كم كان الرئيس أمين الجميّل كبيراً عندما دعا ألى ليلة للصلاة والأبتعاد عن الأنتقام أثر أستشهاد نجله.الكبار وحدهم يستطيعون تجاوز الأنتقام وأمين الجميّل بين هؤلاء. الوطن فوق كلّ شيء. ولذلك لا يمكن ألاّ ترديد ما قاله الشيخ أمين عن أن بيار أستشهد من أجل قضية أسمها لبنان كي يبقى لبنان على الرغم من الأرهاب الذي يتعرّض له. هدف ما يتعرّض له لبنان واضح كلّ الوضوح. المطلوب أزالته من الوجود لا أكثر ولا أقلّ.
ما يمكن قوله، أنّه منذ أستشهاد رفيق الحريري، وما تلاه من أغتيالات أستهدفت االلبنانيين الشرفاء الذين وضعوا نفسهم في خدمة لبنان من باسل فليحان، ألى سمير قصير، ألى جورج حاوي، ألى جبران تويني، ألى الشهداء الأحياء مروان حماده وألياس المرّ ومي شدياق، يبدو أن لبنان مخيّر بين العودة ألى الوصاية السوريّة أو الحرب الأهلية التي يحرّض عليها quot;حزب اللهquot; وأداته المتمثّلة بالنائب ميشال عون. ألم يؤكدّ بشّار الأسد لرفيق الحريري أن الأنسحاب السوري من لبنان معناه أن لبنان سينهار على رأس اللبنانيين ورأس الحريري وأفراد عائلته بالذات؟ من يستطيع أنكار هذا الكلام الذي نقله رفيق الحريري ألى بعض الذين يأتمنهم أثر عودته من دمشق ولقاء بشّار قبل أشهر قليلة من أغتياله؟

كان العماد أميل لحّود، الرئيس الممدّة ولايته قسراً، في غاية الصراحة والوضوح والشفافية عندما خيّر اللبنانيين قبل أيام بين تشكيل ما أسماه حكومة وحدة وطنية، أي حكومة شلل وطني، وبين دفع quot;ثمن أغلىquot;. هل بيار أمين الجميّل بداية الثمن الذي سيدفعه لبنان واللبنانيون بسبب تعلّقهم بالحرية والسيادة والأستقلال؟
وكان العماد الآخر ميشال عون في غاية الصراحة عندما هدّد غير مرّة بالشارع لأسقاط حكومة الأستقلال محذّراً من العواقب الوخيمة في حال عدم الرضوخ لأوامره. وبلغت به الوقاحة ألى حدّ تهديد الرجل الوطني الذي أسمه فؤاد السنيورة، رئيس حكومة الأستقلال الثاني، بأنّه لن يجد الوقت للملمة أوراقه عندم سيضطرّ ألى مغادرة مكتبه في السرايا. أليس هذا الكلام تهديداً صريحاً لرئيس مجلس الوزراء وتبريراً للأرهاب الذي يلجأ أليه الذين يسعون ألى أسقاط الحكومة اللبنانية من أجل أيجاد فراغ سياسي في لبنان؟
وكان الأمين العام لquot;حزب اللهquot; السيّد حسن نصرالله أكثر من واضح عندما أستباح دم أعضاء الحكومة بصفة كونها quot;حكومة السفير (الأميركي) فيلتمانquot;. وذهب الأمين العام لquot;حزب اللهquot; حتى ألى التلميح بأن حكومة السنيورة هي رئيس الوزراء الأسرائيلي أيهود أولمرت، مع ما يستتبع ذلك من تبعات يفترض أن يتحمّلها من تُلصق به هذه التهمة.
قبل ذلك كان أمر العمليات صدر من دمشق عندما وصف الرئيس بّشار الأسد قادة أنتفاضة الرابع عشر من آذار0مارس 2005 ) ، بأنهم quot;منتج أسرائيليquot;. ماذا يعني ذلك؟ أنه يعني بكلّ بساطة أنه مسموح ومبرّر قتل هؤلاء وبينهم بالطبع بيار أمين الجميّل الوزير الأستثنائي الذي لم يتردد يوماً في قول ما يجب قوله خصوصاً عندما كان الأمر يتعلق بالنظام السوري أو بquot;حزب اللهquot;.
ستزيد جريمة أغتيال الشيخ بيار من عزيمة اللبنانيين وستساعد من ليس لديه الوعي الكافي بعد ألى تبيّن الحقيقة والتمييز بين الوطنية الحقيقية والعروبة الحقيقية الصادقة من جهة والتبعية للخارج من جهة أخرى. كلّ ما في الأمر أن اللبنانيين يدركون جيّداً أن لبنان يخوض معركة جديدة هي معركة المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنظر في قضيّة أغتيال الرئيس رفيق الحريري. هذه المحكمة ستمرّ وستتحول ألى واقع مهما كان حجم التهديدات التي توجّه ألى اللبنانيين والأرهاب الذي يستهدفهم. أن اللبنانين يدركون أن المحكمة تعكس رغبة العالم في دعم البلد الصغير في وجه المحاولة التي تستهدف أزالته من الوجود وتحويله مجرّد quot;ساحةquot; للمحور الأيراني- السوري يصفّي فيها حساباته مع العرب ومع الشرق والغرب، خصوصاً مع الأدارة الأميركية. يحصل ذلك فيما طموح النظام السوري التوصل ألى صفقة مع الأدارة الأميركية على حساب لبنان، تماماً كما حصل في العام 1990 عندما شاركت سوريا في حرب تحرير الكويت من الأحتلال العراقي ألى جانب القوّات الأميركية. أنّه حلم سوري يصعب تكراره بسبب تغيّر العالم والظروف الأقليميّة.

قبل أيّام من أغتيال بيار أمين الجميّل، الوزير الذي كان من أنقى الوزراء وأكثرهم دفاعاً عن لبنان ومصالحه في جلسات مجلس الوزراء، كان مسؤولون غربيون يتحدّثون عن الثقة الكبيرة التي بات يشعر بها أركان المحور الأيراني- السوري. وأعطى هؤلاء مثلاً على ذلك تأكيد السيّد علي خامنئي quot;مرشد الثورةquot; في أيران quot;أن هزيمة الولايات المتّحدة ستكون في لبنانquot;. يبدو أن أغتيال النائب والوزير اللبناني جزء من الهزيمة التي وعد بها خامنئي أميركا، ناسياً أن بيار أمين الجميّل ليس سوى لبناني صادق نقيّ يدافع عن قضيّة بلده ويرفض الأرهاب والأرهابيين وسياسة الأبتزاز التي يمارسها أعداء لبنان والعرب بما في ذلك المحور الأيراني- السوري.
في كلّ الأحوال، ما يشهده لبنان اليوم مرحلة جديدة من تاريخ البلد. أنها الحملة الأشرس التي يتعرّض لها البلد الصغير الذي بات مصيره مهدّداً. على الرغم من ذلك، لا بدّ من التمسّك بالأمل وبأن الشرفاء سينتصرون في النهاية. لماذا التعلّق بالأمل؟ لسبب في غاية البساطة يتمثّل بأنّ لا بدّ من ظهور الحقيقة مهما حاول المجرمون طمسها... حقيقة من أغتال القادة اللبنانيين الذين وقفوا في وجه نظام الوصاية السوري أبتداء من كمال جنبلاط في العام 1977 ... ألى بيار أمين الجميل في الحادي والعشرين من نوفمبر- تشرين الثاني 2006 عشية أحتفال لبنان بعيد الأستقلال. لا بدّ من ظهور الحقيقة مهما أرتفعت شعارات التخوين التي يرفعها quot;حزب اللهquot; وأمثاله والتي لا هدف لها سوى تغطية الجرائم المرتكبة في حق لبنان والعرب والعروبة الصادقة. لا بدّ من أالتعاطي مع حقيقة جديدة هي المحكمة ذات الطابع الدولي في قضيّة أغتيال رفيق الحريري. لن تؤدي الأغتيالات في لبنان ألى وقف المحكمة. لن تؤدي الأغتيالات ألى الحؤول دون الوصول ألى الحقيقة أيّا يكن عدد الشهداء الذين سيقدّمهم لبنان من أجل قضيّته وكان آخرهم بيار أمين الجميّل الوطني الصادق الذي تصدّى لأعداء لبنان ودفع في النهاية ثمن وضع نفسه في خدمة وطنه! كم كان أمين الجميّل كبيراً عندما عندما دعا ألى الهدوء والأبتعاد عن الأنفعال والأنتقام. لبنان يستحق كلّ تضحية مهما بلغ الثمن. هناك قضيّة اسمها لبنان وقد قدّم بيار أمين الجميّل شبابه من أجل هذه القضية. هذا ما أدركه الشيخ أمين. وفي ذلك عزاؤه وعزاء جويس ونيكول وسامي الجميّل وعزاء الذين أحبّوه وأدركوا أن لبنان قضيّة قبل أيّ شيء آخر.