غالباً ما تعطي الأرقام المنشورة في الدول العربية معلومات عن زيادة في النشاط الاقتصادي ودخل الفرد والاستهلاك. مع هذا، يوجد شعور عام بتخلف العرب اقتصاديا واجتماعياً حتى مقارنة مع دول أقل ثروة، كانت تعتبر حتى وقت قريب شبيهة بنا، مثل ماليزيا والهند والصين. و يطرح هذا سؤالاً هاماً حول كيفية احتساب نسبة التخلف (أو التقدم) في الدول. في ما يلي ثلاثة مراحل تساعد على الوصول لاحتساب هذه النسبة: (1) نسبة النمو الاقتصادي، (2) طرح نسبة زيادة عدد السكان للحصول على نسبة زيادة معدل دخل الفرد، و (3) المقارنة مع الدول النامية الأخرى، حيث أن مفهوم التخلف (أو التقدم) هو مفهوم نسبي بالأساس.

01 نسبة النمو الاقتصادي: ما لم تحصل اكتشافات هامة لثروات طبيعية، فإن تحسن مستوى العيش في الدول يتم تدريجياً بزيادة الإنتاج، والمؤشر المستخدم لذلك هو نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للدولة، بالأسعار الثابتة (أي بعد طرح نسبة تضخم الأسعار) ، أو ما يسمى نسبة النمو الاقتصادي.

إذا ما استثنينا حالات الانهيار الاقتصادي (نسبة نمو سالبة) والركود (نسبة نمو تساوي صفر) ، نجد أن معظم الاقتصاديات قد حققت، خلال العقود الخمسة الماضية، نسب نمو سنوية تتراوح بين 1% (نمو ضعيف) ، 5% (نمو متوسط، وهو معدل نمو الدول النامية)، و 6% واكثر، وهي نسب النمو في النمور الآسيوية.

على هذا المستوى، نلاحظ ضعف النمو في معظم الدول العربية غير النفطية، حيث كان معدل النمو السنوي لا يزيد فيها عن 3.5% على المدى الطويل ، باستثناء تونس التي حققت معدل الدول النامية (5%) ، نتيجة الإصلاحات البورقيبية منذ العام 1956 التي شجعت المرأة على الدخول في الدورة الاقتصادية، بالإضافة لتعميم التعليم العصري المنسوخ عن المناهج الفرنسية، وسياسة التعاون مع الدول المتقدمة التي أفادت البلاد في مختلف المجالات، وساعدتها على تنويع اقتصادها، بالعمل مبكراً على تطوير القطاع السياحي، و تطوير الصناعات التصديرية اثر صدور قانون 1972، و تنمية الزراعة السقوية حتى لا تبقى رهينة لتقلبات المناخ.

02 الاخذ بعين الاعتبار زيادة عدد السكان: نسبة النمو الاقتصادي لا تعني الكثير قبل أن نطرح منها نسبة زيادة عدد السكان، للحصول على نسبة زيادة معدل الفرد من الدخل القومي، التي تمثل المؤشر لتحسن او تردي مستوى العيش. وهنا تكون العملية الحسابية في صالح الدول ذات النمو السكاني الضعيف، مثل نسبة 1.7% منذ بداية التسعينات من القرن الماضي بتونس، الدولة العربية الوحيدة التي اتبعت برنامجاً حازماً لتحديد النسل، منذ حصولها على الاستقلال، بينما يتوجب طرح نسب عالية في الدول العربية الأخرى: 4.3% في الأردن ، 2.8% في سوريا، و 2% في مصر...

ويعني هذا أن الدول التي تفشل في السيطرة على قنبلة الانفجار السكاني تخسر من جهة النمو الاقتصادي الضعيف نتيجة ضعف الخدمات العامة (التعليم الأساسي ، الصحة ، النقل ...)، و تخسر بالإضافة إلى ذلك نتيجة طرح النسبة العالية للنمو السكاني. ففي تونس، على سبيل المثال ، يزيد دخل الفرد حسب الأرقام السابقة بـ 3.4% (5% - 1.7%) بينما في دولة عربية أخرى، حتى لو افترضنا قدرتها على تحقيق نفس النمو الاقتصادي، فلن يزيد نمو دخل الفرد فيها سنويا عن نسبة 2.5% إذا كان عدد السكان يزيد بـ 2.5% سنويا (5%-2،5%).

03 المقارنة مع باقي دول العالم: كيف نستطيع القول إذا ما كانت نسبة النمو السنوي لدخل الفرد بحدود 2.5% ، حسب المثال السابق (وهو ما يقارب ما حصل فعلاً في الدول العربية غير النفطية، باستثناء تونس، خلال العقود الخمسة الماضية) تمثل تقدما أم تأخرا؟ للرد على هذا السؤال يجب التأكيد على نسبية مفهوم التقدم ، فنحن نتحدث عن تأخر مصر خلال العقدين الماضيين، على سبيل المثال، لأنها تأخرت مقارنة مع دول شبيهة بها، لا مقارنة بمستوى العيش في نفس الدولة في الخمسينات من القرن الماضي.
إذا ما كانت المقارنة سلبية للدولة المعنية، نقول إنها تتخلف سنويا بنفس الفارق، و العكس بالعكس إذا ما كان الفارق إيجابيا. فالدولة العربية التي نما فيها دخل الفرد بمعدل 5،2% مقارنة بــ 4% (معدل الدول النامية) تتخلف سنويا بنفس الفارق، أي بــ 5،1 (4% - 5،2). و تكون هذه النسبة أعلى إذا كانت المقارنة بدول ذات نمو اقتصادي أسرع (مثل الهند والصين وفيتنام). وحسب الأرقام المذكورة أعلاه، سيكون معدل دخل الفرد في هذه الدولة العربية اقل بحوالي الثلث بعد عقدين من الزمن، ممّا سيكون عليه لو حققت معدل الدول النامية. فالفارق البسيط في نسب النمو السنوية لمعدل دخل الفرد، تؤدي إلى فارق كبير بعد تراكم ذلك خلال عقود قليلة. لذا يتوجب على الدول العربية تحديد أهداف تنموية تسمح لها بنمو دخل الفرد بما لا يقل عن 4-5%. ويتطلب هذا إتباع سياسة حازمة لتحديد النسل من جهة، وتوفير مناخ ملائم للاستثمار لرفع نسبة النمو الاقتصادي، من جهة أخرى. (أخذت هذه المقالةمن
quot;ديجيتال إيلافquot; عدد 12 ديسمبر/ صفحة 18)

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي، باحث أكاديمي وخبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
[email protected]