظهار ذاتها، وكشف حضورها. هذا أمر طبيعي نتيجة الوضع الاجتماعي، وهو أمر تحقق في كثير من التجارب النسوية في الكتابة باستثناء حالات محدودة متمردة أصلاً أو حققت، عبر الوقت، استقلالاً فعلياً.
في البدء كانت اللغة الأنثوية الكتابية حيية، ميالة إلى الرومانسية، مستغرقة في الأدب كأنما تتلبسها المواصفات الافتراضية للمرأة فلا تقتحم حرم الرجال، أو تتدخل في شؤونهم. لم تكن تكتب في السياسة أو الاقتصاد، ولاتمارس العمل الصحافي الميداني بل تظل تدور، بلا ملل، في الحمى المرسومة لها مقتصرة على الكتابة الرومانسية أو مايخص شؤون المرأة، أما الأكثر جرأة فأنتجت ديواناً ترهقه الرومانسية، أو كتبت شيئاً تسميه رواية وهي عبارة عن نصائح اجتماعية للمرأة. هذا النوع من الانكشاف، على محدوديته، كان فاضحاً في حينه باعتباره جرأة ووقاحة حتى أن الكاتبة قد تصنف على أنها سائرة على حل شعرها!
الجيل الأول من الكاتبات انتمى إلى بيئات منفتحة اجتماعياً، أي أنهن حظين بدعم رجالهن: أباء وأخوة وبعول وهن، تالياً، ثمرة وعي الرجال ولسن نبتات ذواتهن أو نتاج وعيهن المستقل. ومهما يكن فإنهن حفرن خطاً عميقاً لخلفهن، وجعلن من مشاركة المرأة في الحقل الإعلامي حقاً أصيلاً وثابتاً.
الجيل اللاحق كان محظوظاً إذ وافق عصر الانفتاح، والحراك الصاخب فكانت طفرة عريضة تفجرت، فجأة، ولابد من إشباعها ولاغنى عن النساء اللاتي تدافعن إليها وخلال بضع سنوات انتشرن في كل ساحة، وامتدت أذرعهن إلى كل حقل إلى درجة إزاحة الرجال من مراتعهم الطبيعية مثل الصحافة والكتابة الروائية. أصبح وجود المرأة علامة عصرنة أحياناً، إلا أن الواضح أنها تجاوزت الرجل في الجرأة والمصارحة ربما لأنها مشحونة بفعل الاختباء الطويل، وربما لأنها متحررة من أرث الرجل المتصل بالخشية من الجرأة ومايتبعها من أذى في ثقافات سقف الحرية فيها مثل قشرة البالونة: هشة ومائعة ومتلونة ومطاطة، وتتغير حدودها كل لحظة حسب مزاج الأطفال!
اللافت أن هذه المشاركة أهاجت النساء فتزاحمن على نافذة الكتابة للتلصص منها، وبعضهن فتحنها على مصراعيها فبان المستور وانكشف المخبوء.
الزخم الكتابي النسائي، في بعض تفاصيله، لاعلاقة له بالفعل الثقافي بل هو تمرد على الحجاب ومحاولة إبراز الذات في نسق غدا شبه مقبول اجتماعيا لأنه لايخدش السمعة وإن كان موجعاً بعض الشيء. وزاد هذا الزخم سعاراً الولع بطلب كل ماهو سعودي والإقبال عليه وتحديداً الأنثوي منه وهو ماسيولد جيلاً جديداً تكون الفضائحية طابعه استناداً إلى أن الكتابة أصبحت الهواية الفضلى لدى العشرينيات، والكتابة الصادرة عن عشرينية جريئة لابد أن تكون فواحة.
هذه الكتابات لن تكون رصيداً ثقافياً ولاعلامة وعي لكنها قد تحدث فرقاً اجتماعياً وتقلق سكونه، أما الجانب الأكثر دلالة فهو أن أصوات الرجال تضاءل تأثيرها وتراجع حضورها ولعل الانسحاب يحفظ كرامتهم إلى أن تنتهي موجة الاستعراض النسوي!
[email protected]