دلل انتخاب المحامي ضياء السعدي على الفعل الديمقراطي الذي مارسته الشريحة العراقية الواعية في نقابة المحامين، وانتخاب ضياء السعدي ليس من باب معارضته لوجود الاحتلال الأمريكي على العراق، وإنما من باب مكانته الاجتماعية وقدرته على تحقيق مصالح وحقوق المحامين العراقيين، بالإضافة الى ما أستطاع السعدي إن يجمعه من سمعة ناصعة وخلق وتمسكه بقيم العراقيين الأصيلة بالرغم من قصر الفترة التي عاد بها الى العراق بعد إن كان معارضا للنظام الصدامي متحملاً وزر ذلك التعارض المكشوف.
كما دل انتخاب المحامي ضياء السعدي على قدرة المحامي الجيد في الفوز رغم كل المعوقات والأجواء الممتلئة بالغيوم وانتشار ميكروبات الطائفية والحزبية المتطرفة في العراق، وهذه القدرة تدل أيضا على تفهم المحامين العراقيين للواقع وتجاوزهم كل تلك الأمراض التي يعج بها الشارع العراقي باعتبارهم من النخب الثقافية التي عليها قيادة العراق باتجاه الديمقراطية والفيدرالية.
وممارسة ديمقراطية تتمثل في اختيار ضياء السعدي ممثلا للمحامين العراقيين في النقابة، تمثل خطوة في طريق الممارسة الطويل، كما تمثل نهجاً حقيقياً في الاختلاف والتعددية وحرية الرأي الآخر، بالإضافة الى اختيار الرجل الصحيح في المكان الصحيح.
ويأتي خبر إقصاء السعدي عن المهمة التي انتخبها من اجلها جمهور المحامين العراقيين ضربة قاصمة ليس للديمقراطية فحسب، بل استهانة بمشاعر المحامين العراقيين وتلك نقطة سوداء تزيد الأخطاء والمواقف المغلفة بالطائفية وسحق الديمقراطية في العراق اليوم.
ومحاولة اتهام السعدي بشموله في قانون اجتثاث البعث تهمة فجة وتافهة بالنظر لكون الرجل كان من أوائل البعثيين المعارضين لسلطة صدام ndash; البكر حيث التجأ الى سوريا في السنوات الأولى لهذا النظام الجائر، ولم يعد إلا بعد اختلافه مع سوريا في أواسط الثمانينات حيث اعتزل العمل السياسي وتفرغ لعمله المهني الذي أجاده، بالإضافة الى توسيع علاقاته الاجتماعية والمهنية، حيث ترك أثرا في قلوب جمهور المحامين ومن عرفه عن قرب لدماثة خلقه وطيبته.
وإذا صح استعمال سكين اجتثاث البعث التي يراد بها ذبح كل العراقيين المعارضين لأية خطوة مستقبلاً، فأن هذه الطريقة العرجاء في مصادرة حق النقابات والتجمعات تعيدنا الى مهزلة السلطة الواحدة والقائد الأوحد والحزب الحاكم، وتلك خطوة تعيدنا الى الوراء حيث انشطر القائد الضرورة بالأمس الى قياديين يمسكون بسكين (( اجتثاث البعث )) ضد العراقيين الذين يعرفون حقا أنهم لم يكنوا بعثيين إلا بضغط من سلطة صدام أو لضمان لقمة العيش لأطفالهم ومستقبلهم، وحتى لاتتحقق أكذوبة يروجها بعض الإعلاميين العرب والفضائيات من إن البعثيين في العراق يتجاوز عددهم الخمسة مليون، ينبغي على السلطة الجديدة والهيئات العاملة أن تنفي هذه الأكذوبة بدلا من تأكيدها والعمل على إثباتها من خلال زيادة أعدادها واستمرار الذبح الأمريكي للعراقيين في الهيئة التي أقصت مئات الآلاف من الطاقات والكوادر العراقية المخلصة في أصعب الظروف التي يستفاد منها العراق.
والإقصاء مع عدم شرعيته وعدم قانونيته يدلل على حجم الهيمنة والسيطرة التي يراد لجهات معينة إن تهيمن وتسيطر على التنظيمات المهنية في العراق، وتلك صفحة سيخسر العراق بها إضافة الى خسارته المتلاحقة من جراء الخطوات غير الوطنية والبعيدة عن الموضوعية.
ومع إن القضاء العراقي سيكون مرجعاً للطعن الذي تقدم به مجموعة من المحامين بعد إقصاء السعدي والسيد سامي الخطيب ومزاحم الجبوري، فأن القضاء العراقي سيكون بعيداً عن الضغط والهيمنة التي يراد فرضها على التنظيمات المهنية، وسيكون حقيقة الملاذ الذي يمكن إن يتم الركون إليه عند أية خطوة تحاول إلغاء الديمقراطية والتعدي على حقوق المواطن العراقي واغتيال إرادة العراقيين وحقهم في اختيار ممثليهم تحت أية ذريعة وحجة.
ويقول السعدي عن الاتهامات التي وجهت إليه بانتسابه الى حزب البعث المنحل وشموله بقانون الاجتثاث، أكد السعدي ان laquo;هذا القانون بات يستخدم ورقة ضغط من الأحزاب والقوى السياسية التي لا تؤمن بالديمقراطية لإقصاء الشخصيات المهنية التي لا توافق على توجهاتها السياسيةraquo;. وقال ان لا علاقة له بالبعث وهو مستعد للملاحقة القانونية اذا ثبت انتسابه الى الحزب. أن تعزيز دور منظمات المجتمع المدني لايأتي من إقصاء ممثليها وتنصيب أشخاص يمثلون أحزاب السلطة، وأنما يأتي بمشروعية من تختارهم الجماهير العراقية وبما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها.
وليس جديداً أن يتم ممارسة هذا الإقصاء على السيد ضياء السعدي، إنما تمت ممارسته على العديد من العراقيين ظلما تحت ذريعة اجتثاث البعث والشواهد العديدة التي مورست ويعرفها أهل العراق تدل على ذلك، وعلى هذا الأساس يصبح كل عراقي متهما باجتثاث البعث باستثناء من كان بعيداً عن العراق لأي سبب كان، مع إن المصيبة تكمن في كون السعدي لم يكن منتسبا لحزب البعث الصدامي، ولكن جهات معينة ستبقى تلاحق العراقيين بهذه التهمة مثلما لاحقهم بعض بتهمة شتم القائد الضرورة في زمن البعث.
مع إن المدير التنفيذي لهيئة اجتثاث البعث علي اللامي نفى وجود laquo;قرار في الهيئة باجتثاث السعديraquo;، وقال لـ لصحيفة الحياة اللبنانية الحياةraquo; إن laquo;الهيئة لا تملك أي دليل يدين السعدي او يؤكد شموله بقانون الاجتثاث، ولهذا لم نزل نقول على العقلاء من الموجودين في مواقع السلطة العراقية أن يشعلوا الشموع للعراقيين في زمن الفجيعة والمحنة بدل إن يلعنوا الظلام
- آخر تحديث :
التعليقات