في 24/10/2005، كتبنا مقالاً بعنوان quot;الضغط على العنقquot;، تمنَّينا فيه لو أنَّ السيِّد سعد الدين حريري تمهّل قبل أن يعلن قبوله quot;بشكل قاطعquot; نتائج تقرير ديتليف ميليس وبتوصياته، وquot;بكلِّ المندرجات التي تضمَّنها، للكشف عن الحقيقةquot;، لأنَّنا رأينا أنَّ القبول في هذا quot;الشكل القاطعquot; يقطع الطريق على أيِّ اعتراض ربَّما يحتاجه السيِّد حريري في المستقبل. نعتقد، بعد الإفراج عن زهير الصديق في فرنسا، أنَّنا قد وصلنا إلى ذلك quot;المستقبلquot; اليوم، وأنَّ السيِّد حريري يجب أن يعترض على الكثير من المسائل المتعلِّقة بالتحقيق وغيره، ونأمل ألاَّ يكون الأوان قد فات.

لقد بات واضحًا لنا أنَّه يمكن تشبيه quot;شهودquot; ميليس بأسلحة quot;الكذب الشاملquot; أسوة بأسلحة الدمار الشامل. وليس مهمًّا من وكّل هؤلاء بمهمَّة الكذب، وما إذا كانت المخابرات السوريَّة قد فعلت ذلك بهدف تضليل التحقيق، أم أنَّ أحدًا من الموالين اليوم للحريري رأى فيهم مادَّة خصبة لتصفية الحساب مع سورية. المهم أنَّ الذي دفع الثمن هو التحقيق نفسه والعسكريُّون الأربعة القابعون في السجون اليوم، ناهيك عن الخاسر الأكبر، لبنان، الذي يقول معظم الناس إنَّه داخل إلى quot;مجهولquot;. أمَّا نحن، فنراه داخلاً في معلوم واضح المعالم، اسمه حرب أهليَّة.

لقد كانت مهمَّة الشهود التأسيس للقرارات الدوليَّة التي تلت القرار 1559، وكلِّ ما نجم وما سينجم عنها. ولن يناقش أحدٌ ما إذا كانت الشهادات صادقة أم باطلة، تمامًا كما لم يعد مهمًّا ما إذا كان السيِّد كولن باول قد كذب في مجلس الأمن على مرأى من العالم كلِّه. إنَّ الذرائع الكاذبة قد حقَّقت الغاية منها، والباقي تفاصيل للمؤرِّخين.
كان الهدف الأوَّل من الحرب الأهليَّة في لبنان سنة 1975، ضرب المقاومة الفلسطينيَّة. أمَّا ما يحصل في لبنان منذ سنة وأكثر فهو تمهيد لضرب المقاومة اللبنانيَّة. لقد شكَّلت المقاومة الفلسطينيَّة خطرًا على إسرائيل، ولكنَّها لم تصل إلى حجم الخطر الذي تشكِّله المقاومة اللبنانيَّة، وذلك لسببين أساسين: الأوَّل هو نزاهة سلاح المقاومة اللبنانيَّة، ونأيها عن السياسة الرخيصة والمنافع الخاصة. والثاني وهو الأهم، إنَّ هذه المقاومة قد حرَّرت الأرض، وطردت الإسرائيلي ذليل الذيل إلى ما وراء الحدود. إنَّها تشكِّل حالة فريدة في العالم العربي ممَّا أكسبها شعبيَّة في طوله وعرضه، تفوق بكثير حجم قوَّتها الفعليَّة.

إنَّ رأس حربة طعن المقاومة اليوم اثنين: وليد جنبلاط، إذ يحاول إنزالها إلى مستواه فيسخِّفها ويطعن قدسيَّتها وطهرها وأهدافها وقيادتها والحاجة إليها. ولا ينسى أثناء هذا كلِّه أن يعلن quot;أنَّ إسرائيل ليست عدوَّته، هلَّقquot;. والثاني، جعجع، يعلن سورية هي العدو، وعلى لبنان التعامل معها كذلك.
إنَّ quot;وقف العداوةquot; خطوة ضروريَّة للوصول لـ quot;الصداقة.quot; في السادس من شهر آذار مارس القادم، سيتحدَّث وليد جنبلاط في quot;مركز صبَّان لدراسات الشرق الأوسطquot;، وما سيقوله، سيكون لافتًا للنظر. فمركز quot;صبَّانquot; أسَّسه المدعو حاييم صبَّان. وحاييم صبَّان، كما يحلو له القول، هو quot;رجل ذو قضيَّة واحدة اسمها إسرائيلquot; ومن لا يصدِّق فليطالع موقع:
http://www.sourcewatch.org/index.php?title=Haim_Saban

يُقال إنَّ quot;الطريق إلى جهنم معبَّد بالنيَّات الحسنة.quot; والطريق إلى جهنم الحرب الأهليَّة تبدأ بأن يقف سعد الحريري بكلِّ حسن نيَّة بين واحد يقول: quot;إسرائيل ليست عدوِّيquot;، وآخر يقول: quot;سورية عدوِّي.quot; إنَّها أقصر الطرق.