ما زالت عقلية الأعراب تحكم العديد من مجتمعاتنا، وما زال قصر النظر من أهم أمراضنا، والفعل بعيد كل البعد عنا، وغير ردود الأفعال ليس بمقدورنا، ولا يستهوينا.
العقلية البدوية تتملكنا، وقوانينها تهيمن علينا، وتتحكم بسلوكنا وتصرفاتنا، وتسيطر على طريقة تفكيرنا وفهمنا ومعالجاتنا ورؤيتنا وتفسيراتنا. والثأر ثقافتنا المحببة إلى قلوبنا، نأخذ الصغير بجريرة الكبير، والضعيف بجرم القوي. والتصرفات غير المنضبطة، وغير المسؤولة، من طبيعتنا، ولا أقول أنها أسوأ عيوبنا، فهناك ما هو أسوأ بكثير.
ما حدث في الضفة الغربية وغزة إثر الهجوم الإسرائيلي الوحشي على سجن أريحا، واختطاف المناضلين سعدات والشوبكي ورفاقهما، من حرق وتدمير لأعلام ومقرات الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومن خطف وتخويف واسترهان للأجانب الذين جاؤوا لمساعدتنا، والطلب إليهم بلغة التهديد والوعيد مغادرة البلاد.. وإلا! أقل ما يقال في هذه الأفعال إنها عدوانية وغوغائية، ولا يشعر مرتبكوها، والذين سمحوا لهم بها، أو حرضوهم عليها بأدنى مسؤولية نحو شعبهم وبلادهم وقضيتهم وعلاقاتهم مع العالم، وصورتهم أمامه. فما ذنب الفرنسي أو الألماني الذي لم ينتخب حكومته لنحاسبه على نوايا قادتها؟ وما ذنب موظف الإغاثة والأمم المتحدة التي لا تبخل في مساعدتها وعونها، كي يُختطف، ويؤخذ رهينة أو أسير؟ أليست العقلية القبلية البدوية سببها، التي ترى في كل فرد من أفراد القبيلة الأخرى عدوها؟
إلى متى سنظل ننظر للعالم أنه يعيش القبلية مثلنا، وأن لهم شيوخ كشيوخنا، يتحكمون بمواطنيهم، ويفرضون عليهم إتاواتهم وأعرافهم، ويحملونهم تبعات أفعالهم، وأن مواطنيهم مثلنا ينقادون عميا مخدرين خائفين لشيوخهم، ويدافعون عن سوء تصرفاتهم وجهلهم؟
نعم ما زلنا على حالنا نلون الكون بألواننا، وننطقه لغتنا، ونقيسه بمقاييسنا، ولم نفهم حتى الآن أن من هم على يميننا أو شمالنا، ليس عالمهم كعالمنا، وثقافتهم تختلف عن ثقافتنا، وعقليتهم ليست كعقليتنا، يرون بعيونهم لا بعيوننا، حقوقهم أكثر من حقوقنا، وأحرار أكثر بكثير منا، لكل منهم مقاربته ورأيه الذي لا يُحاسب عليه، ولا يورده مورد التهلكة كما يوردنا.
أكثر من عشر سنين والاتحاد الأوروبي يدفع أكثر بكثير من أبناء جلدتنا وقوميتنا وديننا، رواتب أغلب الموظفين الفلسطينيين، ويقدم للشعب الفلسطيني المساعدات التعليمة والصحية والغذائية، لا جزية ولا خوفا منا، إذ يظن البعض أن خوف الغرب من غزواتنا يرغمه على الدفع لنا، ويظن آخرون أنها جزية واجبة، والغرب منقاد ومستسلم لها، أقرها خفية، ويخجل من إعلانها. قلة قليلة تدرك أن ما يدفعه الغرب يندرج قسم منه في باب المساعدات التي تُقدم للشعوب الفقيرة المعدمة، أو التي تطحنها الكوارث والنكبات، وقسمه الآخر لتحقيق أهداف وسياسات، ترمي إلى استقرار هذه المنطقة، لا لكي تُحرق أعلامه ومقراته، وتهدد حياة موظفيه ومواطنيه.
[email protected]