لم ينجح الرئيس الايراني أحمدي نجاد بشي منذ ان قبّل يد زعيمه الديني خامنئي قبل تسلمه المنصب ، بقدر نجاحه امس برسالته الفلسفية الى الرئيس الامريكي جورج بوش.
نجاحه محظ دور حقيقي لرجل دين لايمتلك مواصفات السياسي المعاصر، ونجاحه ايضاً بالاستعانة بالمثيولوجيا التاريخية ببراعة مطلع لاتمت بصلة لحضارة سياسية معاصرة تتطلب الاعتراف بالحريات العامة.
براعته تكمن في اللعب على المتناقضات التاريخية وعكسها على الحياة القائمة والتي غالبا مايلجأ له (الريزخون) وقراء المجالس ، حيث اسقطتها العلوم الجامعية والمحاضرات التي تتطلب الاخذ والرد، لاأن يكتفي (الريزخون) بسرد التاريخ والانتشاء ببكاء الرعية.
هذا الرئيس الذي وصف نفسه في رسالته بالمعلم قرأ التاريخ بعناية فائقة مثلما أراد له أئمته من دون ان يعي متغيرات الجغرافيا .
كتب ثمانية عشرة صفحة باللغة الانكليزية ونقلت وكالات الانباء أمس نصها غير الرسمي يناقش فيها القيم الدينية والعلاقات الدولية كما لو أن ثمة حكيم يكتب لقيصر في زمن أفل منذ قرون.
والقراءة المبسطة لهذه الرسالة التي كشفت الجانب الاخر للشاب أحمدي نجاد غير تلك الصورة التي نشرت له مع تقلده منصب رئاسة دولة تتربع على حضارة موغلة في القدم صادرها الملالي بالفتاوى الغامضة،وهويحيط بمختطف من السفارة الامريكية بطهران .
فهو هنا ليس الرئيس الذي يعي دوره الرسمي ، بل الفيلسوف الحالم بزمن المعجزات الآلهية القادمة اليه بعد دقائق!
نجاد الذي يلتزم بفتوى تحريم ربطة العنق ويحظر ارتدائها ، يطلق حشدأ من الاسئلة المكررة وينسبها لطلابه ، ويمارس دور الحائر أمامهم! من دون ان يسمح على الاقل باعلان آلاف الاسئلة المكتومة في صدور الايرانيين منذ أن استولى الملالي على حريتهم.
يستعين بجرأة نادرة بفضائل السيد المسيح ويستند عليها في شكواه ، من دون أن يبلغنا لماذا دولته على اقل اعتبار تصادر حرية المسيحيين الايرانيين؟
يرتكز على حقوق الانسان في مطالبته بدعوى انموذج الليبرالية والحضارة ، فيما تقبع المراة الايرانية في اقصى درجات الخذلال والتهميش ، فلا يحق لها ان تمشي في الشارع من دون ولي امرها.
لاشك أن هذه الرسالة التي شغلت وكالات الانباء على مدى يومين درس في الحِكم المزاوجة بين التاريخ والفلسفة لكنها وفق التقويم المفرط بالتفاؤل لاتمت بصلة للعالم المعاصر.فبقدر مايثبت نجاد أنه قاريء جيد للتاريخ الذي يسعى لتسيير ايران عليه ، يؤكد ماذا يعني أن يكون رجل الدين رئيساً للبلاد ، فخ عميق مسكون بالخرافة يحّول مؤسسات الدولة الى مايشبه زوايا المتصوفة وتكايا المساجد... النموذج الايراني الذي يجسده الرئيس الجديد مدعاة للقلق عندما يسعى أخرون الى نقله الى العراق ومصادرة حضارته ، لنجد أشباه نجاد متوزعين في بلاد النهرين.

[email protected]