تباشر الإخوان من بنائين وقطبيين، ومعهم أطياف السرورية بظهور مراكز الأحياء، واعتبروها فرصة ذهبية جاءتهم تسعى لتجدد حيويتهم، وتنعش آمالهم في استعادة السيطرة المطلقة على نشاطات المجتمع بعد أن ضاقت عليهم السبل، وتراجع دورهم كثيراً في السنوات الأخيرة نتيجة تعدد مسارات الوعي، ويقظة المجتمع من سباته القسري.
فكرة المراكز، في ظاهرها، ايجابية وفاعلة إذ أن غايتها أن تنقذ الحي من حالة التفكك والعزلة لتحيله إلى بنية اجتماعية نشطة تحيي الترابط، وتكثف التعاون والاتصال، وتعمل على تكامل خدماته، ورعاية شؤون ساكنيه من جميع النواحي، وتشجيع المواهب وتنميتها. كل هذه أفكار حضارية وذات طموح خلاق إلا أن المشكلة الكبرى أنها تعتمد، كلياً، على العمل التطوعي، إضافة إلى بعض أهدافها ذات النفس الإسلاموي.
هذه الثغرة هي كل ماتتمناه quot;القوى الصحويةquot; للنفاذ إلى داخل المراكز، والسعي إلى السيطرة المطلقة عليها، استناداً إلى أنها المدربة جيداً على العمل التطوعي، والقادرة على تفريغ كوادرها بالكامل لهذا العمل، ثم أنها الأكثر تنظيماً وتدريباُ مايؤهلها للفوز بجميع المراكز الإشرافية والتوجيهية سواء كان الأمر بالمبادرة أو الانتخابات كما حدث في انتخابات المجالس البلدية.
المؤكد أن جميع القوى الصحوية، وإن تباينت بعض طروحاتها، ستتكاتف من أجل أن لايفلت من قبضتها مركز واحد، فهي تعلم، جيدا، أنها ستسيطر، كلياً، على كثير من المراكز بحكم هيمنتها المحسومة على الأحياء ذاتها، أما المراكز الشاذة فإن لعبة الانتخابات ستضمن لها الفوز وإبعاد العناصر المشبوهة، في نظرها، من الدخول إلى دائرة صنع القرار.
تعرضت القوى الصحوية إلى انتكاسات متوالية أضعفت تأثيرها بعض الشيء، وكانت تترقب مستقبلاً خانقاً ومزيدا من المواجهة والتصدي، لكنها فجأة استفاقت ووجدت أن ماخسرته يوشك أن تنظيفاً وتنظيماً، وربما مقدمة، لخطوتها العظمى وهي مراكز الأحياء فهي تفوق كل طموحاتها وأحلامها، كما أنها تمنحها سطوة اجتماعية شاملة تشمل جميع أفراد المجتمع من الجنسين عن طريق إقامة شبكة متناسقة من المراكز التي تسير على خط واحد، وتتربى على نهج خاص لتكون مهيأة للاندماج في مابينها مجسدة صورة حية للمجتمع الإسلاموي الذي فشل الإخوان في تحقيقه سواء في مركزهم الحيوي، مصر، أو بلدان أخرى كانت السعودية، وماتزال، في مقدمها.لم يعد الصحويون بحاجة إلى العمل المضني والمتشعب فلقد جاءهم المجتمع يتهادى مسلماً قيادة لهم، كما انتهت مرحلة القلق أو الشك في طبيعة عملهم وغاياته لأن إطارهم أصبح رسمياً، وهم في النهاية لايفعلون سوى المحافظة على هوية المجتمع الإسلاموية وحمايته من أي غزو فكري يعرقل مسيرتهم، ويؤخر مدى اكتمالها.
إن لم يتم الاهتمام بهذه النقطة، وتمكن الصحويون فعلاً من بسط سيطرتهم على هذه المراكز فإن الحقبة الصحوية السابقة (1985-1994) رغم قساوتها ستكون عبارة عن واحة ديمقراطية!

[email protected]