فالح الحمراني: ان كل أزمة تنشأ من الاخفاق في العثور على الطريق السوية بين الاطراف المختلفة على قضية ما. وبالنسبة للعراق فان الازمة تكمن في ان القوى الفاعلة تريد بناء عراق بوسائل قديمة. وهنا المفارقة. الديمقراطية مفهوم عصري يتم اخضاعه في العراق لبناء دولة طائفية ودينية ولتشريع قوانين واخلاقيات تتنافي وروح العصر الديمقراطية تقتضي دولة القانون وحرية الفرد في خياراته حتى خيار عقيدته ودينه واسلوب حياته وتجارته. الشرط الوحيد ان تتم في اطار القانون. ودولة القانون تتكفل بتوفير الحرية والملكية الشخصية. ومن هنا تبدا خيانة الديمقراطية او استخدامها بوعي كحصان طروادة لغزو المتحضر لصالح القديم البالي للعودة للحكم بوسائل ما قبل عصر الثورة الصناعية.

لقد مضت عدة اشهر على ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية، بيد ان الناخبين لم يروا الحكومة التي صوتوا لانتخابها وهنا مفارقة اخرى وخذلان فاضح للناخب. الشارع العراقي في حالة من الغضب والاستياء لذلك التاخر الذي سبب في تفاقم الوضع الامني وتردي الاوضاع المعيشية، وبرهن بصورة جلية على قصور القوى التي منحت الثفة للسيطرة على الوضع واقامة النظام البديل والمنشود. دولة القانون والخيار الديمقراطي، بعد الاطاحة بالنظام الديكتاتوري، وبرهنت ايضا كونها قوى لاتتمتع بالخبرة السياسية الكافية ( على الاقل بشهادة الحاكم الاميركي المجرب بريمير )لقيادة بلد كالعراق، وليس لديها البرنامج البديل للنظام السابق، ان الممارسة السياسية اليومية للقوى الراهنة لاتختلف الا بالشكل عن السلطة السابقة .ومن الواضح جدا ان القوى المتصارعة سواء التي تلبس الثوب الشيعي او السني تتمتع بصفات مشتركة اقل ما يقال انها لاتصب في برنامج العراق الجديد عراق ما بعد صدام حسين، والخوف من ان نظامها سيكون امتداد للنظام الساق ولو بمسميات اخرى.

ان الازمة الحكومية المتواصلة في العراق تعود اسبابها الى بقاء الذهنية السياسية والفشل وعدم رغبة الساسة بتجاوز الاخلاقية الموروثة من عصورالانحطاط والتخلف السياسي والقصور في فهم الدولة ووظائفها الدولة والمنصب الحكومي على انه مشروع نهب ونفوذ لاخدمة للوطن والمواطن،ونزوع الافراد بالتشبث بالسلطة والتسلط لهم ولابناء عمومتهم وطائفتهم والتخلي عن فكرة اداء الدور الوطني مثلا في اطار المجتمع المدني بدون اجر مغري ولنزوع وطني خالص.

ان الوضع السياسي يلوح وبعد ثلاث سنوات من الاطاحة بالنظام الصدامي مايزال يدور في مفاهيمه واخلاقياته السياسية، ان التطاول اليومي على حياة الانسان وحقوقه وخياراته البسيطة حتى في مشاهدة مسرحية او عرض سينمائي ناهيك عن الوقوع بحب جنس اخر او ان تصاحب موسيقى حفل زواج ، يبرهن على كل ذلك. ولست اعرف كيف سيتم التعامل مع الفتوحات والاكتشافات العلمية والتفكير الحر في القضايا الاجتماعية وتفسير التاريخ. الوضع في العراق يدور في حلقة مفرغة وعدم محاولة الانتقال الى افق جديد. وانحصرت القضية اساسا في تقسيم الفريسة الاكبر اي الشعب الواحد لطوائف الاكبر منها الشيعية والسنية. وهذه اكثر المفارقات كارثية.

ان الخروج من الوضع الراهن، وربما ليس ثمة سبيل اخر غيره،هو العودة الى الاصول. اقصد ان شعب العراق شعب واحد لايمكن ان يفرض عليه التقسيم وفقا للانتماء الطائفي المذهبي ولايجب ان يكون الانتماء المذهبي ولايجب ان يكون سببا لتاجيج نزاعات اهلية. هذا طريق خطر لايخدم الا مصلحة من يريد تدمير العراق. ان مهمة اليوم تتمثل بنبذ الانتماء الطائفي بكافة اشكاله والبحث بوعي لانتماء اوسع. ان الشعوب المتحضرة تجاوزت وتغلبت على التقسيم الطائفي والعرقي وهناك نزوع اوسع نحو الانساني، والشعوب المتطورة اختارت الانتماء للدولة الواحدة لاللطائفة. الطائفة حالة متخلفة لتجميع المواطنين. يمكن ان يتجمع المواطنون على اساس المصالح والانتماءات الطبقية وعلى المهنية، لانها الاكثر تعبيرا عن مصالحهم. ان تجاوز الطائفي هو حبل الانقاذ للعراق هو العقيدة والفكرة الوطنية.

ان بلوغ هذا الهدف يقتضي تحويل الائتلاف ( الذي بعمومه شيعي) الى تحالف اوسع يضم الكتل والاحزاب السنية الكبيرة أي ان يمسح صبغته الشيعية والسنة ايضا ولاءاتهم الطائفية ويحولوها الى صبغة عراقية، ان تبرهن كل الشخصيات المنخرطة بالعملية السياسية وفاءها للوطن الكبير الذي هو العراق، وبناء جسور اللقاء، لاللطائفة الضيقة.

ان العصر الراهن وفي اطار التعقيدات والتطورات ومستوى التطور التكنولوجي والبايلوجي وريادة الفضاء الكوني وكشف الخارطة الجينية والقدرة على الاستنساخ، يجعل من الصعب اقامة دولة دينية. ان قيام مثل هذه الدولة تلحق الضرر بسمعة الدين نفسه. الدين يقوم على الايمان والخيار لاالفرض والاخضاع.quot; لااكراه في الدينquot; وعلى رجل الدين الدعوة للعمل بالمعروف والالتزام بالاخلاق، وبما تنص احكام الشريعة وسيكون داعية بامتياز اذا اقنع مواطنيه بخطابه وبحرية ودون تدخل المليشيات واصحاب الملابس السوداء ومن ليس معنا فهو ضدنا، أي الالتجاء للممارسات التي توصف بالغرب بالفاشية. الديمقراطية لاتنحصر بانتخابات بل بخيار الفرد أي الناخب، اسلوب حياته الذي لايلحق الضرر الاخر ويحاصر حريته الشخصيه.