الجزء الأول: النص المقدس

لعل ظاهرة النصوص المقدسة وما تحتويه من دلائل تشير الى تلك الخصائص التي اختصت بها الديانات بشكل عام و الديانة الايزيدية بشكل خاص، تعبر عن المكنونات الأساسية لتلك الديانات، فالنص المقدس دائماً يعبر عن القيمة والقدرة الحقيقية للتواصل بين الله وبين البشر التي يجسدها أي دين، فلكلِّ ديانة رؤيتان، رؤية مطلقة سماوية، ورؤية بشرية، والنصوص المقدسة تعبر عن تلك الرؤى، كما أن النص المقدس يعكس الأثر الروحي الذي يتركه في روح الإنسان، والغاية التي يريد تحقيقها في سلوك الإنسان، من خلال الإيحاءات الرمزية والفكرية والتأملية التي يحتويها، وأن لكل ديانة خصوصيتها في الاعتقاد وطريقة العبادة، وإذا كانت الديانة تعني العبودية لله من خلال المشاعر الإنسانية والعقل والوجدان والإرادة فأن الأيزيدية ديانة تؤمن بهذه العبودية المطلقة، ولذلك يتعين علينا ليس فقط فهم النص وتحليله بالرغم من بساطته ووضوح معانيه لأن الغاية أن يصار أيصاله الى جميع من يتوجه النص اليهم، و يتعين أن ندرك التوازن التاريخي بين الزمن المفترض إن يكون وقيمة النص، سواء كان قديماً أو حديثاً، فالمهم هو الزمن الذي تم فيه وضع النصوص، أو التي نعتقد أنها أنزلت على الإنسان للالتزام بها كفرض من فروض ذلك الدين وفقاً لتلك النصوص المقدسة، بغية وضع تصور للزمن الذي تعيشه الذهنية المتلقية، واستخلاص الوضوح الفلسفي من تلك النصوص أيضاً، وتدقيق توافقها مع المنطق والمقبول ضمن المتحولات الزمنية التي يحكمها النص المقدس لدى الأيزيدية الذي يحكم حالات منها على سبيل المثال :
1-الاعتقاد بالوحدانية في الخلق وأن الله واحد ليس له ولد.
2-أن العلاقة بين الإله الكبير و الإلهة الأعوان (الملائكة) من جهة وبين الإنسان مباشرة دون وسيط.
3-أن لاعلاقة تناقضيه في قضايا الطبيعة والمنطق والحياة.
4-أن هناك قدسية أزلية تكمن في المكان المقدس (لالش النوراني)
5-أن هذه العلاقة يحكمها مبدأ الثواب والعقاب الذي يجسده الحلول والتناسخ.
6-وأن هذه النصوص لاتبيح للأغيار أن يصبحوا من الأيزيديين.
7-وأن هذه النصوص بعيدة عن الغموض والإبهام.
8-وأن المجتمع الأيزيدي يتشكل من طبقات تلزمها ضوابط لايمكن مخالفتها وعليها موجبات والتزامات عليها أن تؤديها.
ولذا يتوجب من خلال تلك الحالات أن ندرس بدقة الزمن الذي جاءت به تلك النصوص والتي أسست لتلك الحالات، لأهمية هذه الدراسة والمعرفة في التوصل الى حقائق دينية وتاريخية مهمة، كما سيسهل علينا أيضاً معرفة مدى التأثير على النفس البشرية من خلال الإلزام الطوعي بالدين والاعتقاد العقلي بصحة تلك الافتراضات، على أن نرفع من أذهاننا عملية الحكم المسبقة، والافتراضات الملتبسة قبل أن نتمعن في مسألة النصوص والضوابط لأن التجرد من الإحكام المسبقة يوفر لنا أرضية للتقليب والتنقيب في مكامن النصوص ومعانيها العميقة وتأثيرها على الإنسان.
وعليه فأن استعمال المنطق والتأويل و ملاحظة منهجهما في تلك الافتراضات سيكون معينا ومساعداً للتوصل إلى حقائق عديدة عن النصوص المقدسة في هذه الديانة، وعلى هذا الأساس عرض ابن خلدون في مقدمته مراحل تطور علم التفسير، ولعل من أهمها مرحلة التفسير بالأثر، لمعرفة المقاصد بالألفاظ واللغة والتحقيق والتمحيص لمعرفة الأثر التاريخي للنص وتفسيره وفقاً لذلك.
مامن شك أن للديانة الأيزيدية كتب مقدسـة، والمعروف عن الأيزيدية أن لديهم كتابان مقدسان هما (الجلوة ومصحف رش)، والأخير يعني بالعربية المصحف الأسود، وتعددت القصص حول مصير هذين الكتابين، رغم أن الثابت من المرويات التأريخية، أنه كانت في لالش بمرقد الشيخ عدي بن مسافر مكتبة تضم مخطوطات وكتب قديمة، وقد تعرضت للتلف والتمزيق والحرق والضياع نتيجة الظروف القاسية التي مرت على الأيزيدية، من جراء الحملات العسكرية الموجهة ضــدهم، وحملات الإبادة والغزو والاستباحة والقــتل والتدمير التي تعرضوا لها، وتعرضت معها مقدساتهم أيضاً، مما أدى إلى فقدانها ومن الجائز أن تكون هذه الكتب جزء من المجموعة الدينية المقدسة لكتب الأيزيدية، ومن الممكن أيضاً أن تتعرض هذه الكتب التي وصلتنا الى إضافات وتحريف عن الكتب الأصلية التي اختفت، مادام لم يحصل عليها الإجماع الديني من المراجع ورجالات الدين الأيزيدية أنفسهم ومن المهتمين بالشأن الأيزيدي أيضاً.
وفي مقالة للكاتـب ب.ش. دلكوفان نشرت في مجلة لالــش بالعدد (17) يؤكد فيها إطلاعه على كتاب الجلوة عام 1999 بواسطة شخص أيزيدي لم يذكر أسمه ولامكان أقامته وهو كتاب مخطوط بقي في حيازة الكاتب مدة نصف ساعة تمكن من نقل محتويات صفحة واحدة تحتوي على نصائح ومواعظ تحث على أعمال الخير و الدعوة الى أعمال البر وتقويم الأخلاق، ومادام الأمر بهذه الصورة فما تبرير إخفاء هذه الوثيقة المقدسة العامة عن الناس من قبل حائزها أذا كان أيزيديا أولا؟ وما مبرر إخفاء أسم حائزها وخشيته من كشف مكان أقامته ثانيا؟ ومن الممكن إن يكون السيد دلكوفان قد أطلع على وثيقة قديمة ولكن سند إن تكون من بين نصوص كتاب الجلوة المقدس ضعيفا والله أعلم.

كما يذكر واقعة أخرى أيدها عدد من الباحثين والكتاب تدلل على مشاهدة السيد ملا خليل مشختي في عام 1927 في صحن معبد لالـش قرابة عشرين كتاب كان البابا جاويش بير جروت قد نشرها أمام حرارة الشمس لتجف من أثر الرطوبة.
ومن حق المرء أن يتساءل أين انتهت حقاً هـذه الكتب؟ وأين انتهت المخطوطات والرسائل المدونة من قـبل شيوخ وعلماء الأيزيدية؟ وأين اختفت مدوناتهم والكتب المكتوبة بلغتهم القديمة؟

على إن تلك النصوص المذكورة في كتابي (مصحف رش) و (الجلوة) لم تعد موجودة في هذا الزمن لظروف متعددة سبق إن تناولها العديد من الكتاب بالتفصيل، وأن جميع ما ذكر من نصوص عن هذين الكتابين لاتعدو الا محاولات للتوصل الى جزء من حقيقة تلك النصوص، حيث أن مسألة النصوص الدينية لا تتعلق بكتابي الجلوة ومصحف رش فقط، وهما بالتأكيد جزء يسير من الأدب الديني الأيزيدي ولكنهما أيضاً لايمثلان جميع النصوص المقدسة لدى الأيزيديـة.
يقول الباحث الدكتور خليل جندي بهذا الخصوص : ((هنالك العشرات من تلك النصوص الدينية والتي كانت محفوظة في صدور رجال الدين ومن ضمنهم القوالين، تم جمعها ونشر العشرات منها، وكان كتابي المشترك مع بير خدر سليمان عام 1979 والذي صدر في بغداد فاتحة نشر جزء من تلك النصوص، وتلتها نشر كتب أخرى تتضمن العديد من النصوص من قبل بدل فقير حجي ، ود. جليلي جليل، ود. اورديخان جليل في كتابهم (زاركوتنا كوردا أي الأدب الشفاهي للأكراد 1971 ايريفان) وعزالدين سليم وبير خدر سليمان، وقام البروفيسور فيليب كراينبروك عام 1995 بترجمة النصوص المنشورة في كتابنا الأول عام 1979 الى اللغة الانكليزية ونشره في كتاب خاص. وأخيراً قمت بنشر وتحليل أكثر من 157 نص ديني في كتابي الموسوم (به رن ز ئه ده بى دينى ئيزديان= صفحات من الأدب الديني الايزيدي) مجلدين وب1122 ألف ومائة اثنان وعشرون صفحة، صدرا عام 2004 / من دار سبيريز-دهوك
قمت بتقسيم النصوص الدينية حسب مضمونها بالشكل التالي:
الفصل الثاني: النصوص المتعلقة بفلسفة الايزيديين حول التكوين والخلق-
الفصل الثالث :النصوص التي تتحدث عن دور ومكانة إبراهيم الخليل-
الفصل الرابع والخامس والسادس الى الثامن تتعلق بالنصوص التي تمدح الأرباب الأولياء مثل الشيخ آدي، الشيخ حسن، الشيخ شمس، الشيخ فخر الدين، الشيخ شرف الدين وغيرهم
الفصل التاسع:النصوص المتعلقة بالنصائح والإرشادات ومسائل سيكولوجية
الفصل العاشر: النصوص المتعلقة بفلسفة الحياة والموت-
الفصل الحادي عشر: الأبيات والقصائد
الفصل الثاني عشر: الأحاديث والنصائح
قصص وأساطير ذات صبغة دينية
الفصل الرابع عشر: الأدعية
الفصل الخامس عشر: نصوص تحمل صبغة دينية وتسمى ب (خزيموك، بايزوك، وروبارين) (من رسالة الباحث الدكتور خليل جندي للكاتب)
رغم إننا لم نطلع على المضمون الحقيقي لتلك الكتب، كما ورد ذكر الأسباب في سياق التنقيب والنبش عن التأريخ القديم للأيزيدية، وهذه المسألة تعيق عملية الكشف والتحليل وتعرقل المنطق والتأويل، إلا إننا سنفترض بقاء تلك النصوص قيد التداول بين رجال الدين الأيزيديين، مع أن افتراض بقاء تلك النصوص متناقلة بين رجال الدين من القوالين الذين يحفظونها في صدورهم، لايعني بأي شكل من الأشكال أنها سليمة ولم تتخللها الإضافات والنسيان والسهو الذي يصيب البشر، غير إننا ولغرض أن نجعل مقاربة بين وضع وشكل تلك النصوص والزمن الذي وجدت فيه كما ذكر آنفاً يمكن ان نجعل لنا أرضية للمناقشة والتحليل والتدقيق، وإبداء وجهات النظر والتي تتقبل كل الاحتمالات حتى يمكن إن نقف عليها، حيث أن نصوصاً دينية وجدت من يقوم بجمعها وتصنيفها تتعلق بالفلسفة والحياة وقضايا الزواج والطلاق والمواريث والموت والحياة والنصائح والإرشادات التي يتم التعامل بها في حياة الأيزيدية بالوقت الحاضر، بالإضافة الى الأدعية التي تم توثيقها والتأكد من صحتها والاعتماد عليها وتداولها ضمن سياقات الحياة في المجتمع الأيزيدي.
من مقالة بعنوان(الملائكة في الديانة الأيزيدية) للكاتب بير خدر سليمان
ترجمة: عرب خدر شنكالى، منشورة في موقع لالش.
http://www.lalishduhok.org/
ورد ضمنها مقاطع دينية مقدسة تدلل ليس فقط على الأيمان بالله وبوحدانيته، وأنما يمكن تكوين صورة للقاريء عن هذه النصوص بما يفيد البحث والتقصي.

ربي هو الغفار
من عنده يصدر الأمر
للدنيا وجهاتها الأربع
***
ربي خلق الدنيا
ووضع لها الأمر والنهي والطريق
اسعد الإنسان فيها
***
ربي نور (سر) في السماء
صاحب الليل والنهار والزمان
من عنده يأتي الكرم
***
ربي هو رب الملائكة
رب الملائكة العظام السبعة
السبع ملائكة الخالدين المُهيبين

***
ربي خلق الدنيا من درة جوهرة
وسلمها بأيدي الملائكة السبعة الخالدين
وجعل تاووس ملك كبيرهم

في الميثولوجيا الإيزدية، يقال بان الله قد خلق من نوره سبع ملائكة، في كل يوم خلق ملاك واحد. مثلما توقد شمعة من شمعة أخرى. والشمعة الأولى قد أشعلت من القنديل وبقية الشموع تم إشعالها الواحدة من الأخرى. أما أيام الأسبوع السبعة فهي أيضا جاءت كوضع الملائكة السبعة، كل يوم هو خاص بملاك أي الملاك الذي خلق في ذلك اليوم. ولكن أي ملاك خُلق في أي يوم؟؟ ذلك لم يكن واضحاً.
والبعض قال نقلا عن الكتابين المقدسين (مصحف رش والجلوة) وذلك في القرن العشرين وللمرة الأولى من قبل بعض المستشرقين ونقل عنهم بعض الكتاب مثل الدملوجي والحسني وعباس العزاوي وهوشنك بروكا وذلك تعبيراً عن نظرهم وما يرونه هم.
ولكن في الطقوس والشعائر الدينية الإيزدية لم يكن ذلك مبيناً بشكل واضح، حيث إن يوم الأربعاء هو يوم طاووس ملك، ويوم الأحد هو لملك شيخ سن ويوم الثلاثاء هو لشيخ شمس.
أما بالنسبة إلى خلق الملائكة، فقد جاء في نصوص القول المقدس وخاصة) قول شيخو بكر) ولكن لم تذكر أسمائهم بل ورد ذكر الملائكة السبعة على التوالي:

ربي كان في البدء الأمير العظيم
صاحب جيش كبير
كان خبيراً بملائكة الله

***
ربي نور (سر) في السماء
قبل وجود اللوح والقلم
يا الله وكأن ذلك الزمن وتلك الساعة هي عندك

***
قبل وجود اللوح والقلم
نريد خليلاً يفسر لنا هذه الحقيقة وأين وكيف هي
كان ملاكاً واحداً وصار ملاكين

***
خضوعاً لأمر الله (الملك الأبدي الأزلي)
نسال عن جواب لهذا السؤال
كانوا ملاكين فأصبحوا ثلاث ملائكة

***
ربي هو الله الجبار
من عنده جاء الأمر
كانوا ثلاث ملائكة فصاروا أربعة

***
ربي هو الله العظيم
الملائكة الأربعة أمسوا خمس ملائكة
والخمسة شفاعة وكل منهم مختلف عن الآخر
***

قلبي سعيد بهذه الحقيقة
الملائكة الخمسة أصبحوا ستة
والستة أصبحوا ملائكة العرش

***
ربي تكلم بأبلغ الكلام
اجتمعوا على محبة الله
الملائكة كانوا ستة وأصبحوا سبعة

***
السبع ملائكة حينما خلقوا
بالصدق كانوا يتدبرون أمورهم
وبالمحبة كانت تسير أمورهم
هؤلاء هم الملائكة الواقفون
إنهم خلقوا من نور الله
طعامهم هو الحمد والشكر لله

***

أسماء الملائكة:
يأتي ذكر أسماء الملائكة في دعاء المساء، الدعاء الذي ينبغي على كل إيزدي أن يؤديه قبيل غروب الشمس يومياً:

يا الله
نسألك بحق عزرائيل، جبرائيل، ميكائيل
دردائيل، شمقائيل، عزازيل، اسرافيل
هؤلاء الملائكة السبعة العظام
وهم قبل ادم بعدة أزمنة
في أيديهم مفاتيح الحل والعقد
واقفون بحضرة الملك الجليل (الله)