من هي الجهة التي أوقعت quot;حزب اللهquot; اللبناني في الفخ ؟ ولمصلحة من قامت بذلك؟ ومن المستفيد؟
كلها أسئلة بدأت تطرح نفسها تصاعدياً مع تنامي الشعور بأن مبادرة quot;حزب اللهquot; بالنزول إلى الشارع، باتت مسدودة الأفق، وغير واضحة، ومبهمة على مستوى النتائج. والحقيقة التي بدأت تنجلي تكمن في انحسار وانحدار نسبة الحماس التي رافقت بداية الحشد على الساحات، وذلك بسبب هذا الشعور بالذات، والذي بدأ يسيطر على أجواء المحتشدين، وغير الحتشدين أيضاً، أي على المراقبين من بعد. شعور بإن الجمود والمراوحة، سوف يوصلان حتماً إلى الملل واليأس، خاصة بعد مضي اثني عشر يوماً من الاعتصام غير المجدي. وذلك رغم تدارك السيد حسن نصرالله لهذا الأمر، ومن تحذيره المسبق وفي خطبته الأخيرة، من أي تراخ مستقبلي، وتنبيهه لعدم الانحلال أو الوقوع في مطبي الملل أو الكلل.
ولكن لا بد من الأشارة إلى كون التحذير من الوقوع في المحرّم شيئاً والوقوع فيه شيئاً آخر، من ناحية أن فرضية الانهيار لا يمكن استبعادها إذا لم تُدارك وتنتفى الأسباب المؤدية اليه. والواقع ينبي أنه ومن اللحظة الأولى، أي منذ نزول حشود quot;حزب اللهquot; إلى الساحات، التي ليست موقعها الطبيعي، أي ليست المكان التي أنشئت من أجله، بدأ quot;حزب اللهquot; يتعرى، ويفقد مصداقيته تجاه قاعدته هو أولاً، قبل أن يبدأ بفقدانها تجاه الشعب اللبناني والعربي عامة. وهذا النسر المنفوش الريش والذى حلق منتصراً فوق العروش، والقامات والمقامات، ناهيك بتهديده المباشر وغير المباشر لبعض قادة ورؤساء العالمين العربي والغربي، بدأ يفقد ريشه تباعاً ويهوي تدريجاً.
وإذا كانت نتفة الريش الأولى قد تزامنت مع النزول إلى الشوارع والأزقة، فنتفة الريش الثانية خسرها نتيجة تمترسه شيعياً مقابل السرايا، مقر رئيس مجلس الوزراء السني، رغم محاولته خلط المعلومات والحيثيات من خلال اقحام بعض وجوه من الطوائف الأخرى كالمسيحية والدرزية وبعض السنية من أجل التمويه.
أما الكم الأكبر من الريش فخسره عبر تحويله طابع الحزب وتحوير هويته، وعن طريف انحراف ميزاته ولا سيما منها quot;الألهيةquot;. فأصغر نفر في الحزب كان يشعر بنفسه قبل النزول إلى الشارع، نتيجة الضخ الإيديولوجي وغسل الدماغ العقائدي quot;نصف إلهquot;. فكيف له أن يخلع هذا الرداء بسحر الساحر وبين ليلة quot;وضواحيهاquot; ليلبس الحلة البشرية التي تأكل اللحم المشوي وتشرب النرخيلة وتديرها دبكة وزجل وشعر وأهازيج وأغاني.
دون أن ننسى كمشة الريش الذي فقدها الحزب عند اتهامه الحكومة الحالية بالخيانة العظمى، وبقائه على مساكنتها بعد الحرب كذا شهراً، رغم هذا الأتهام الخطير. ناهيك عن اعرابه وعلى ألسنة المتكلمين باسمه، عن استعداده اليوم وربما غداً إلى العودة إلى أحضانها، مغيباً أو متناسياً أن أمينه العام أتهم كل أعضائهاquot; بالقتلةquot; دون تمييز أو استسثناء. وما الكلام الغاضب والمزمجر لحليف الحزب الداعية فتحي يكن تجاه الجنرال ميشال عون الذي يبدو كأنه quot;يفتح على حسابهquot;، أو ربما يتجاوز حده بتهديده بالهجوم على السرايا أو تلويحه باحتمال اقامة حكومة جديدة، سوى دليل على استعداد الحزب وجهوزيته للعودة إلى حضان هذه الحكومة.
كل ذلك كأن المطلوب من نزول quot;حزب اللهquot; إلى الساحات العامة التجمد والتحجر. وما أدراك بنتائج وتداعيات استراتيجية الجمود والامتناع عن الحركة. فغني عن البيان أنه في التقدم تحول وتبدل في الأوضاع، وإن كان أحياناً محفوفاً بالمحاذير أو المفاجآت، ولكن المراوحة أخطر لأنها لا تؤدي سوى إلى إظهار العجز وبالتالي إلى تسويد الصورة وتلويثها. بمعنى آخر وعن طريق ترجمة هذا الطرح واقعياً يمكن القول بأن التقدم في اتجاه السرايا محرّم، والفتنة المذهبية السنية - الشيعية ممنوعة منعاً باتاً من قبل المخطط والمدبر، بسبب أخطار وصول نيرانها إلى دياره. أما المشاركة في الحكومة عن طريق العودة إلى أحضانها فهي quot;محرقةquot; بعد كل السباب والشتائم التي طاولتها من المتفوهين بلسان الحزب، فبالله عليكم هل يمكن وصف هذه الاستراتيجية سوى باستراتيجية quot;الفخquot;. وبالفخ الملتهب أيضاً حيث من المتوقع والمخطط أن يقع حزب الله quot;فيشوشط quot; وquot;يصوصفquot;.
والسؤال الذي يبادر الى الذهن عند هذا اليقين، هو حول انجرار quot;حزب اللهquot; إلى هذا المأزق الحرج، وإلى هذا المغطس الدبق، أي إلى رمال بيروت المتحركة، والمشهورة والمعروفة بأنها تبتلع متحديها، وهو quot;حزب اللهquot; الذي يدعي التخطيط والعلم بالأمور وخفاياها قبل حدوثها. والسوال الثاني يتمحور حول الجهة المخططة والجهة المتخلية والجهة المستفيدة. وبما أن الأحداث ليست خفية على أحد فتخلي إيران وصمتها عن كل مجريات الأمور، وغيابها شبه التام عن الساحة اللبنانية بعد إطلاق التمنيات بنجاح حركة quot;حزب اللهquot;، لهو مدعاة للاستغراب. ومن ناحية أخرى قد تكون لافتة بوادر الإرتياح والنشوة التي رافقت التطمينات التي وجهتها في المدة الأخيرة اسرائيل إلى سورية، والتي تؤكد لها بموجبها حسن نيات الدولة العبرية تجاهها، وتكذب كل المقولات التي تحدثت عن شن حرب ضدها. كما لا بد من التساؤل حول تلاقيها وتزامنها مع اعلان استراتيجية الحوار الأميركي مع جيران العراق والمهمة الموكلة إلى هذا الجوار تحديداً في لبنان؟

كاتبة وباحثة سياسية لبنانية
[email protected]