تصور عام
لم يعد سراً القول أن العراق يمر بمأزق خطير، ربما ينزلق إلى نقطة اللاعودة كما صرح السيد إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي السابق في آخر لقاء معه بالفضائية العربية، وليس من شك أن للسيد نوري المالكي رؤيته الخاصة للخروج من هذا المأزق، وإذا كان يتصور أن الخروج من هذا المأزق ممكن لو أنه تولى قيادة القوات العسكرية فعلا، فهو الآن في تصوري عدل عن هذا الخيال الجامح، فأن المأزق في تعقيداته وتشعباته وأصوله أكبر من قوة عسكرية مهما كانت عاتية وشرسة ومتمكنة ومتطورة، ولذا أتصور أن السيد المالكي يفكر الأن بطريقة أخرى.
أعتقد أن السيد المالكي يفكر جديا بتدويل القضية العراقية، أي وضعها تحت إشراف الأ مم المتحدة، وفي هذا السياق يفكر السيد المالكي جديا أ يضا بأن تشارك بعض الدول العربية والإسلامية من غير دول الجوار في القوات التي سوف ترسلها الأمم المتحدة، وربما عكف السيد المالكي على التمعن أكثر في مشروعه هذه، فأستنتج على ضوء ذلك، أن تكون عملية إحلال السلام في العراق بالتشوار بين هذه القوات وبين كل الأطراف المتنازعة ذات الثقل العسكري والإجتماعي، عدا الصداميين والإرهابيين والتكفريين والعصابات الإجرامية، وربما يستدرك السيد المالكي هنا ليسأل نفسه، ترى وكيف الوصول إلى هؤلاء؟ على أن الجواب على سؤاله لنفسه هذا حاضر، فإن القوات المتعددة الجنسية ووزارة الداخلية وعموم أبناء الشعب العراقي... كل هؤلاء يملكون معلومات كاملة ومفصلة ودقيقة عن هذه القوى الشريرة، كما أن وزيره للحوار الوطنية يمتلك إرشيفا جيدا بالفصائل المسلحة، ولذا ليس هناك مشكلة كبيرة. وهنا وهنا بالذات، تقفز إلى ذهن السيد رئيس الوزراء مشكلة الحدود، فهي الآفة الكبيرة في خارطة طريق للخروج من المأزق، وربما يأتي على ذهنه فكرة تدويل هذه الحدود، أي وضعها تحت تصرف قوات دولية أيضا، وبذلك يزج دول الجوار التي تتدخل في الشأن العراقي بهذه الثقل المزعج في معركة مع العالم، العالم كله، أليس هناك إقتراحات لوضع قوات دولية على الحدود السورية اللباننية؟ هل سوف يجرب السيد المالكي حظه في طرح هذا المقترح الذي ربما يكون خياليا بعض الشي؟ وليس من شك أيضا، أن السيد المالكي سوف يفكر بمصير القوات العسكرية العراقية في ظل عملية التدويل، وربما يرى أن الحل قد يكمن في خضوعها لقيادة القوات الدولية، تخطيطا وتنفيذا، يسبق ذلك طبعا تفاهم شامل بين القوتين، وبمشاركة فاعلة من السلطة التنفيذية، ويجب أن يكون لرئيس الوزراء حضور نشط وشاهد ومؤثر. إن السيد المالكي سوف يقترح فيما إذا تحقق مشروع تدويل القضية العراقية أن يكون حضور القوات الدولية في المناطق السا خنة بشكل مكثف،. ولما كانت المليشيات المسلحة هي المشكلة الكبيرة التي يعاني منها السيد المالكي، فاعتقد سوف يقترح أن تكون هناك حوارات موسعة بين ا لقوات الدولية عبر الحكومة العراقية مع هذه المليشيات بهدف نزع سلاحها، وإذا لم تنفع الدبلوماسية يشرع مبدأ القوة بأخذ حقه في معالجة هذه المُشكِل الخطير، وبطبيعة الحال سوف تكون هناك خطط دقيقة في ذلك، تراعى فيها المفارقات الدينية والمذهبية والمناطقية، ولهذه التجربة نظائر في البلقان وفي لبنان وفي افغانستان.
أعتقد أن السيد المالكي لا يقصر تفكيره في تدويل القضية العراقية على الجانب العسكري، بل يفكر أن يكون هنا ك تدويل إعماري شامل، بتموين من عائدات النفط العراقي، ومنح وقروض الدول الصناعية، وبعض دول الجوار الغنية وبعض مؤسسات التنمية العالمية. على أن تتم عملية الإعمار تحت إشراف الأمم المتحدة تخطيطا وصرفا وتسييرا، بمشاركة مخططين عراقيين، وأن تكون بعمالة عراقية صرفة، وبالاستفادة من الطاقات العراقية في الخارج، تلك الطاقات التي تكرهها وتحاربها بعض الأحزاب الدينية، وأن تكون هناك تغطية خبرية وإعلامية لكل ما يجري في هذا المجال، وقد وجدنا بعض معالم ذلك في أفغانستان، وقد حققت آثاراً ملموسة، بل آثار تعتبر كبيرة نسبة على ما كان عليه وضع هذا البلد فيما مضى.
تدويل القضية العراقية فكرة خلاّقة، وهو قد يساعد ويساهم على محاصرة الخطر الإيراني أكثر، أو قد يساعد ويساهم على تفاهم غربي أيراني في حدود ما، وهو الخطر الذي يخافه كل من الأمريكيين والأوربيين على السواء، ولكن لكل منها تصوره في معالجة الخطر المذكور، كما أن هذا التدويل قد يساهم أو يساعد أكثر على تطويق سوريا التي هي محل إتفاق أوربي وأمريكي من أنها ــ كما يرون ـ من أسباب تأزم الأوضاع في الشرق الأ وسط، كما أن هذا التدويل قد يحول منطقة الشرق الأوسط إلى تواجد غربي شامل من شانه خلق واقع عالمي جديد، تتداخل فيه المؤثرات الثقافية والسياسية والحضارية بين الشرق والغرب، وإن على مستوى زمني بعيد.
أن السيد المالكي رجل سياسة، وهو صاحب أرث سياسي، وقاري جيد للمعادلات الدولية والأقليمية، وهو يملك الكثير من المعلومات المهمة والخطيرة التي لا يملكها غيره وهو يمارس هذه المسؤولية الكبيرة، ومن هنا أعتقد وفي ضوء كل هذه المعلومات والخبرات سوف يسارع إلى الأتصال بدول عربية ناشطة، مصر والسعودية والكويت والأمارات، كذلك دول إسلامية مؤثرة مثل باكستان وأندونسيا وماليزيا وغيرها، للتداول عبر مستشاريه الكبار في صدد مثل هذا المشروع الذي لا أشك أنه يخامره بشكل وأخر، وهو يعرف أيضا، أن تدويل القضية العراقية يعني محاصاصات وتقسيمات ومشاراكات بين قوى التدويل في النفوذ والنفط والإعمار، وسوف لا يتأخر للقول مع نفسه: وليكن ذلك، وكيف لا يكون؟ ولماذا لا نشتري الغالي بالأرخص؟ السلام الأهلي بالنفط، الإعمار بالنفط، قد تكون هناك قسمة ضيزى، ولكن النتيجة خلاص في حدود ما.
ولكن أين سيكون موقع البرلمان العراقي من كل ذلك؟
سوف يفكر المالكي بمثل هذا السؤال طبعا، وماذا لو لم يحصل مشروعه على العدد الكافي من المصوتين؟
هل سيقول المالكي مع نفسه: وأي برلمان هو؟ وهي لكارثة أن يُعلَّق مصير العراق كله على مشورة تواب، و مَشورة مزور شهادة ثانوية، و مشورة أحساب وأنساب، ومشورة حوزوي بائس، ومشورة بعثي قاتل ــ أين هو فاضل الجمالي، وأين هو طلعت الشيباني، وأين هو سعد البزاز، وأين هو توفيق السويدي / عراقنا اليوم اليوم هو عراق توابين ومزوري شهادات وخريجي كليات هندية في اللغة العربية وحاملي حروز ومثقفي طهارة ونجاسة وقتلة بعثيين نالوا تبريكات التوبة ودلالي أراضي السيد ساجدة وموظفي أوقاف وورثة علم ديني رث ــ فليكن الأمر معلق على فكرة التدويل ذاتها، وتكون هي الحكم؟
ولكن هل يقدر السيد المالكي أن يطرح مثل هذا المشروع ويواجه به العالم، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية؟وهل يملك من الأجندة المؤهلة لطرح مثل هذه التصورات؟
أقترح عليه أن يقوم بجولة شاملة على الدول العربية المؤثرة والدول الإسلامية المؤثرة، وأن يقوم بجولة أوربية شاملة أيضا، وقبل ذلك أن يتشاور مع أهل الخبرة والعلم والممارسة من أعضاء حكومته وأعضاء البرلمان من ذوي الثقافة والدراية في العالم ومؤسساته الدولية، أقترح عليه أن يتحرر من القبضة الامريكية بعض الشي، وأن يقوم بالتواصل الحواري مع قدرات حقا ذات مستوى، وليس قدرات مستوردة حسب المصالح الحزبية والفئوية الضيقة المتخلفة بل وحتى حسب المصالح العائلية.
خطة المالكي الآن هي إحلال السلام، إحلال السلام قبل كل شي، وليس مشاريع للمستقبل تقرر مصير العراق موحدا ام فيدراليا أم كونفدراليا، تلك قضية مؤجلة، وليس لإحلال السلام في العراق غير التدويل.
أن مواجهة مخططات الإمارات الإسلامية التي تهدد دول الجوار والعالم العربي والعالم كله في العراق لا يكون إلا بتدويل العراق...
إن مواجهة موجات الزحف التكفيري والإرهابي من السعودية وإيران وسوريا والكويت لا يكون إلا بتدويل المشكلة العراقية.
إن إعمار العراق وتخليصه من كل هذا التخلف لا يكون إلا بتدويل القضية العراقية...
إن التحكم بجغرافية العراق الموزائكية المتداخلة لا يكون إلا بتدويل القضية العراقية... لا حكومة المالكي، ولا حكومة علاوي، ولا القوات الأمريكية، وإنما قوات دولية مكثفة، أي تدويل القضية العراقية...
إن إيقاف تدخل دول الجوار لا يكون إلا بوضع هذه الدول في مواجهة العالم كله، وذلك يكون بتدويل القضية العراقية، وربما تدويل القضية العراقية يخلق عالما جديدا...
فهل سوف يدخل المالكي التا ريخ؟
التعليقات