إعداد وترجمة حسين كركوش: نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، على صدر صفحتها الأولى، في عددها الصادر بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول 2006 ، تحقيقا عنوانه: quot;البترول يمول الحرب الأهلية في العراقquot;. التحقيق المذكور كتبه الصحافي الفرنسي، جورج مالبرينو الذي سبق وأن اختطفته، مع زميله ومواطنه كريستيان شينو، أحدى الجماعات العراقية المسلحة، قبل أن تطلق سراحيهما. وقد يكون التقرير، وهو بالتأكيد واحد من تقارير عديدة تنشرها وسائل الإعلام حول نفس الموضوع، قد أحتوى على معلومات غير صحيحة، أو مبالغ فيها، مثلما قد يكون صحيحا من ألفه إلى يائه.
إن أهمية هذا التقرير تكمن، في رأينا، بما ورد في خاتمته التي تعتبر ناقوس خطر مرعب، نأمل أن يسمع دقاته، العراقيون، كل العراقيين. فإذا كان هذا النزف في الموارد النفطية يحدث مع وجود أكثر من 150000 ألف عسكري أجنبي، وقوات أمن عراقية وشرطة حدود، مهما كانت كفاءتها محدودة، فماذا سيحدث لو نشبت غدا حرب أهلية، وتبعثرت مؤسسات الدولة، وجيشها، وقواتها الأمنية ؟ وإذا نشبت الحرب الأهلية، فكيف ستتوقف، مع هذه الإمكانيات المالية الهائلة التي سيوفرها تهريب النفط ؟ إن القارئ سيجد أن التقرير يتحدث عن صدامات مسلحة، يتوقع أنها ستحدث بين مليشيات الأحزاب الشيعية السياسية المتنافسة في مدينة البصرة، حال انسحاب القوات البريطانية. وقد بدأ، بالفعل، سياسيون عراقيون يحذرون، من الآن، من عواقب تلك الصدامات، التي يقولون أنها ستحدث لا محال. وإذا كان هولاء السياسيون لا يقولون لماذا ستحدث تلك الصدمات، فأن التقرير يقول ذلك بدون تردد: إنه النفط.
تشبه صحيفة لوفيغارو الفرنسية في نفس عددها المذكور، وزارة النفط العراقية، بأنها quot;قلعة عسكرية تحت الحصارquot;. وتقول الصحيفة أن ثلاثة من المدراء العامين في الوزارة قد اغتيلوا، وفر الرابع خارج العراق، وهناك الكثير من العاملين في الوزارة فضلوا البقاء في البيت، خوفا من الاغتيال في حال الالتحاق بعملهم.
حقا، لقد سمم النفط مياه الخليج، كما يقول التقرير. لكن المأساة الكبرى هي أن النفط سمم حياة العراقيين أنفسهم، وساهم في إراقة دمهم في الشوارع. وستكون الكارثة أكبر وأشمل، إذا استمر تعامل الأطراف العراقية مع النفط، لا باعتباره ثروة وطنية ينير لهبها العراق كله، بل كسلعة تشعل الحرائق في مدن العراق كلها. فالحرب الأهلية، إذا اشتعلت في العراق، ستصبح من أكثر الحروب الأهلية quot;دلالquot; في التاريخ. كيف لا، وغذائها الرئيسي وعصب ديمومتها، أي المال، لن يحتاج أمراء الحرب، من أجل الحصول عليه، إلا لمعول واحد لاستخراجه، وشاحنة لبيعه ؟

وعلى أي حال، فأننا نترك القارئ مع نص التقرير:

(هل أصبحت مياه الخليج، وعلى حين غرة، مياه مسمومة ؟ في كل شهر يتم تصنيع من 50 إلى 60 قارب في مدينة البصرة، جنوب العراق.وهكذا فإمكاننا أن نحصي وجود 1600 قارب. هذه الطفرة الانفجارية التي تشهدها تجارة صناعة القوارب، سببها ازدهار تجارة تهريب النفط. ووفقا لتقديرات نائب رئيس الوزراء برهم صالح، فأن تجارة التهريب هذه تدر على أصحابها أربع أو خمس مليارات في العام الواحد. وفي بلد يعتمد على البترول في إعادة التعمير، فأن الخسارة الناتجة عن عمليات التهريب هي، خسارة هائلة. بالإضافة إلى ذلك فان تجارة تهريب النفط تعتبر مصدرا أساسيا للفساد والإرهاب والجريمة.
يقول خبير نفطي غربي quot;بان العراق ينتج يوميا 2.2 مليون برميل تقريبا، يصدر منه 1.5 مليون برميل. إما الباقي فيتوزع بين المصافي والتهريب. أي ما قيمته نحو 350000 برميل يومياquot;. لقد كان تصدير النفط، الذي تم تأميمه عام 1972، يعتبر في زمن صدام حسين قضية من قضايا الدولة. وكان تهريب النفط، وقتذاك موجودا، لكن عمليات التهريب كانت تتم بطريقة مسيطر عليها تماما. ولكن، في بلد يشهد انهيارا تاما، هذه الأيام، فان تهريب النفط يشهد ازدهارا في كل مناطق العراق، وبطريقة تثير الذعر، طبقا لما يقوله تقرير أعده الخبير الاميركي في العراق السيد ستيوارت بوين.
إن عمليات التهريب تتم عن طريق تخزينه في المستودعات أو يتم شفطه من الأنابيب مباشرة. وبعد ذلك، يتم تهريبه، برا أو بحرا، سواء عبر منافذ حدودية برية أو عبر موانئ غير قانونية في نهر شط العرب، قرب مدينة البصرة. إن تهريب النفط يدر عوائد مالية كبيرة، ويتم في المناطق الكردية والسنية، مثلما في المناطق الشيعية. وتصل الحصة الصافية لسائق الصهريج المهرب إلى 800 دولار. ويقوم سائق الصهريج بدفع رشوة مقدارها نحو 500 دولار إلى دورية الشرطة التي تحاول تفتيش حمولته. ويقول تقرير الخبير الأميركي: quot; إذا خصمنا جميع ما يدفع كعمليات رشا، فأن الربح الصاف الذي يدره كل صهريج مهرب، يصل إلى 8400 دولارquot;. وبموازاة ذلك، فان المهربين يقومون ببيع بعض المشتقات النفطية التي يحصلون عليها من بعض الدول المجاورة مثل الكويت وتركيا، داخل الأسواق العراقية.
إن تقاعس الدولة وإغماض عينيها عن عمليات التهريب، بعد انتهاء الحرب، شجع مهربي النفط على استغلال الفراغ الأمني والتهاون في ضبط الحدود الدولية. وفي الفترة ما بين الأول من سبتمر/ أيلول 2004 و 15 فبراير/ شباط 2005 ،فهناك ما لا يقل عن 1551 صهريج محمل بالنفط كانت قد غادرت المنشأ في مدينة البصرة، لكنها لم تصل أبدا إلى المصدر التي يفترض أنها أرسلت إليه. إن تهريب النفط يغذي شبكة واسعة من المصالح التي تتداخل فيها السياسة والجريمة. وفي مقدمة الجهات المستفيدة من تهريب النفط هي، الجماعات السنية المسلحة، التي تعتمد في تهريب النفط، على خبرات الصداميين السابقين.

مافيا خطيرة
تستأثر حركة التمرد على حصة تتراوح ما بين 40 و 50 في المائة من واردات تهريب النفط، أي ما قيمته مليارين (2) دولار في العام الواحد، وهي مبالغ تفيض عن احتياجاتها الفعلية، وتؤمن لها البقاء لسنوات قادمة. والجهة الثانية التي تستفيد من عمليات تهريب النفط هم، بعض العاملين في جهاز الدولة. وأسفرت عملية أخيرة، قامت بها قوات الشرطة على مدى ثلاثة أسابيع، عن الاستيلاء على 400000 برميل كانت معدة للتهريب إلى الأراضي السورية عن طريق منفذ ربيعة الحدودي.
وكان المشرفون على عملية التهريب هذه، قد خصصوا مبلغ قدره مليون دولار كرشوة لمسؤول الكمارك حتى يغض النظر عن عملية التهريب. وهناك تواطيء بين موظفين في وزارات الداخلية والمالية والنفط، في كلي البلدين، العراق وسوريا، في عمليات التهريب. فقضية تهريب النفط هي، أبعد من أن تكون قضية منعزلة. وفي عام 2005 فأنه تم طرد 450 من العاملين في القطاعات النفطية، على خلفية محاولاتهم بيع نفط عراقي خارج الحدود.
يقول وزير النفط السابق، إبراهيم بحر العلوم إن quot; عصابات تهريب النفط أصبحت مافيات خطيرة، تقوم بتهديد المسؤولين عن مكافحة الفسادquot;. وكان عضو البرلمان العراقي، مشعان الجبوري، لم يجد في نفسه مقاومة إزاء العروض المغرية والمربحة، والتي كانت كالتالي: عهدت وزارة الدفاع للنائب مشعان الجبوري باستخدام أفراد عشيرته لحماية أنبوب النفط، في المنطقة الواقعة ما بين كركوك وبيجي، وهو الأنبوب الذي يصدر النفط عبر تركيا، والذي دائما ما يتعرض إلى عمليات تخريب من قبل حركات التمرد. وفي مقابل اقتسام الغنيمة، فان النائب السني فسح المجال للمتمردين، الذين يرتبطون بعلاقات مع المهربين، أن يتغلغلوا في صفوف الشرطة التي تتكون من أفراد العشيرة. وقد أصبح الجبوري، الذي فر من البلاد، متهما باختلاس ملايين الدولارات.
وفي مدينة البصرة، فان سالم حسين، مدير شركة البصرة للمنتجات النفطية، يلقي باللائمة على quot; مسؤولين سياسيين متنفذين يتهمهم بأنهم وراء عمليات التهريبquot;. وقد أصبح معروفا للجميع أن محمد الوائلي، محافظ مدينة البصرة، التي تقع بالقرب من حقل نفط الرميلة الواسع، متواطئ مع المهربين. وهذا الشخص ينتمي إلى حزب الفضيلة الشيعي الذي يسيطر على وزارة النفط في بغداد.
وقبل أشهر من بداية انسحاب القوات البريطانية من مدينة البصرة، فأن السيطرة على عمليات التهريب أصبحت واحدة من الرهانات الرئيسية في الصراع الدموي بين المليشيات الشيعية المتنافسة. وفي هذه المنطقة فان القسم الأعظم من التهريب يتم نحو إيران التي تتهمها بغداد بتوفير مكان امن للمهربين. وعندما يقوم خفر الشواطئ العراقية بملاحقة المهربين، فان الرد عليهم دائما ما يأتي من سفن إيرانية لها علاقة، بدون أي شك، بالسراق.

الدولة عاجزة أمام حركة العصابات
إن الدولة العراقية تشعر بالعجز وهي تجد نفسها بين مطرقة حركة التمرد السنية، وسندان المليشيات الشيعية. إنه لأمر صعب السيطرة على أنابيب نفط يبلغ طولها 7000 كيلومتر. وانه لأمر مستحيل السيطرة على 200000 شاحنة التي كانت قد دخلت العراق قادمة من المعبر الحدودي الكردي في مدينة زاخو في عام 2005 . يقول الخبير النفطي في مدرسة لندن للاقتصاد، يحيى سعيد quot; إذا كانت عمليات التهريب قد أصبحت رياضة وطنية (عراقية)، فلأن العراقيين لا يثقون بدولة يعتبرونها غير شرعيةquot;.
ويلاحظ التقرير الأميركي، بأسف، بأنه quot;بسبب انعدام الأمن، فان بعض المنافذ الحدودية تفتقر لتواجد أي شكل من أشكال سلطة الدولةquot;. ويقترح التقرير إنشاء قسم مختص داخل وزارة الداخلية، هدفه وضع حد لعمليات نهب الموارد داخل العراق. إن وزارة الداخلية التي تشرف على حرس الحدود، مخترقة من قبل مليشيات شيعية، تشارك هي نفسها في التهريب.

يقول دبلوماسي أوربي، محذرا quot; إن هذه الفوضى الجارية تعطي فكرة حول الوضع الذي سيصبح عليه تهريب النفط، في حال تفكك العراقquot;).