الاعلام العربي يشبه، إلى حد كبير، البيت الذي عاش فيه الكاتب المسرحي الإيرلندي العبقري quot;صموئيل بيكيتquot; : محاط بمقبرة وسجن ومستشفى مجانين. بيكيت، العبقري quot;الخجول والمتواضع quot;، استطاع أن يقطف شمس الحرية ويضعها في سلته عبر حفنة من كلمات قاومت النازية في باريس، لينال فيما بعد جائزة نوبل للأدب.
كما اسطتاع أن يمارس الحب مع زوجته، رغم الرعب الكارثي المحيط بمنزله .
الاعلام العربي، بفضائياته وصحفه، الرسمي منها والخاص( إذا كانت فعلا هناك أشياء خاصة في العالم العربي)، تحيط به الثلاثية الكارثة quot;الموت والسجن والجنونquot;، التي ستتناكح في موسم زواج ndash; لا لتنتج الحب ndash; ولكن لتنجب إعلاميا مصابا بعاهة مستدامة.
تفتقت عبقرية هذا الاعلام النكاحي، في زمن العولمة وانتاج الحريات وغزوات الفضاء، فأنتج أفضل صورة يعبر عنها quot;البحث عن شفاه المذيعات وصدورهنquot; quot; والبحث عن المذيعين المخنثين quot; على حساب العقل والمعرفة والجرأة والقدرة على فهم معنى quot;حرية الصحافة والصحفيين quot;.
إلا أن المقبرة التي تحيط بالإعلام العربي، انتقلت إليه وأصبحت في أعماق قلبه، ليتحول المشرف هذا الاعلام إلى حفّار قبور بدرجة شرف ومهارة واسعة يتقن فيها فن تكفين الاعلاميين ووضعهم في حفر عميقة لا عودة منها.
مقبرة. لأن الاعلام العربي يخصي اعلامييه، كل يوم؛ ثم يصلبهم، ويدفنهم في قبر جماعي عبر حشرهم جميعا في الظلمة، والابقاء على عدد من العاملين المقربين في دائرة الضوء . إياك ايها الاعلامي العربي أن تظهر لرئيسك في العمل أنك مبدع، أو لديك أفكار تحديثية للعمل، لأنه سيلقي بك إلى أقرب سلة مهملات أو أقرب قبر.
سجن. لأن لوحة مفاتيح الكمبيوتر في البلدان العربية استبدلت بلوحة مفاتيح جديدة (صناعة وطنية! )، حروفها تعليمات، يقولون أنها مهنية، ولكنها عسكرية، وكأنك جندي في فيتنام عليك أن تطيع الأوامر ولست صحفيا يمكن له أن يجادل.
إياك أيها الاعلامي أن تغضب فلانا أو فلانا أو فلانة ! إياك أن تكتب عن الرقيب أو الزعيم، عن هذا الداعية أو تلك الراقصة. إياك أن تكتب عن الإخوان أو الشيوعيين أو الليبراليين، لأن الموت سيواجهك إما بفتوى إخوانية لداعية ما، أو فتوى شيوعية مزعومة للداعية كارل ماركس، أو فتوى ليبرالية للداعية جورج بوش.
مستشفى مجانين. نعم.. يشعر المشاهد أحيانا كثيرة وهو يشاهد محطة إخبارية ما أنه يشاهد quot;عصفوريةquot; يتحرك فيها المذيعون بحركات بهلوانية جنونية مقلدين quot;مثقفي الشكquot; الذين يثيرون الأسئلة دائما. سؤال المذيع في عالم والحدث السياسي في عالم آخر.
إن المشرفين على هذا الاعلام يبدون عقلاء، ولكن هم في الحقيقة مجانين تتحكم quot;الشوفينيةquot; بأدمغتهم لصالح أبناء أوطانهم، مهما كانوا جهلاء و quot;صبيةquot;، على حساب أبناء البلدان الأخرى، مهما كانوا متطورين ومبدعين.
- آخر تحديث :













التعليقات