لن تمر كلمة السيد حسن نصرالله امين عام حزب الله برداً وسلاماً على اللبنانيين، المعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء في وسط بيروت واولئك المعتصمين في بيوتهم في انتظار حل الأزمة. فالسيد حرص كل الحرص على تجنب فتنة شيعية ndash; سنية في لبنان واكد اكثر من مرة على ان سلاح المقاومة لن يوجه إلى الداخل اللبناني ولن يكون سلاح حرب اهلية. لكن وقائع الامور بلغت حداً لن تستطيع معه كلمة متلفزة، حتى لو كان قائلها السيد نصراالله بما يملك من تأثير كبير على الجماهير التي تواليه، ان تخفف حدة التوتر او تجعل الانقسام اللبناني الحاصل اليوم على غير ما هو عليه واقعاً.

حاول السيد حسن نصرالله ان يفصل رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة عن طائفته، محاولاً تحييد الطائفة في الصراع الذي يخوضه ضد السنيورة وحكومته. وهو بذلك بدا في موقف من يرى ان الأمور سارت في البلاد بعكس ما يشتهي ويريد. والارجح ان التحذيرات الكثيرة التي سبقت قرار المعارضة اللبنانية، وحزب الله عمودها المركزي، عن خطورة اللجوء إلى خيار الشارع لم تلق اذناً صاغية من حزب الله وقيادته في الوقت المناسب. مما جعل تواتر الحوادث وارتفاع وتيرة الشحن المذهبي تسابق جهود الحزب في تحويل الانقسام المذهبي والطائفي الحاد إلى انقسام سياسي كما اقترح في احتفال النصر الإلهي.

لذا لم يجد السيد بداً من تحديد الأسباب الموجبة التي دعته إلى اللجوء إلى ما لجأ إليه: اي خيار الشارع. فكشف للمرة الأولى ان بعض قادة فريق 14 آذار ndash; مارس طلبوا من الإدارة الاميركية تكليف اسرائيل شن حرب على لبنان لاستئصال حزب الله من جذوره فquot;لا يبقى له باقية ولا تقوم له قائمة بعدهاquot;. وان الرئيس فؤاد السنيورة كلف الجيش اللبناني بقطع طرق امداد حزب الله بالسلاح في اثناء العدوان الإسرائيلي، وان قوى امنية تابعة لفريق 14 آذار ndash; مارس حاولت تحديد مكان اختباء السيد حسن نصرالله شخصياً اثناء الحرب. ورغم خطورة هذه الاتهامات البالغة، وما يمكن ان تتركه من آثار على مستوى الشارع، إلا ان ما ذهب إليه السيد نصرالله في هذه الكلمة كان بمثابة محاولة لتحييد الطائفة السنية المستنفرة عصبياً ومذهبياً بسبب الاعتصام الذي يقوم به انصار حزب الله والمعارضة اللبنانية في ساحات بيروت ذات الغالبية السنية.

لا شك ان الحديث عن طلب لبناني واستجابة اميركية اولاً ثم اسرائيلية ثانياً بشن حرب على حزب الله في جنوب لبنان امر يكاد يفوق التصور. فلو صحت اتهامات السيد نصرالله في هذا الخصوص، لبدا الأمر مخالفاً لكل الاعراف السياسية على نحو لا سابق له. والسيد نصرالله نفسه يعرف ويعترف ان الإدارة الأميركية انما تنفذ سياسات تخدم مصالحها ولا تعبأً بمصالح الاطراف المتعاونة معها إذا رأت مصلحتها في التخلي عنهم.

وهذا ما يجاهر به العراقيون اليوم علناً ويغمز السيد نصرالله من قناته في خطبته المتلفزة. ولو صح ما ذهب إليه السيد من ان لبنانياً، مهما علا شأنه، طلب من الرئيس جورج بوش طلباً بهذا الحجم واستجاب الرئيس بوش إلى هذا الطلب، فإن ما يثير الاستغراب والدهشة ان هذا السياسي العالي الشأن والذي يطلب من بوش فينفذ لم يطلب شمل سوريا بالهجوم ولسان حال هذا الفريق يقول من دون كلل ان سوريا تتلاعب بلبنان وان لا خلاص للبنان إلا بزوال هذا النظام.

طبعاً لا احد يستطيع ان يناقش في ما جرى في كواليس السياسة اللبنانية والسورية والاميركية في تلك الحرب. والنزر اليسير الذي يتحصل للصحافة من هذه المعلومات ليس اكثر من تسريبات مقصودة يختلط فيها الحق بالباطل على نحو لا فائدة فيه. لكن هذا الهجوم الذي اصلاه السيد نصرالله للمسؤولين من فريق 14 آذار ndash; مارس سيكون له صولات وجولات على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيونات في المقبل من الأيام.

والارجح ان بعض الصحافيين اللبنانيين قد حصل منذ الآن على قائمة بالأسماء التي ترفع السيد عن اتهامها مباشرة. مما يعني ان الهجوم بدأ منذ الآن على رموز في الحكومة بهدف فصلهم عن طوائفهم، بحيث تلعب الشائعات والمعلومات، الصحيح منها والمفبرك، دورها في حرق سياسيين لبنانيين انقاذاً لماء وجه حزب الله وحلفائه الذي لم يعبأً بكل التحذيرات من مخاطر اللجوء إلى الشارع على النحو الذي اعتمده الحزب واصر عليه.

الأرجح ان حزب الله اليوم يستشعر حدة الأزمة التي اوقع نفسه فيها وجر البلاد إليها، وانه يحاول بهذه اللهجة التخوينية الجديدة كسب معركته، لكنه هذه المرة يريد كسب المعركة مع اشخاص وليس مع نهج سياسي. فماذا لو قال له اهل السنة بمشايخهم ووجهائهم وبالاقتراع في الشارع انهم مع هذه الحكومة بصرف النظر عن ادائها في اثناء الحرب وقبلها وبعدها؟ هل يُخرج انصاره من الشارع ويعيدهم إلى بيوتهم كما لو ان شيئاً لم يكن؟