قبل أيام من الأحتفال بالعيد السبعين لتأسيس حزب quot;الكتائبquot; اللبناني، أغتالت قوي الشر أبرز الشباب الواعد في أسرة الجميل المؤسسة للحزب. بيار الجميل (34عاما) يمثل الجيل الثالث من أسرة قدمت الكثير للبنان ودفعت الكثير من دماء أبنائها لآجل لبنان، بدءا من بيار الجد المؤسس للحزب مرورا ببشير الرئيس الشاب الشجاع الذي دفع دمه من آجل حماية لبنان ووضع المسيحيين فيه ووصل إلى آخر المدي في تحالفاته من آجل حماية الوضع المسيحي إلى بيارالحفيد والسياسي الشاب المثقف الذي ساند وناضل هو وأسرته من أجل الاستقلال الثاني للبنان عن الإحتلال السوري ودولة المخابرات السورية والعربدة السورية.
في زيارته للبنان قال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني quot;لبنان أكثر من وطن.. لبنان رسالةquot;. نعم لبنان رسالة حضارية للمنطقة العربية القاحلة المجدبة والمفلسة حضاريا، ولكن رسالة لبنان في الحريات والتعايش والأزدهار والأشعاع الحضاري والثقافي،والوجود المسيحي خاصة، كانت دائما هدفا لتدخلات عربية وأقليمية. فمنذ أستقلال لبنان في 22 نوفمبر 1943 إلى إغتيال بيار الجميل في 21 نوفمبر 2006 لم تهدأ يوما التدخلات العربية والاقليمية لإجهاض التجربة اللبنانية وتعويق دوره الحضاري وتحجيم الدور المسيحي فيه.
ولكن الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية صمدوا في مواجهة هذه التدخلات الأثمة وقدموا الكثير من آجل لبنان ومن آجل حرية لبنان ومن آجل إستقلال لبنان ومن آجل سيادة لبنان ومن آجل تفرد لبنان ومن آجل مسيحي لبنان.
إذا كان لبنان يمثل حالة خاصة ووضعا متفردا ورسالة للمنطقة كما قال قداسة البابا يوحنا بولس فإن مسيحي لبنان هم الفريق الأساسي المنوط به تحقيق هذه الرسالة، فهم يمثلون قلب لبنان النابض وطابعه الحضاري والقنطرة التي تربط المنطقة بالحضارة الغربية الحديثة. ومن آجل هذا الدور أيضا دفع المسيحيون، ولا يزالون، الثمن. فمراكز الإسلامية الدولية في الرياض والقاهرة وطهران تخشي من هذا الدور المسيحي اللبناني، ومراكز القومية العربية في دمشق وبغداد والقاهرة وطرابلس تخشي من مسيحى لبنان على قوميتها التي فرضتها بالقوة تارة وبالشعارات تارة أخرى على الشارع العربي. وخلال الصراعات الكثيرة في هذه المنطقة دفع المسيحيون الثمن، فالصراع بين السنة والشيعة يدفع المسيحيون ثمنه،والصراع بين الغرب والإسلامية الدولية يدفع المسيحيون ثمنه، والصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل يدفع المسيحيون ثمنه، وتحالف سوريا مع أمريكا في حرب 1991 دفع المسيحيون ثمنه، وفساد بعض نخب وسياسي لبنان من المسيحيين يدفع المسيحيون ثمنه. وهكذا مكتوب على مسيحي لبنان حمل صليب ثقيل لتثبت دورهم الحضارى والدفاع عنه ضد قوي الشر المتربصة بهم.
في نوفمبر 1969 أجبرت القاهرة لبنان على توقيع أتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية لتنظيم المقاومة الفلسطينية من الأراضي اللبنانية، وكما عربدت قوات عرفات في الأردن وتخلص منها الملك حسين بمعركة دموية.. عربدت في لبنان حتى سمي نفوذها بجمهورية الفكهاني في بيروت،وتسببت في حرب اهلية طاحنة ولم يخرجها من لبنان سوي شارون والذي غزا لبنان من آجل هذا الغرض.. ودفع لبنان ثمنا باهظا عبر حرب عبثية طاحنة أستمرت خمسة عشر عاما كانت لبنان خلالها مسرحا لحروب بالوكالة بين معظم القوي الأقليمية.
ولكن العربدة السورية في لبنان، والتى دخلته أيضا بسبب الفلسطينيين، فاقت كل الحدود منذ دخول الجيش السوري الأراضي اللبنانية في يونيو 1976 وحتى الانسحاب المذل تحت الضغوط الدولية واللبنانية في مارس 2005.
وخلال السنوات الطويلة للوجود السوري في لبنان كان الشارع المسيحي يقف وحده في مقابل المحتل، ودفع المسيحيون ثمنا باهظا وكل من تحالف معهم لتأكيد الخط السيادي والحضاري للبنان. ورغم محاولات سوريا لشراء بعض الأقزام والمرتزقة من المسيحيين وعلى رأسهم الدمية القبيحة التي تسكن في قصر بعبدا حاليا، إلا أن التيار الرئيسي من المسيحيين في لبنان ظل مناضلا من أجل استقلال وسيادة وحرية لبنان.
كانت البداية الحاسمة في طريق الاستقلال الثاني للبنان هو أنضمام شخصية بوزن الحريري ومن ورائه السنة إلى المسيحيين في دعم مطلبهم بخروج القوات السورية، ويوم 3 فبراير أجتمع تيار المستقبل مع المعارضة المسيحية والدرزية للوجود السوري وكانت تلك نقطة الانطلاق نحو نهاية الوجود السوري بلبنان. ولكن قبل مرور أسبوعين على هذا اللقاء أغتيل الحريري يوم 14 فبراير 2005 ومعه أكثر من عشرين شخص بمن فيهم عدد من مرافقيه. لقد هدد بشار الأسد رفيق الحريري في آخر لقاء معه بأنه سيخرب لبنان على روؤس أصحابه، وقال وزير الأعلام السوري السابق مهدي دخل الله quot;إن لبنان لن يعرف هذا الاستقرار بعد خروج القوات السورية من أراضيهquot;.
ومنذ خروج القوات السورية والضريبة الأكبر يدفعها المسيحيون، أولا لأنهم هم الذين وقفوا في وجه الاحتلال السوري من بدايته إلى نهايته، وثانيا حتى تقول سوريا للغرب أن وجودها كان ضمانه للحفاظ على المسيحيين وحمايتهم، وثالثا لأن المسيحيين هم الطرف الأضعف في المعادلة. فوراء السنة الدعم السني العربي ووراء الشيعة إيران أما المسيحيين فيمثلون الحلقة الأضعف لأنهم مسنودين فقط على إيمانهم بأن لبنان وطنهم ووجد لإجلهم وهم شركاء فى صناعة تاريخه. أثناء الصراع بين النظام المصري والجماعات الإسلامية كان الأقباط الحلقة الأضعف المستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية دون حماية كافية من الدولة، وفي الصراع الأساسي في لبنان حايا بين السنة بقيادة السعودية والشيعة بقيادة ايران، فإن مسيحي لبنان هم الحلقة الأضعف.منذ خروج السوريين من لبنان وإستهداف القيادات المسيحية يجري على قدم وساق.. أثناء الاحتلال السوري كان إستهداف القيادات المسيحية بالتهجير أو القتل أو السجن والآن ليس لهم طريق آخر سوي طريق القتل.
إنه مسلسل متواصل يتعرض له المسيحيون وقياداتهم في لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية. 14 سبتمبر 1982 أغتالو الرئيس الشاب القوي بشير الجميل، 22 نوفمبر 1989 إغتيال رئيس الجمهورية المنتخب رينية معوض لأنه رفض أن يكون دمية سورية، في أكتوبر 1990 فرار قيادي مسيحي آخر هو ميشيل عون إلى منفاه فى باريس، 21 أبريل 1994 اعتقال قائد القوات اللبنانية سمير جعجع ليقضي أحدى عشر سنة في ظروف إعتقال سيئة، في 2 يناير 2002 إغتيال قيادي مسيحي آخر وهو إيلي حبيقة.
ويتوالي مسلسل الاغتيالات والإستهداف للمناطق المسيحية بشكل ملفت للنظر منذ خروج القوات السورية من لبنان،تبدأ بسمير قصير في 2 يونية 2005 إلى جورج حاوي في 21 يونية 2005، إلى جبران توني في 12 ديسمبر 2005،إلى بيار الجميل في 21 نوفمبر 2006 وتزامن ذلك مع العديد من التفجيرات والقنابل التي استهدفت المناطق المسيحية.
في 18 مارس 2005، 23 مارس 2005، 26 مارس 2005، 11 أبريل 2005، 6 مايو 2005، 22 يوليو 2005 بالإضافة إلى محاولتى إغتيال مي شدياق وإلياس المر.
المسيحيون وقياداتهم مستهدفون في لبنان، فى امنهم وحياتهم من محور سوريا- ايران ndash;حزب الله وحلفائهم،وفى دورهم الحضارى من المحور السنى بقيادة السعودية. ولعل هذه الأخطار توحدهم في مواجهة المستقبل المجهول الذى ينتظرهم، وغبطة البطريرك صفير هو أنسب وأفضل شخص لقيادة المصالحة المسيحية ndash;المسيحية فى لبنان.
فهل يسارع المسيحيون فى لبنان تجاه المصالحة وتنظيم انفسهم قبل ان يتحولوا إلى وضع يشبه أقباط مصر؟.
[email protected]
التعليقات