أعتذر عن الإحتفال بعيد الأم مرتين، مرة لأني لن أفرح في هذه المناسبة ولها، ومرة لأني سأخذل التوقعات، فأحزن لهذه المناسبة. الأرض في هذا الوقت، تفور بالحياة التي إختزنتها، لتلد ربيعا جديدا، والشمس بدلت مدارها لترعى هذا الربيع، والذي هو حياة وليدة تتجدد، وأنا، الأم، المحتفى بها، والتي لم تمانع حبسي في أطر التقديس، والتبجيل، والشعر، ليوم في السنة، يحتفى فيه بما أشبه به الأرض، والذي يبقى قبل الإحتفال وبعده، ويستمر دونما إحتفال، ودونما تقديس، إلا اللهم بما يخدم ذات التركيبة التي تقصيني عن الحياة التي أهبها.
لا أعرف ما علي أن اقول، وأنا أفتح العلب الملونة، مع علمي المسبق بمحتواها : أتكون تلك العصارة الكهربائية، أو ربما ذلك النوع من الحلل ( الطناجر )، ذات المعدن الثمين، ربما سوار يظهر قدرة شرائية عالية، أية دمية أنا اليوم، أم أية آلة.
ألم أفرّغ أنا الأنثى/الأم، بإسم الأمومة، من كل طموح تنادي به الحياة، والتي أنا أمها، لأرزح تحت عبء التفصيلات اليومية الرتيبة، والتي لا علاقة للأمومة بها؟ وإلا، كيف أجدني عاجزة عن توجيه ولدي، لما يعرض له، وهو على أعتاب المراهقة، ولا أجد متسعا من الوقت لسماع فرحة الإكتشاف في روايات إبنتي، فغالبا ما أنا مستنزفة لتفاصيل متكررة، منشغلة بها،عني، أنا الأم.
كيف أبدو بهذه السذاجة، عندما أحاول النفاذ إلى العالم الأكبر في أية محاورة، لأجدني دمية ترفل بما تقرر لي أن أرتدي، وبجمال صنع ليبقيني دمية تعرض قوة شرائية مزيفة في شكل حجارة ( كريمة ) هي أبعد ما تكون عن الكرم.
كيف أصبحت أثير الملل لهذه الدرجة، فأخرج من مسابقة الدمى، ومن حوار الحياة، فأصبح حتى غير لائقة بدور الأم؟
أما دفاعاتي فجاهزة، تأتيني في علب ملونة، وقصائد، إستعارتني لتخدم صورة، لا تشبهني، ولا أستطيع أن أشبهها، مكياج نفسي أرتدية، لأخفي ضياعي بين أدوار صممت لي، الأنثى، ولا أعرف ايني منها.
أنا من يحتفل بي اليوم، وأنا من أغرّب عني، باقي ايام السنة، أين أنا من صورة الأنثى، والتي هي أنا، المسخ الجميل!

إذن، تجدون الوقت لتحتفلوا بي.
من أثير الملل باقي أيام السنة، المنشغلة بوصفات الطعام، مبيضات الغسيل، أو، بصرعات الأزياء، وأحجار لا تبني إلا الفراغ!
تحتفلون بي، من؟ أنا! الأنثى التي تُرفض إذا لم تتوافق مع مقاييس الدمية، الأنثى التي ُترفض اذا لم تتوافق مع مقاييس التماثيل التي ُتقدس؟
تحتفلون بي اليوم، ثم تنفضون عني باقي أيام السنة، تتركوني للأمومة المزعومة، والتي يفصلها عني ركام الصحون، وكميات الغبار المتجددة بسرعة تفوق سرعتي، وتستهلك طاقتي، ولا تبقي لي وقتا أكون فيه أما، وربما أكون بعيدة عن تفاصيل اليوم الرتيبة، فلقد أحللت محلي أما أخرى، تحولت شبحا، لتأخذ عني، ما يٌمكنني من ممارسة دوري كدمية، تتحرك حسب مشيئة المصمم.
والجنة تنزلق من تحت أقدامي، وأقدامكم، ولا يبقى إلا...أدوات بلاستيكية، وأحجار بخيلة.
أين تبدأ الأم التي تحتفلون بها اليوم، وأين تنتهي؟
خففوا ركام الأشياء التي تتكاثر مع كل عيد، ليفسح مكانا للأم/الإنسان، لتحفل أيامها القادمة بما يقربها من نفسها، ومن أحد أبعادها، الأمومة.

شكرا، وعذرا، لن أشارككم الإحتفال، حتى يكون للأنثى/الأم، أن تكون، فأكون.