جاءت متأخرة ولكن (ان تأتي متأخراً افضل من ان لاتأتي) كما يقول المثل الانكليزي الذي انطبق حرفيا على زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى بغداد التي حل فيها اهلا ً ووطأ سهلا. لاريب انها زيارةٌ مرحبٌ بها من العراقيين بعد طول الانتظار وبعد ان نزغ الشيطان بين الاهل في الدولتين الشقيقتن والجارتين ذلك هو شيطان الارهاب الذي تقوده مجاميع بعثية واخرى تكفيرية إتخذت من بلاد الشام منطلقا ً لها.

فالعراق وسوريا تربطهما الكثير من الوشائج والاواصر التي حاولت السياسة تعكير صفوها طوال عقود مضت كانت الانظمة العراقية _وليس العراق_ هي البادئة بتعكير الاجواء التي لم تر صفوا منذ ان استولى حزب البعث العفلقي بقيادة صدام _ البكر على مقاليد الحكم في العراق وازداد الامر سوءا بعد استفراد صدام بالسلطة وبعد ان صفى (رفاقه) في الحزب بتهمة التآمر مع سوريا ضد (الحزب والثورة) فاستحضر صدام لذلك من تراث العثمانيين ما عُرف بـ(صحيفة عبد الحميد) حيث التهمة الثلاثية الجاهزة دوما لكل من ينوي النظام تصفيته، (الاتصال بدولة اجنبية، استلام دعم مالي ورشوة، اقامة حكومة جديدة بعد خلع السلطان) (1). تلك هي بنود صحيفة الاتهام التي كان يستلها السلطان عبد الحميد بوجه من ينوي تصفيته من خصومه السياسيين.

اما في صحيفة صدام التي حاكم بها رفاق حزبه (الطليعي التقدمي) فالدولة الاجنبية كانت سوريا واما الاموال فكانت قيمتها ثلاثين الف دينار عراقي حسبما جاء بمحضر اتهام محمد عايش وزير الصناعة واحد المتهمين بالتآمر ضد نظام صدام في بداية السبعينيات علما ان لجنة التحقيق التي تولت عملية جرد خزينة وزارة الصناعة بعد اعدام العايش ومجموعته وجدت في الخزينة مليون دينار عراقي هي (نثرية) الوزير يوم كانت قيمة الدينار العراقي تعادل ثلاثة دولارات وعشرين سنت ومن غير المعقول ان يتآمر شخصٌ يملك مليون من اجل ثلاثين الف؟

الشاهد من ما تقدم هو ان سوريا لم تكُ بعيدة عن كيد صدام والبعث العفلقي والكل يتذكر المحاولة الصدامية الاثيمة لاغتيال الرئيس السوري الراحل حافظ اسد (رحمه الله) ومسؤولين سوريين اخرين. ومن منطلق العداوة للبعث العفلقي استقبلت سوريا المعارضة العراقية السابقة واحتضنت الآف اللاجئين العراقيين خير احتضان رغم ضيق ذات اليد الذي كانت ولاتزال تعيشه سوريا بسبب وضعها الاقتصادي المتدني وهذا الفضل لاينكره العراقيون الذين كانوا سباقين بالفضل حيث لا تزال مقابر شهدائهم في سوريا شاهد على التفاني العراقي في الدفاع عن الشقيقة في حرب ال 1973 وكيف ان الجيش العراقي دافع عن سوريا دفاع الابطال كدفاعه عن بلده رغم ان العراق لم يكن طرفا في الصراع السوري الاسرائيلي.

لكن بعد اسقاط نظام صدام تغييرت السياسة السورية كثيرا تجاه العراقيين وذلك لان التغيير تم بيد امريكا اي بيد اعدائهم التقليدين وليس بيد العراقيين كما كان السوريون يرغبون ومن هنا عزم الحرس القديم في دمشق على اخذ العراقيين بجريرة امريكا فقرروا خلق الاجواء المناسبة وإعداد العدة لأجل تكرار التجربة الامريكية الفاشلة في لبنان حينما تم تفجير مركز المارينز الامريكي في بيروت فُسقط حينها اكثر من الف امريكي بين قتيل وجريح مما عجل بانسحاب الامريكيين من لبنان، السوريون ارادوا تكرار هذا السيناريو في العراق من خلال دعم خلايا الدم والارهاب في المناطق الحدودية المجاورة لهم دعما مباشرا وآخر لوجستي ففتحت لهم اراضيها واستقبلتهم وراحت تدربهم وتسلحهم وبعد ثلاث سنوات وبعد ان سقط اكثر من مائة الف مدني عراقي باعمال العنف المدعومة سوريا وعربيا اكتشف السوريون ان امريكا التي في العراق ليست كأمريكا التي كانت في لبنان عام 1982 وان العراق ليس لبنان وان هذا التكتيك لاينجح في بلاد الرافدين التي شهد تأريخها احلك من هذه الظروف ايام الغزو الهولاكي والتتري لها فصمدت وصمد اهلها وتحطمت على صخرة صمودها احلام الغزاة والمستعمرين.

بررت السلطات السورية استضافتها لايتام النظام من منطلقات قومية عروبية وردت بأنها فعلت الشئ ذاته مع المعارضة العراقية السابقة وهي_اي سوريا_ برفض استقبالها للبعثيين الصداميين ستبدو من وجهة نظر السوريين والعرب تكيل بمكيالين حسب التفسير السوري او الرواية الرسمية التي سيقت لتبرير احتضان واكرام ( وفادة) الرفاق البعثيين القادمين من العراق ( المحتل). هذا باختصار العذر السوري الرسمي لرفض تسليم وطرد البعثيين الصداميين من اراضيها غير ان السوريين فاتهم ان المعارضين العراقيين السابقين لم يكونوا مطلوبين للعدالة في العراق بجرائم ضد الانسانية، كما انهم كانوا معارضين لنظام ديكتاتوري بغيض يشهد السوريون بوحشيته قبل غيرهم وقد نالهم منه الشئ الكثير بينما النظام السياسي الحالي في العراق اكثر الانظمة العربية ديمقراطية ولايوجد نظام واحد في المنطقة برمتها بشرعيتة وديمقراطيته رغم انها ديمقراطية فتية وغير مكتملة بعد.

كما ان الاغلب الاعم من المعارضين العراقيين السابقين في سوريا لم يسمحوا لانفسهم التحول الى تلاميذ عند السوريين كما يفعل ايتام النظام البائد المتواجدين حاليا في حلقات الدرس التي تقيمها المخابرات السورية يتعلمون على ايدي خبرائها التفخيخ والاغتيالات وتفجير العبوات الناسفة وهذا هو الفرق الجوهري بين المعارضين العراقيين السابقيين وبين البعثيين الصداميين المقيمين في سوريا الان ودول الجوار العربي. نقول هذا لكي تتضح الصورة امام الزائر الكريم معالي الوزير.

جاء المعلم الى بغداد وحيدا ولم يجلب معه (التلاميذ) وتركهم في صفوفهم في اللاذقية يتعلمون درس اليوم وعنوانه كيف تذبح طفلا ً عراقيا ً امام والديه دون ان يرق لك جفن؟ الدرس من اعداد الفرع 165 وبالتعاون مع فرع فلسطين للمخابرات ويشرف عليه (معلمٌ) مشهود له بخبرته في الذبح والاغتيالات في لبنان جاء لينقل تجربته البيروتية الى تلاميذه الجدد من البعثيين الصدامييين عسى ان ينقلوها بدورهم بإخلاص الى بغداد وبقية مدن العراق. ولا ادري هل هي محض صدفة ان يتزامن وصول الوزير السوري الى بغداد مع هذا الكم الهائل من التفجيرات التي شهدتها المدن العراقية ام خطط لها بعناية لكي تكون رسالة على الطريقة الدمشقية الى العراقيين والحر تكفيه الاشارة فما بالك بهذه الرسالة الدموية المدوية؟.

حضر المعلم ولكنه لم يحضر معه التلاميذ المشاغبين خلافا لما يريده اهل بغداد من زيارته اياهم فالكلمات المعسولة التي سيسمعونها منه لاتضمد جرحا ولاتنشف دمعة أم فقدت ولدها فلذة كبدها بعبوة ناسفة او صبي يتمه انفجار مفخخة كما حدث في الحلة يوم وصول الوزير السوري ويالها من مصادفة غريبة ان يكون الارهابي الذي نفذ جريمة الحلة سوري. المطلوب الافعال لا الاقوال ياسيادة الوزير، على ان العراقيين ورغم ترحيبهم الحار بالمعلم سيضعون نصب اعينهم ان زيارته قد تكون جاءت من باب استباق الاحداث واستثمار المناخ السياسي الذي يدعو للحوار مع سوريا في الشأن العراقي. او قد تكون من باب العمل بسياسة شعرة معاوية التي ذهبت مثلا (بيني وبين الناس شعرة ان شدوا أرخيت وان ارخوا شديت) لا سيما وان مجلس الامن يتحضر هذه الايام لاقرار مشروع قانون جديد بحق سوريا بعد ان رفعت الحكومة اللبنانية الى مجلس الامن رأيها بالمحكمة الدولية المختصة بقتل الحريري وسط ضوضاء سياسية في الشارع اللبناني. وبكلمة أخرى يضع العراقيون نصب اعينهم ان الزيارة قد تكون من باب كسب الوقت للتخلص من الضغوطات الدولية التي تتعرض لها دمشق بسب اتهامها بدعم الارهاب وتغذيته في المنطقة، أو قد تكون من باب رفع الحرج، او ربما تكون بداية لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين الشقيقين كما يريدها العراقيون. كل ذلك يدركه المضيفون في بغداد وسيستمعون بآذان صاغية الى ضيفهم الوزير المعلم مستأنسين بمقولة علي عليه السلام ( والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه ليفجر ويمكر واني لأكره المكر والفجور).

وسيبقى على الوزير المعلم ان يبدد شكوك العراقيين ويطمئنهم بحسن نواياه وذلك بتحقيق مطالبهم الثلاث من سوريا وهي تسليم البعثيين الصداميين الى العدالة العراقية وطرد المشبوه فيهم من اراضيها هذا اولا وارجاع مليارات الدولارات العراقية التي ُهربت الى البنوك السورية عن طريق ايتام النظام البائد وافراد اسرته هذا ثانيا وغلق حدوده بوجه غربان التكفيريين القادمة من ارض الجزيرة وبقية البلدان العربية هذا ثالثا. فهل ستفعلها حكومة المعلم كما فعلتها من قبل مع تركيا يوم طلبت من الزعيم الكردي عبد الله اوجلان مغادرة اراضيها لتثبت بذلك صدق نيتها للعراقيين ولتعود المياه بين البلدين الى مجاريها؟ هذا ما ستكشفه الايام القادمة مذكرين المعلم ومن ورائه حكومته ان صبرنا وصبر حليفتنا امريكا _التي يتساقط أبنائها يوميا في العراق بسبب العنف المدعوم سوريا ً وخليجيا ً_ بدء ينفذ، وان لأمريكا جنود ٌ لكن ليسوا من عسل بل من صواريخ كروز عابرة للقارات والمثل يقول (اذا كان بيتك من زجاج فلا ترم ِ بيوت الناس بالحجارة).

(1)التأثيرات التركية في المشروع القومي العربي في العراق/ حسن العلوي/ ص 43.

* تنويه من الكاتب
أود لفت عناية الجميع إلى انني تعرضت إلى عملية سطو الكتروني من قبل مجموعة إرهابية بعثية تكفيرية حيث سرق مني عنواني الالكتروني ( الايميل) والمعنون بـ almossawy@hotmail. com وعليه فان أي رسالة تصلكم من هذا العنوان البريدي لم تعد تمثلني أما بريدي الجديد فهو almossawy@hotmail.co.uk

علما ان هذه المجموعة الإرهابية نشرت بعض الرسائل وكذلك المقالات التي تمتدح نظام صدام البعث البائد مستغلة عنواني الالكتروني المسروق واسمي الشخصي في محاولة لتضليل القراء الكرام ولتشويه صورتي وسمعتي لذا استوجب التنويه مع شكري الجزيل لتفهمكم.