حدثنا أبو جندر الشهابي عن عكاشة المصري، عن أبي لجين السهمي أنه حل في هذا العام عام 1427هـ quot;داء الأسهمquot; هذا الداء الذي دخل في كل بيت، وهَزّ كل ركن، وحرك كل زاوية، حتى قيل: (ما إجتمع رجلان أو أمرئتان إلا كان الحديث عن داء الأسهم ثالثهما)!
وأعلم- رحمك الله تعالى- وعصمك من الزلل أن داء الأسهم هو تجارة يطمح فيها المرء إلى الربح السريع، وكل تجارة لها وجهان فأما أن تكون ذات الفوز الجدير أوالخسران الكبير... ولكن أكثر المساهمين لا يعلمون.
إنهم يريدون المؤشرات خضراء تسر الناظرين، وتبشر الصابرين، وتفرح المساهمين، وتشرح خاطر المضاربين، وتشفي صدور قوم مقترضين!
وحين حل داء الأسهم، إشتعلت كل الأطراف quot;الثقافيةquot; من مؤسسات دينية وأندية أدبية، ومجامع لغوية، وأمسيات شعبية، حتى قيل: (إذا رأيت الرجل تاركاً للأسهم فإبتعد عنه، فهو بتجارة القرن العشرين من الجاهلين)!
وقد حدثنا محمد بن سيبويه الأعجمي أن مجمع اللغة العربية إنشغل مؤخراً بمادة quot;الأسهمquot;، فاضطرب المجمع في أصل الفعل أهو quot;سَاهمquot; أم quot;أسهمquot;، وهل يقال فلان يسهم، أو يساهم في الشركة quot;المغلوبة على أمرهاquot;!
واختلفوا في المجمع هل يقال quot;سهامquot; كما قال بذلك الجندوري وغيره من علماء عصر عويس التاسع عشر، أو هو يجمع على quot;أسهمquot; كما قال بذلك المجنوني والأحدبي وصريع الغواني، أو هو يجمع على quot;سهومquot; كما قال بذلك غبي الظنون، وجريح القلب، وطريح السهام!
وقال شيخنا ابن الشمس أن أصل الفعل quot;ساهم، مساهمة، وسهاماًquot; أي قَارَعَة وغَالبََة وباراه في الفوز بالسهام، وقد جاء في محكم التنزيل (فساهم فكان من المدحضين) وتأتي بمعنى- قاسمه- أي أخذ سهماً: أي نصيباً معه، ومنه شركة المساهمة، والمشاركة وفي ذلك يقول شيخ الشعراء زهير بن أبي سُلمى:
أبا ثابتٍ ساهمت في الحزم أهله
فرأيُك محمودٌ، وعهدك دائمُ!
أما على المستوى الديني فقد روى الرواة أن شيخنا العلامة عبد الله بن منيع- عضو هيئة كبار العلماء- قد أوجع الناس quot;المساهمينquot; عندما قال في ملحق الرسالة الأسبوع الفائت: (أدعو الله أن يقضي على الأسهم).
قال القراء وغيرهم، وقال محمد بن جرير، وإبراهيم الأغلبي، نسأل الله ألاّ يستجيب دعوة شيخنا لأن في استجابتها بلاء عظيم وضرر جسيم على المنتج منهم والعقيم!
قال ابن عكاشة أن الله يستجيب من عباده الصالحين كشيخنا بن منيع quot;نحسبه كذلك والله حسيبهquot; كما أن الله جل وعز قد يستجيب دعاء غير الصالحين، فقد إستجاب جل وعز دعوة إبليس عندما سأل الله أن يمهله إلى يوم القيامة قال تعالى {قال ربي إنظرني قال إنك من المنظرين}، وقد إستعجب محمد الجداري وإبراهيم الأقصعي هجوم القوم والكتاب والمساهمين على كبير موظفي هيئة سوق المال وصناع السوق quot;الهواميرquot; في حين أن تصريح شيخنا بن منيع لم يتعرض له أي منتقد ولم يتناوله أي معترض الأمر الذي يؤكد تغلغل الثقافة القائلة بأن (لحوم العلماء مسمومة) في حين أن لحوم الهوامير ورجال هيئة سوق المال لذيذة شهية تسر الأكلين، وتصريح شيخنا بن منيع إذا أردنا قرائته بضغينة كما يقول المفكر جيل ديلوز قد يكون من باب أن الشيخ يريد المجتمع أن يعود إلى تجارته السوية التي يعرفها الشيخ قبل غيره، ويأتي بمقدمتها تجارة العقار، وثقافة المخططات، وإنشاء المزارع، وتنمية المساكن، وغيرها من جوانب الكسب التقليدي المشروع!
وقد حدثنا بعض الأعراب أنهم سمعوا في ضاحية من ضواحي العرب خطيب جمعة كان معلّقاً بأسهم شركات معينة فأراد أن يحث المصلين على أسهم هذه الشركات فقال: (أيها الناس ما هذه الحياة إلا quot;مساهمةquot; في الخير، وإن العمر quot;ينسابquot;، ولا يبقى إلا quot;صدقquot; العمل، والسعيد من قضى الحياة في quot;التعمير لحياته الآخرىquot; وأن يسير مع أخوانه السير quot;الجماعيquot;) قال الخطيب ذلك فلم يكن من المصلين إلا أن إنتشروا quot;بعد الصلاةquot; في صالات الأسهم وأنقضوا على أسهم الشركات المذكورة في الخطبة شرائاً وإستحواذاً وطلباً وإحتكاراً، لتكون هذه من الحالات القليلة التي يتم فيها توظيف الخطاب الديني لصالح الحياة quot;الدنياquot;!
أما على المستوى مكافحة البطالة، فقد أوجد داء الأسهم وظائف جديدة لشرائح كثيرة من الناس وتم توظيفهم تحت مسمى quot;محللquot; الأمر الذي جعل أحدهم يقول بأن هناك محلل لكل مواطن، وهذا المحلل قد يترّقى إلى quot;مدير محفظةquot;، وقد طغت هذه الفطريات الثرثارة في البلاد وأكثروا فيها الفساد، حتى قيل أبحث عن محلل وإحصل على الثاني مجاناً..
كفانا الله وأياكم شر السهام واللئام والمحللين الذين يسطون على أموال المساهمين الأيتام!!!
[email protected]