القسم الثالث

يقع وادي لالش المقدس ضمن منطقة عين سفني التابعة اداريا لقضاء الشيخان ضمن اقليم كوردستان العراق، ولعل الوصف الجميل الذي أورده كل من صــديق الدملوجي وسعيد الديوه جي عن المعبد المقدس من أصدق ما نقلته الأقلام العربية في وصف طبيعة المكان، وبالنظر لعمل الكاتب المرحوم الديوه جي في دائرة الآثار في الموصل حين كان مكان المعبد المقدس تابعاً لها، فقد أفرد فصلاً في كتابه ( اليزيدية المطبوع في الموصل 1973 ) للمكان المقدس ولقبر الشيخ عدي بن مسافر.
يقع الوادي بين ثلاثة جبال وتتميز القباب الخاصة بالمعبد بشكل مخروطي لايماثله في العراق معبداً او قبراً، وتتضلع القباب المخروطية الى حافات مستقيمة تنخرط من الاعلى الى الأسفل ضمن دائرة تستند على قاعدة تمثل الارض، تستقبل جميعها أشعة الشمس، لذا يطلق الايزيدية على المكان المقدس ( مه ركه ) والكلمة تعني موطن الشمس، ولهذا المعنى علاقة قدسية تدخل في المعتقد الأيزيدي الذي يعظم الشمس ويعتبرها آية من آيات الله، بالأضافة الى دخول الشمس في الكثير من المعتقدات والموروث الأيزيدي، وقيل أن المعبد كان ديراً للنصارى تم تأسيسه في فجر النصرانية وأن الراهب ( يوحنا ويشو عسبران ) من أسسه وأقام فيه، ونفى السيد الدملوجي هذا الرأي في الصفحة 205 من كتابه اليزيدية المطبوع بالموصل 1949 حيث يذكر ( ان المعبد لم يكن ديراً قبل ان حل فيه الشيخ عدي بن مسافر وأتخذه مقاماً له كشأن كثير من المعابد التي رددت في زواياها ترانيم الوثنيين ) ، بينما يؤكد الباحث المرحوم سعيد الديوه جي في كتابه ( اليزيدية بالصفحة 206 ) ان المعبد انشأه الشيخ عدي بن مسافر عندما اتخذ لالش مقرا له، ثم يعقب في الصفحة 208 بان المعبد كان مصلى للمسلمين، ولسنا في موضع تفنيد او مناقشة الأراء التي تختلف مع الأيزيدية، غير أن هذا المكان كان ولم يزل مكاناً مقدساً لدى الأيزيدية ومما زاده أهمية وتبجيلاً أن يكون قبر الشيخ عدي بن مسافر فيه، بالأضافة الى الأعتقاد الذي يقول أن لالش هي مركز الأرض، كما أن الأيزيدية ومنذ غابر الأزمان قدمت الضحايا والقرابين من أجل أن لايتم تدنيس المكان أو نزعه منهم تحت أية ذريعة ووسيلة، ولو كان المكان ليس لهم لما بقوا مستمرين على تقديم التضحيات الجسام، ولما قام أساس دينهم على المكان المقدس الذي لم يزلوا يزورونه ويتبركون به.
وأديره المسيحيين تتشابه في طرازها العمراني، وأذ تختلف في بنائها عن شكل المكان من الداخل والخارج، وكما تخنلف في وجود الصوامع وغرفة المصلى وقاعة الصلوات، بالأضافة الى وجود عدد من الكنائس والأديرة في المنطقة لم تزل على قدمها وحالها، لم تتغير وهي لاتتشابه قطعاً مع بناء المعبد المقدس ولم يتعرض لها احد ، كما أن بناء دير أو كنيسة من قبل أحد الرهبان لايعني أنه امتلكها وأختص بها، فمن غير المعقول أن لايكون معه أو من بعده عدد من الرهبان والقساوسة يقومون بواجباتهم الدينية من بعده، ولم يذكر أحد أن هناك في هذا المعبد قساوسة ورهبان من أهل الديانة المسيحية، بالأضافة الى عدم وجود أية علامة دالة على تلك الهوية كالأجراص والصلبان والكتابات اللاتينية المنقوشة على الجدران والصور الرمزية التي تصور ولادة السيد المسيح او عذاباته في الصلب ومسيرة الالام. كما أن الكنيسة المسيحية تقوم بتسجيل هذه الأديرة والكنائس وتختص بأرسال القساوسة والرهبان اليها وتستمر في رعايتها وأدارة شؤونها، بالأضافة الى لزوم وجود المسيحيين في المنطقة التي يقع فيها المعبد او الدير، في حين أن المنطقة التي تحيط بالمعبد لايقيم فيها سوى الأيزيدية.
أن القصص التي قيلت من كون المعبد المقدس كان ديراً للمسيحيين يعوزه المنطق ويفتقر للدليل المقبول.
أما كون المكان المقدس معبداً ومصلى تابع للمسلمين فأنه ايضاً تصور قد يفتقد للعديد من الأسباب التي تجعله مقبولاً، فطراز المكان المقدس يختلف عن طراز كل الأمكنة الأسلامية، بالأضافة الى كون المكان يخلو من معالم الجوامع وقبابها المحنية والبيضوية، والكتابات والنقوش الأسلامية، وكما يفتقر المكان لوجود محلات او مكان يتشابه مع الأمكنة التي يصلي بها المسلمين بأتجاه قبلتهم، كما ان المكان يتخلله العديد من الغرف المظلمة والكهوف والمخازن التي تختص بالزيت والشمع المستعمل لأضاءة المكان ، ومن المفيد ان نذكر ان مكان قبر الشيخ عدي بن مسافر المدفون في لالش مدفون على عكس الوضع الذي يقوم به المسلمين بدفن موتاهم مما يؤكد أن المكان لم يكن أسلامياً.
كما من غير المعقول ان تبقى النقوش الأيزيدية على جدران معبد اسلامي، بالرغم من ظهور كتابات نقشت حديثاً بعد ان تم طرد الأيزيدية منه بالقوة لتحويله الى مكان لعبادة المسلمين، حيث لم تكن تلك الكتابات العربية موجودة على جدران المعبد في العام 1849 م حسب ما صورته ( السيدة بادجر المستشرقة التي زارت معبد لالش ) ، حيث نلاحظ النقوش الحجرية والكتابات الموجودة على الجهة الغربية من الجدار الخارجي للمعبد المقدس والتي تثبت بما لايقبل الشك انها كتابات أيزيدية لا تتشابه مع الكتابات الفارسية أو اللاتينية والعبرية والعربية أيضاً.
ثم ان المعابد التي انشأت في المنطقة لم تكن تخص المسلمين والمسيحيين وحدهم، فقد انشأت مكانات لعبادة المثرائيين والمانويين والزرادشتيين، ويقول الباحث الاثاري عبد الرقيب يوسف الذي عمل مع المرحوم الديوه جي : (( أن أحد غرف المعبد المنقورة في الجبل هي التي تضم أصل المعبد، والتي ذكرها كل من الديوه جي والدملوجي والحسني على أساس انها غرفة مخزن الزيت ، الا أن كل من الديوه جي والحسني ndash; والكلام لعبد الرقيب يوسف ndash; لم يستطيعا أن يدركا معاني الأشكال والرموز التي شوهدت من قبلهم منحوتة على الجدار الغربي للمرقد، والمعبد الأصلي يتألف من منبر على شكل دكة منحوتة في الصخر وفوقها عرش ميثرا وحلقته، وهناك الى جانب المنبر المحراب المنقور في الصخر أيضاً، وأتجاهه يقع الى ناحية الجنوب بعكس أتجاه المحاريب في المساجد )) ، ( مقالة للسيد عبد الرقيب يوسف نشرت في الصفحة 92-109 في مجلة لالش العدد 21/2004 ).
ولو تم تكليف بعض الآثاريين والمهتمين بالتاريخ لمعرفة قدم الصخور والحجارة التي بنيت بها جدران المعبد، ولو قدر لهم التعرف على الرسوم والرموز المنقوشة على باطن صخور المعبد والتنقيب ، ولو تمكن بعض المهتمين بالدراسات التأريخية في التنقيب والنبش لأظهار الحقائق التي طمرها التراب وأخفتها الظروف التي مرت على المنطقة، فستظهر بالتأكيد حلقات عديدة لم تزل لحد اليوم مطمورة بأنتظار من يجلو عنها ترابها .
ويذكر السيد يوسف انه زار موضع ( الجلخانة ) وهو موضع متكون من خمسة غرف تسبح في ظلام دامس، وهذا الموضع قديم جداً ولربما يعود الى زمن سابق على ظهور الشيخ عدي بن مسافر، كما أن قطع من الصخور المنتشرة في المكان المقدس والمتدحرجة من الجبل لم تزل تحمل في جوانبها رسوماً للشمس وبعض الأشارات الدينية والرموز القديمة، وكل هذا يؤكد أن المعبد لم يكن أسلامياً بالنظر لتعارضهما ذكر مع طراز وشكل الجوامع وأماكن العبادة الخاصة بالمسلمين، ويرى الباحث الاثاري السيد يوسف أن المعبد القديم الذي يتحدث عنه كان موجوداً في القرن الأول قبل الميلاد.
أن نقوشاً تمثل الشمس وبعض الرمزيات يمكن تحليلها ودراسة تأريخها، ولانعتقد ان المسيحيين والمسلمين كان يعتمد النقش على الصخور في كتابة التعاليم الدينية أو الأشارة الى مسألة تخص الديانة، بأستثناء الديانات القديمة .
أن اكتشاف هذه المعابد القديمة في المنطقة دليل على عدم تمكن المهربين والمعادين للديانة الأيزيدية من تشويه معالمها أو اخفاؤها بشكل نهائي، مما يجعل دعوة المنظمات الدولية في الأمم المتحدة وحرصاً على التراث الأنساني، ان تتوجه بالعناية لمثل تلك الأماكن لأعادة استكشاف ما موجود تحت صخورها وفي أروقة معابدها وفي ثنايا صخورها ومنحوتاتها، وأن تبذل من الجهود والأهتمام بها أسوة بكل مناطق الآثار في العالم التي تحظى بأهتمام منظمات اليونسكو وغيرها من المنظمات ، وأن لم تكن من أجل ديانة خصت الأنسانية ويؤمن بها الملايين من البشر، فمن أجل اظهار الحقاتق التأريخية ووضع النقاط على الحروف في كتابة التأريخ الأنساني.
وبالرغم من الزيارة التي قام بها الاثاري ( لايارد ) الذي صاحب ( السيدة بادجر ) في العام 1844 م ومشاهدتهما لتلك الاثار والنقوش الا انهما أسوة بالأيزيدية في ذلك الزمن لم يفهموا من معانيها شيئا، وبقيت تلك الصخور مبثوثة ومطمورة في الوادي، مما يوجب اليوم أن يكون المؤتمر المختص بالدراسات عن الأيزيدية قريب من المكان المقدس بمصاحبة المختصين والمعنيين بشؤون الديانة والتأريخ الأيزيدي لتحليل تلك الرموز والنقوش وكشف حقائقها المهمة للأنسانية.
وأذ تتشبث الأيزيدية بتوحيدها الله الا يدل هذا انها تقف في الصف المعارض للشرك وانكار الربوبية والخلق ؟ ثم الا يعني هذا أنها من الديانات التي تعتمد على العقل والمنطق لأنها عرفت طريقه وتلمست أسلوب معرفتها للحياة من خلال مقدساتها وطقوسها التي لم تشذ فيها ولم تسلك الغريب والعجيب ؟ لذا فمن الواجب التقرب منها ومعرفة حقيقتها والسعي لنزع تلك الأحقاد التي زرعها أشخاص ابتلوا بأمراض الكراهية دون الفهم، وتلبدت مشاعرهم بالكراهية دون معرفة، وأضحت ضمائرهم ممسوحة واجتاحتهم مشاعر الحقد دون علم أو سبب، ولذا يتوجب على بقية المهتمين ببقية الديانات من العلماء وكبار رجال الدين من كل الأديان السعي والعمل من اجل أشاعة روح التسامي والمحبة بين كل تلك الأديان وشمول الأيزيدية بهذه المساحة الأنسانية فهم أخوة الأنسانية.
وأذا كانت الأيزيدية تتمسك بالألتزام بمبدأ الحلول والتناسخ، فأنها بذلك تلغي كل الأتهامات التي تريد ربطها بالسعي لأقامة الدولة الأموية الأسلامية، لأن الأسلام ككيان لايؤمن بمسألة الحلول والتناسخ قد ورد في القرآن الكريم في سورة الأسراء (( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم الا قليلا. )) كما ورد في سورة الفجر (( ياأيتها النفس المطمئنة أرجعي الى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي )).
أن فكرة الحلول والتناسخ تعتمد على الأمور الروحية وفلسفة الموت والحياة ، وسبق أن التزمت بها بعض الديانات القديمة التي لم تكن تؤمن بنهاية الحياة ودورتها الجديدة،وأنما تقمص الروح لجسد أخر وأعادة الدورة في بقاء الروح التي حلت بجسد آخر ، وأن الأسلام أسهب في تفصيل القضايا الروحية الا انه لم يكن من المؤمنين بعقيدة الحلول والتناسخ التي أخذت بها الأيزيدية وإنما جعل الروح من أمر الله، وهذا الأمر يجعل الأحتمال الذي يقول أن الأيزيدية خرجت من عباءة الأسلام غير مؤكد وبعيد عن الواقع.
والإنسان كما نعرف حريص على ما منع، ولهذا فأنه يخوض غمار كل مجهول ويسلك القفار ويتجشم الصعاب في بغيته، فقد تطلع الإنسان منذ أقدم العصور ليتعرف على مكامن أسرار الحياة و ليعرف تفاصيل كينونة روح آدم عليه السلام التي انحدر هو منها وكذا روح السيد المسيح الذي لم يأت من زواج وأتصال بين رجل وأمراءة، وكانت قضية الموت والحياة وعودة الروح والتناسخ والتقمص من الأمور التي عالجتها الديانات القديمة والحديثة بشيء من الأهتمام والعمق ، بالنظر لكونهاتدخل في تفصيل الحياة اليومية للأنسان وما بقيت تشغله كل هذا الزمان دون ان يحل لغزها ويفكك أسرارها، ولكونها من الأمور التي تقلبها العقول والأفئدة في كل الأديان، ولما يشوبها من غموض وأسرار لاقدرة للأنسان العادي على تفكيكها والوصول الى حقيقتها المطلقة ، ولذا فأن الفلسفة الدينية أتخذت مسارات متعددة بين من تجد منها ان الروح من عند الله يمنحها للأنسان وتعود اليه ثم تنتهي لتبدأ دورة الحساب الذي ينتهي بالحساب الأكبر يوم الحشر، وبين من يرى أن الحساب مؤجل وأن النهاية مؤجلة، وبين من يجد أن الاجساد هي التي تبلى وتنتهي بينما تبقى الأرواح هائمة حتى تحل الأرادة الربانية بحلولها في جسد آخر تبعاً لأعمالها السابقة في الحياة الدنيا، وبهذا الشكل تستعيد الحياة دورتها حتى تقوم الساعة .
ويرى البيروني أن الصوفية أخذوا من فكرة التناسخ حين قالوا : quot;الدنيا نفس نائمة ونفس يقظة.quot;( البيروني - المذاهب الصوفية، ص 32 -) يرى المعارضون أن هذه الحجج غير كافية وليس التناسخ يشبه الفناء لأن التناسخ معناه حلول الأرواح من جسد لآخر أما الفناء فيعني نهاية الجسد ورجوع الروح الى مستقرها.
ومن البديهي ان لايتعرف الناس على الموروث الشعبي لدى الأيزيدية، أذ يرتبط ذلك الأمر بحالتهم القلقة وظروفهم العسيرة والمحنة التي مروا بها، ولذا بقي الفولكلور الأيزيدي متحدداً وغير منتشر، مع أن لكل أمة قيم وأعراف وتقاليد، ولكل مجتمع قصائدة وامثاله وقصصه الشعبية التي تصور مآسية وافراحه وتجسد شجاعة أبناءه أو مواقفهم المتميزة وتطرح ادبه واشعاره ومن الجدير بالذكر أن كل ماذكر كان يتم التداول به بين أوساط الأيزيدية أنفسهم لم يتم نشره الا بشكل قليل ( أشير الى كتاب تقاليد القرية الايزيدية الذي كتبه خدر بير سليمان وترجمه عيدو بابا شيخ والمطبوع في لبنان 1998) كما أشير الى كتابات خيري شنكالي بهذا الخصوص .
أن للموسيقى ضمن الميثولوجيا الأيزيدية تأثيراً فعالاً بأعتبارها تمثل مصاحبة وجدانية في العديد من الطقوس والشعائر الدينية ، كطقوس الموت والفرح و الطقوس المتعلقة بالمطر والدعاء و الأحزان.
والمتعن ملياً في تأريخ العراق القديم وعلاقة المجتمعات القديمة بالموسيقى دينيا يدرك القواسم المشتركة بين الموسيقى والديانة الأيزيدية.
وبالرغم من الأرث الحضاري والأنساني والكبير في الجانب الأنثروبولوجي والفلكلوري الأيزيدي، فقد بقي على حاله لم يستطع الكثير من الباحثين والكتاب أن يكتشفوا العلاقة الأزلية بين قدم هذه الأعراف والتقاليد والطقوس وبين هذه الديانة، كما لم يجرأ اي كاتب آخر أن يوغل في الدخول الى أعماق الأيزيدية ومجاهلها لعدم وجود الفرصة التي تسنح له بالدخول اولا، ولعدم وجود ما يسهل عملية الدخول ثانياً، وبالنظر لكثرة المداخل التي تخص الحياة الأيزيدية وشؤونها وشجونها ما شغل الكتاب الأيزيديين الذين انشغلوا في قضية نشر حقائق ديانتهم والدفاع عن الأتهامات التي لحقت بها ردحاً طويلاً من الزمن، مما ابعدهم عن معالجة هذا الجانب ثالثاً.
وليس اعتباطاً المحاولات التي طرحتها اغلب الديانات في المنطقة والتي تريد جر الأيزيدية تحت عبائتها، فقد اشار العديد من الكتاب المسيحيين زاعمين أن الأيزيدية ما هي الا جزء من العقيدة المسيحيية، وأن الأيزيديين مسيحيين ظلوا الطريق وسيعودون قريباً، كما تم طرح العديد من المزاعم التي تحاول الأشارة الى كون الأيزيدية جزء من الأمة الآشورية وماهي الا محاولة لضم هذه الديانة تحت عباءة ديانة أخرى مهما كانت التبريرات والمزاعم، مثلما أشار بعض من كتب عنهم كونهم ينتمون الى الديانة المندائية.
كما كتب العديد من المسلمين حول انحراف الأيزيدية عن الأسلام، بأعتبارهم فرقة أسلامية أموية، وان هذه الفرقة أخذت على عاتقها الدفاع والنضال عن بني أمية، وتعمنل في سبيل استعادتهم للسلطة، وأن الأيزيدية ماهم الا عرب اظلوا الطريق مما يوجب اعادتهم للحضيرة الأسلامية ولو عن طريق القوة والجبر وهو ما جر عليهم المآسي والأهوال .
كما زعمت الزرادشتية ان الأيزيدية فرقة منهم تستمد كل طقوسها واساسها الديني منها، ومع تزامن الأيزيدية مع الديانة الزرادشتية وصمود الأولى مع الأجتياح والمد الذي لقيته الزرادشتية في المنطقة، الا أن هذا الأمر يدل ببساطة كون الأيزيدية كانت موجودة في الزمن الزرادشتي، ولسنا بصدد الجهات التي زعمت أن الأيزيدية منها، وهي مزاعم تؤيد الوجود الحقيقي والعمق الفاعل للديانة الأيزيدية وهو الذي حدى بهذه الأديان لمحاولة ايهام الآخرين بأن الأيزيدية منها، ودليلاً على قدم وعمق هذه الديانة، لأن الديانات الهامشية والطرق الدينية والفرق الطارئة التي لاتستند على اساس متين لايقم احد بأن يتشرف بضمها اليه مالم تكن لها دلالتها وأسسها وأسبابها الذي يدعو لهذا الامر، مما يوجب أن يتم النبش في أسس الأختلاف بين هذه الديانات وبين الأيزيدية التي لم تزل تتمسك ليس بقدمها فحسب بل بطقوسها وموروثها الذي يمثل القدم الغارق في العمق في المنطقة لحد اليوم حيث لم يزل اهالي المنطقة وما يجاورها يستعملون الطين ومسحوق الأحجار الكلسية في بناء بيوتهم وقباب مزاراتهم وقبورهم منها أسوة بما درج عليه أسلافهم من السكان القدماء ، غير أن ما يلفت النظر حقاً وجود الفتحات المثلثة التي تشير الى أتجاه مشرق الشمس في القبور في تلك القبور القديمة وتلك التي يتم تشييدها حديثاً لدى الأيزيدية، مما يمكن الأعتقاد والدليل على أستمرار تلك الظاهرة العقائدية منذ فجر التاريخ تزامناً مع قدم الديانة الأيزيدية التي نمت في لالش وستنتهي مع نهاية الكون في لالش ايضاً كما تقول نصوصهم وديانتهم، ولايمكن أن تكون متشكلة في منطقة أخرى .
وبهذا فأن المطلع على أحوال شعوب المنطقة يجد أن الأيزيديين لايمكن أن تكون جذورهم فارسية بالرغم من ظهور الديانة الزرادشتية التي انتشرت في بلاد فارس منذ العام 520 ق. م وحتى العام 642 ق. م والتي ربما تأثرت أو أثرت في الديانة الأيزيدية، ولم يذكر التاريخ أنسلاخ موجات بشرية أو انفصالها أو أي ترابط آخر مع المجتمعات الأخرى ، ولهذا فأن الكورد يعتزون بأنتساب الأيزيدية الى قوميتهم مثلما يتفاخر الأيزيدية بذلك، ولم يثبت لحد اليوم أنتساب عشيرة عربية واحدة بين العشائر الكوردية التي تدين بالأيزيدية.
وأن العديد من علماء التأريخ والأنثربو لوجيا والآثار من يعتبر السومريين شعباً قدم من شمال بلاد الرافدين ( كوردستان الجنوبية ) حاملين معهم ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم التي نشروها في المنطقة، كما أن العديد من الفخار الذي يتشابه في المنطقتين بالأضافة الى نقوش ورسوم تدل على أشجار لاتكون الا في مناطق كوردستان.
يتقرب الأيزيديون إلى الله مباشرة دون وسيط، وهم يعتقدون بأن الله موجود في كل شيء وأن الله عز و جلّ هو الخير ولا يمكن أن يخلق غير الخير ويمنح الرحمة لمن يشاء لأن الله هو الأساس والمخلوقات أجزاء من هذه الروح العليا، وأن الجزء تابع للكل، ولذلك فان تقديسهم للظواهر الكونية كالشمس والنور والقمر مبني على فكرة كون هذه الظواهر جزء من الذات والقدرة الإلهية التي يعجز عنها الشّر، وهي فكرة ذات إعتبار ومحل تقدير، فأذا كانت هذه الفكرة تتطابق مع جميع الديانات الموجودة في المنطقة فأين يكمن التقاطع وأين تكمن الأختلافات ؟؟
وأذا كانت الديانة الأيزيدية من الديانات غير التبشيرية فما هو السبب الحقيقي لهذا الغلق وجعل الأيزيدي داخل دائرة صارمة ومغلقة، واذا كنا نتفق أن الديانات جميعها جاءت لهداية الناس وتبصيرهم بالخالق والدعوة لألتزامهم بأوامر الخالق الكبير، فما هو دور غير الأيزيدية في هذا المجال، وليت الأمر يتوقف عن هذا الحد، بل أن الأمر يتحدد نفسه بين الأيزيدية أنفسهم حيث يتم تقسيمهم الى طبقات وأبناء هذه الطبقات لايمكن لهم الزواج من طبقة غير طبقتهم الدينية، وكذلك عدم زواج الأيزيدي من عائلة شيخه أو بيره أو مربيه، ومن تزوج من خارج ديانته رجلاً كان أم امراءة، يخرج من الديانة الأيزيدية ولاعودة له فيها، ( نلاحظ الأختلاف بينهم وبين المسلمين الذين سمحوا للرجل المسلم أن يتزوج من المرأة الكتابية بينما حرم على المرأة المسلمة أن تتزوج حتى الرجل الكتابي )، وبالرغم من تغير الزمان وأنتشار الأيزيدية مهاجرين في أصقاع الأرض وعدم توفر مثل تلك الالتزامات الصارمة في دول المهجر، لم تزل الأيزيدية رجالاً ونساءاً تعاني معاناة أنسانية كبيرة من هذا الجانب، مما يوجب النبش والبحث في أساس كل تلك الأمور ومعرفة الأسس والغايات التي قامت عليها ومعالجتها معالجة انسانية بما لايخل بأسس الديانة ونصوصها المقدسة.
ولكون الأيزيدية تتشكل من مجموعة من العشائر الكوردية فأنها سكنت مناطق كوردستان ليس في العراق فحسب بل في كل الأجزاء المتبقية، غير أن مايلفت النظر تكون هذه الديانات الموغلة في القدم في مناطق الاكراد، فقد انتشرت الزرادشتية وقبلها الأيزيدية، وانتشرت المذاهب الأسلامية والطرق كالكاكائية وأهل الحق في مناطق الكورد دون سواها، ولكون الأمر يحتاج الى شيء من التدقيق والتوغل في الأسباب الكامنة وراء تلك الخصوصية لأن الأحاطة بموضوعة الاديان مسألة غاية في التشابك وأن الوصول الى غاية الدين أمر ليس بالسهل ويتصل بالمعاني الفلسفية والروحية للأنسان، بالنظر للتحولات العقائدية في تحول الأنسان من الأعتقاد بألوهية الطواطم والرمزية الى الأسس الروحية والأعتقاد العقلي في الخلق والتكوين، وأذا كان الأمر يتعلق بالتكوين الشخصي للأنسان الكوردي بأعتبار أن أول النشوء الأنساني كان في مناطق سكن الكورد فقد تنامى الوضع الأنساني لهذا المجتمع تدريجيا مع تطور الحياة الأنسانية وتطور العقائد معها.
وأذا كانت تلول حرمل وتلول شمشارا في كوردستان تشير الى التواجد الأنساني قبل عشرة الاف سنة قبل الميلاد، فأن تلول المغزلية الواقعة على سفوح جبل سنجار تم اكتشاف جماجم بشرية كانت تسكن المنطقة قبل 7500 قبل الميلاد، مع وجود نقوش وأحجار، ولم يسكن هذه التلول حتى اليوم سوى الأيزيدية.
كما أن التشابه بين أسم الأيزيدية وبين كلمة ( يزدان ) حيث تنسب الى منطقة يزد في أيران وهي من مناطق الزرادشتية بل وهي مركز للديانة المذكورة ، وبين معناها حيث يقول الباحث أمبسن أنها تعني الروح الطيبة، وبين ( ئيزي ) والتي تعني أنها أسم من أسماء الله خالق الكون والبشر.
ومن الجدير بالذكر كون المنطقة تتميز بالعديد من الديانات والمذاهب، غير أن الأيزيدية تشكل الديانة الثالثة في العراق بعد الديانتين الأسلامية والمسيحية، والثانية في أقليم كوردستان العراق.


النبش والتنقيب في التأريخ الأيزيدي القديم
القسم الثالث

زهير كاظم عبود

يقع وادي لالش المقدس ضمن منطقة عين سفني التابعة اداريا لقضاء الشيخان ضمن اقليم كوردستان العراق، ولعل الوصف الجميل الذي أورده كل من صــديق الدملوجي وسعيد الديوه جي عن المعبد المقدس من أصدق ما نقلته الأقلام العربية في وصف طبيعة المكان، وبالنظر لعمل الكاتب المرحوم الديوه جي في دائرة الآثار في الموصل حين كان مكان المعبد المقدس تابعاً لها، فقد أفرد فصلاً في كتابه ( اليزيدية المطبوع في الموصل 1973 ) للمكان المقدس ولقبر الشيخ عدي بن مسافر.
يقع الوادي بين ثلاثة جبال وتتميز القباب الخاصة بالمعبد بشكل مخروطي لايماثله في العراق معبداً او قبراً، وتتضلع القباب المخروطية الى حافات مستقيمة تنخرط من الاعلى الى الأسفل ضمن دائرة تستند على قاعدة تمثل الارض، تستقبل جميعها أشعة الشمس، لذا يطلق الايزيدية على المكان المقدس ( مه ركه ) والكلمة تعني موطن الشمس، ولهذا المعنى علاقة قدسية تدخل في المعتقد الأيزيدي الذي يعظم الشمس ويعتبرها آية من آيات الله، بالأضافة الى دخول الشمس في الكثير من المعتقدات والموروث الأيزيدي، وقيل أن المعبد كان ديراً للنصارى تم تأسيسه في فجر النصرانية وأن الراهب ( يوحنا ويشو عسبران ) من أسسه وأقام فيه، ونفى السيد الدملوجي هذا الرأي في الصفحة 205 من كتابه اليزيدية المطبوع بالموصل 1949 حيث يذكر ( ان المعبد لم يكن ديراً قبل ان حل فيه الشيخ عدي بن مسافر وأتخذه مقاماً له كشأن كثير من المعابد التي رددت في زواياها ترانيم الوثنيين ) ، بينما يؤكد الباحث المرحوم سعيد الديوه جي في كتابه ( اليزيدية بالصفحة 206 ) ان المعبد انشأه الشيخ عدي بن مسافر عندما اتخذ لالش مقرا له، ثم يعقب في الصفحة 208 بان المعبد كان مصلى للمسلمين، ولسنا في موضع تفنيد او مناقشة الأراء التي تختلف مع الأيزيدية، غير أن هذا المكان كان ولم يزل مكاناً مقدساً لدى الأيزيدية ومما زاده أهمية وتبجيلاً أن يكون قبر الشيخ عدي بن مسافر فيه، بالأضافة الى الأعتقاد الذي يقول أن لالش هي مركز الأرض، كما أن الأيزيدية ومنذ غابر الأزمان قدمت الضحايا والقرابين من أجل أن لايتم تدنيس المكان أو نزعه منهم تحت أية ذريعة ووسيلة، ولو كان المكان ليس لهم لما بقوا مستمرين على تقديم التضحيات الجسام، ولما قام أساس دينهم على المكان المقدس الذي لم يزلوا يزورونه ويتبركون به.
وأديره المسيحيين تتشابه في طرازها العمراني، وأذ تختلف في بنائها عن شكل المكان من الداخل والخارج، وكما تخنلف في وجود الصوامع وغرفة المصلى وقاعة الصلوات، بالأضافة الى وجود عدد من الكنائس والأديرة في المنطقة لم تزل على قدمها وحالها، لم تتغير وهي لاتتشابه قطعاً مع بناء المعبد المقدس ولم يتعرض لها احد ، كما أن بناء دير أو كنيسة من قبل أحد الرهبان لايعني أنه امتلكها وأختص بها، فمن غير المعقول أن لايكون معه أو من بعده عدد من الرهبان والقساوسة يقومون بواجباتهم الدينية من بعده، ولم يذكر أحد أن هناك في هذا المعبد قساوسة ورهبان من أهل الديانة المسيحية، بالأضافة الى عدم وجود أية علامة دالة على تلك الهوية كالأجراص والصلبان والكتابات اللاتينية المنقوشة على الجدران والصور الرمزية التي تصور ولادة السيد المسيح او عذاباته في الصلب ومسيرة الالام. كما أن الكنيسة المسيحية تقوم بتسجيل هذه الأديرة والكنائس وتختص بأرسال القساوسة والرهبان اليها وتستمر في رعايتها وأدارة شؤونها، بالأضافة الى لزوم وجود المسيحيين في المنطقة التي يقع فيها المعبد او الدير، في حين أن المنطقة التي تحيط بالمعبد لايقيم فيها سوى الأيزيدية.
أن القصص التي قيلت من كون المعبد المقدس كان ديراً للمسيحيين يعوزه المنطق ويفتقر للدليل المقبول.
أما كون المكان المقدس معبداً ومصلى تابع للمسلمين فأنه ايضاً تصور قد يفتقد للعديد من الأسباب التي تجعله مقبولاً، فطراز المكان المقدس يختلف عن طراز كل الأمكنة الأسلامية، بالأضافة الى كون المكان يخلو من معالم الجوامع وقبابها المحنية والبيضوية، والكتابات والنقوش الأسلامية، وكما يفتقر المكان لوجود محلات او مكان يتشابه مع الأمكنة التي يصلي بها المسلمين بأتجاه قبلتهم، كما ان المكان يتخلله العديد من الغرف المظلمة والكهوف والمخازن التي تختص بالزيت والشمع المستعمل لأضاءة المكان ، ومن المفيد ان نذكر ان مكان قبر الشيخ عدي بن مسافر المدفون في لالش مدفون على عكس الوضع الذي يقوم به المسلمين بدفن موتاهم مما يؤكد أن المكان لم يكن أسلامياً.
كما من غير المعقول ان تبقى النقوش الأيزيدية على جدران معبد اسلامي، بالرغم من ظهور كتابات نقشت حديثاً بعد ان تم طرد الأيزيدية منه بالقوة لتحويله الى مكان لعبادة المسلمين، حيث لم تكن تلك الكتابات العربية موجودة على جدران المعبد في العام 1849 م حسب ما صورته ( السيدة بادجر المستشرقة التي زارت معبد لالش ) ، حيث نلاحظ النقوش الحجرية والكتابات الموجودة على الجهة الغربية من الجدار الخارجي للمعبد المقدس والتي تثبت بما لايقبل الشك انها كتابات أيزيدية لا تتشابه مع الكتابات الفارسية أو اللاتينية والعبرية والعربية أيضاً.
ثم ان المعابد التي انشأت في المنطقة لم تكن تخص المسلمين والمسيحيين وحدهم، فقد انشأت مكانات لعبادة المثرائيين والمانويين والزرادشتيين، ويقول الباحث الاثاري عبد الرقيب يوسف الذي عمل مع المرحوم الديوه جي : (( أن أحد غرف المعبد المنقورة في الجبل هي التي تضم أصل المعبد، والتي ذكرها كل من الديوه جي والدملوجي والحسني على أساس انها غرفة مخزن الزيت ، الا أن كل من الديوه جي والحسني ndash; والكلام لعبد الرقيب يوسف ndash; لم يستطيعا أن يدركا معاني الأشكال والرموز التي شوهدت من قبلهم منحوتة على الجدار الغربي للمرقد، والمعبد الأصلي يتألف من منبر على شكل دكة منحوتة في الصخر وفوقها عرش ميثرا وحلقته، وهناك الى جانب المنبر المحراب المنقور في الصخر أيضاً، وأتجاهه يقع الى ناحية الجنوب بعكس أتجاه المحاريب في المساجد )) ، ( مقالة للسيد عبد الرقيب يوسف نشرت في الصفحة 92-109 في مجلة لالش العدد 21/2004 ).
ولو تم تكليف بعض الآثاريين والمهتمين بالتاريخ لمعرفة قدم الصخور والحجارة التي بنيت بها جدران المعبد، ولو قدر لهم التعرف على الرسوم والرموز المنقوشة على باطن صخور المعبد والتنقيب ، ولو تمكن بعض المهتمين بالدراسات التأريخية في التنقيب والنبش لأظهار الحقائق التي طمرها التراب وأخفتها الظروف التي مرت على المنطقة، فستظهر بالتأكيد حلقات عديدة لم تزل لحد اليوم مطمورة بأنتظار من يجلو عنها ترابها .
ويذكر السيد يوسف انه زار موضع ( الجلخانة ) وهو موضع متكون من خمسة غرف تسبح في ظلام دامس، وهذا الموضع قديم جداً ولربما يعود الى زمن سابق على ظهور الشيخ عدي بن مسافر، كما أن قطع من الصخور المنتشرة في المكان المقدس والمتدحرجة من الجبل لم تزل تحمل في جوانبها رسوماً للشمس وبعض الأشارات الدينية والرموز القديمة، وكل هذا يؤكد أن المعبد لم يكن أسلامياً بالنظر لتعارضهما ذكر مع طراز وشكل الجوامع وأماكن العبادة الخاصة بالمسلمين، ويرى الباحث الاثاري السيد يوسف أن المعبد القديم الذي يتحدث عنه كان موجوداً في القرن الأول قبل الميلاد.
أن نقوشاً تمثل الشمس وبعض الرمزيات يمكن تحليلها ودراسة تأريخها، ولانعتقد ان المسيحيين والمسلمين كان يعتمد النقش على الصخور في كتابة التعاليم الدينية أو الأشارة الى مسألة تخص الديانة، بأستثناء الديانات القديمة .
أن اكتشاف هذه المعابد القديمة في المنطقة دليل على عدم تمكن المهربين والمعادين للديانة الأيزيدية من تشويه معالمها أو اخفاؤها بشكل نهائي، مما يجعل دعوة المنظمات الدولية في الأمم المتحدة وحرصاً على التراث الأنساني، ان تتوجه بالعناية لمثل تلك الأماكن لأعادة استكشاف ما موجود تحت صخورها وفي أروقة معابدها وفي ثنايا صخورها ومنحوتاتها، وأن تبذل من الجهود والأهتمام بها أسوة بكل مناطق الآثار في العالم التي تحظى بأهتمام منظمات اليونسكو وغيرها من المنظمات ، وأن لم تكن من أجل ديانة خصت الأنسانية ويؤمن بها الملايين من البشر، فمن أجل اظهار الحقاتق التأريخية ووضع النقاط على الحروف في كتابة التأريخ الأنساني.
وبالرغم من الزيارة التي قام بها الاثاري ( لايارد ) الذي صاحب ( السيدة بادجر ) في العام 1844 م ومشاهدتهما لتلك الاثار والنقوش الا انهما أسوة بالأيزيدية في ذلك الزمن لم يفهموا من معانيها شيئا، وبقيت تلك الصخور مبثوثة ومطمورة في الوادي، مما يوجب اليوم أن يكون المؤتمر المختص بالدراسات عن الأيزيدية قريب من المكان المقدس بمصاحبة المختصين والمعنيين بشؤون الديانة والتأريخ الأيزيدي لتحليل تلك الرموز والنقوش وكشف حقائقها المهمة للأنسانية.
وأذ تتشبث الأيزيدية بتوحيدها الله الا يدل هذا انها تقف في الصف المعارض للشرك وانكار الربوبية والخلق ؟ ثم الا يعني هذا أنها من الديانات التي تعتمد على العقل والمنطق لأنها عرفت طريقه وتلمست أسلوب معرفتها للحياة من خلال مقدساتها وطقوسها التي لم تشذ فيها ولم تسلك الغريب والعجيب ؟ لذا فمن الواجب التقرب منها ومعرفة حقيقتها والسعي لنزع تلك الأحقاد التي زرعها أشخاص ابتلوا بأمراض الكراهية دون الفهم، وتلبدت مشاعرهم بالكراهية دون معرفة، وأضحت ضمائرهم ممسوحة واجتاحتهم مشاعر الحقد دون علم أو سبب، ولذا يتوجب على بقية المهتمين ببقية الديانات من العلماء وكبار رجال الدين من كل الأديان السعي والعمل من اجل أشاعة روح التسامي والمحبة بين كل تلك الأديان وشمول الأيزيدية بهذه المساحة الأنسانية فهم أخوة الأنسانية.
وأذا كانت الأيزيدية تتمسك بالألتزام بمبدأ الحلول والتناسخ، فأنها بذلك تلغي كل الأتهامات التي تريد ربطها بالسعي لأقامة الدولة الأموية الأسلامية، لأن الأسلام ككيان لايؤمن بمسألة الحلول والتناسخ قد ورد في القرآن الكريم في سورة الأسراء (( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم الا قليلا. )) كما ورد في سورة الفجر (( ياأيتها النفس المطمئنة أرجعي الى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي )).
أن فكرة الحلول والتناسخ تعتمد على الأمور الروحية وفلسفة الموت والحياة ، وسبق أن التزمت بها بعض الديانات القديمة التي لم تكن تؤمن بنهاية الحياة ودورتها الجديدة،وأنما تقمص الروح لجسد أخر وأعادة الدورة في بقاء الروح التي حلت بجسد آخر ، وأن الأسلام أسهب في تفصيل القضايا الروحية الا انه لم يكن من المؤمنين بعقيدة الحلول والتناسخ التي أخذت بها الأيزيدية وإنما جعل الروح من أمر الله، وهذا الأمر يجعل الأحتمال الذي يقول أن الأيزيدية خرجت من عباءة الأسلام غير مؤكد وبعيد عن الواقع.
والإنسان كما نعرف حريص على ما منع، ولهذا فأنه يخوض غمار كل مجهول ويسلك القفار ويتجشم الصعاب في بغيته، فقد تطلع الإنسان منذ أقدم العصور ليتعرف على مكامن أسرار الحياة و ليعرف تفاصيل كينونة روح آدم عليه السلام التي انحدر هو منها وكذا روح السيد المسيح الذي لم يأت من زواج وأتصال بين رجل وأمراءة، وكانت قضية الموت والحياة وعودة الروح والتناسخ والتقمص من الأمور التي عالجتها الديانات القديمة والحديثة بشيء من الأهتمام والعمق ، بالنظر لكونهاتدخل في تفصيل الحياة اليومية للأنسان وما بقيت تشغله كل هذا الزمان دون ان يحل لغزها ويفكك أسرارها، ولكونها من الأمور التي تقلبها العقول والأفئدة في كل الأديان، ولما يشوبها من غموض وأسرار لاقدرة للأنسان العادي على تفكيكها والوصول الى حقيقتها المطلقة ، ولذا فأن الفلسفة الدينية أتخذت مسارات متعددة بين من تجد منها ان الروح من عند الله يمنحها للأنسان وتعود اليه ثم تنتهي لتبدأ دورة الحساب الذي ينتهي بالحساب الأكبر يوم الحشر، وبين من يرى أن الحساب مؤجل وأن النهاية مؤجلة، وبين من يجد أن الاجساد هي التي تبلى وتنتهي بينما تبقى الأرواح هائمة حتى تحل الأرادة الربانية بحلولها في جسد آخر تبعاً لأعمالها السابقة في الحياة الدنيا، وبهذا الشكل تستعيد الحياة دورتها حتى تقوم الساعة .
ويرى البيروني أن الصوفية أخذوا من فكرة التناسخ حين قالوا : quot;الدنيا نفس نائمة ونفس يقظة.quot;( البيروني - المذاهب الصوفية، ص 32 -) يرى المعارضون أن هذه الحجج غير كافية وليس التناسخ يشبه الفناء لأن التناسخ معناه حلول الأرواح من جسد لآخر أما الفناء فيعني نهاية الجسد ورجوع الروح الى مستقرها.
ومن البديهي ان لايتعرف الناس على الموروث الشعبي لدى الأيزيدية، أذ يرتبط ذلك الأمر بحالتهم القلقة وظروفهم العسيرة والمحنة التي مروا بها، ولذا بقي الفولكلور الأيزيدي متحدداً وغير منتشر، مع أن لكل أمة قيم وأعراف وتقاليد، ولكل مجتمع قصائدة وامثاله وقصصه الشعبية التي تصور مآسية وافراحه وتجسد شجاعة أبناءه أو مواقفهم المتميزة وتطرح ادبه واشعاره ومن الجدير بالذكر أن كل ماذكر كان يتم التداول به بين أوساط الأيزيدية أنفسهم لم يتم نشره الا بشكل قليل ( أشير الى كتاب تقاليد القرية الايزيدية الذي كتبه خدر بير سليمان وترجمه عيدو بابا شيخ والمطبوع في لبنان 1998) كما أشير الى كتابات خيري شنكالي بهذا الخصوص .
أن للموسيقى ضمن الميثولوجيا الأيزيدية تأثيراً فعالاً بأعتبارها تمثل مصاحبة وجدانية في العديد من الطقوس والشعائر الدينية ، كطقوس الموت والفرح و الطقوس المتعلقة بالمطر والدعاء و الأحزان.
والمتعن ملياً في تأريخ العراق القديم وعلاقة المجتمعات القديمة بالموسيقى دينيا يدرك القواسم المشتركة بين الموسيقى والديانة الأيزيدية.
وبالرغم من الأرث الحضاري والأنساني والكبير في الجانب الأنثروبولوجي والفلكلوري الأيزيدي، فقد بقي على حاله لم يستطع الكثير من الباحثين والكتاب أن يكتشفوا العلاقة الأزلية بين قدم هذه الأعراف والتقاليد والطقوس وبين هذه الديانة، كما لم يجرأ اي كاتب آخر أن يوغل في الدخول الى أعماق الأيزيدية ومجاهلها لعدم وجود الفرصة التي تسنح له بالدخول اولا، ولعدم وجود ما يسهل عملية الدخول ثانياً، وبالنظر لكثرة المداخل التي تخص الحياة الأيزيدية وشؤونها وشجونها ما شغل الكتاب الأيزيديين الذين انشغلوا في قضية نشر حقائق ديانتهم والدفاع عن الأتهامات التي لحقت بها ردحاً طويلاً من الزمن، مما ابعدهم عن معالجة هذا الجانب ثالثاً.
وليس اعتباطاً المحاولات التي طرحتها اغلب الديانات في المنطقة والتي تريد جر الأيزيدية تحت عبائتها، فقد اشار العديد من الكتاب المسيحيين زاعمين أن الأيزيدية ما هي الا جزء من العقيدة المسيحيية، وأن الأيزيديين مسيحيين ظلوا الطريق وسيعودون قريباً، كما تم طرح العديد من المزاعم التي تحاول الأشارة الى كون الأيزيدية جزء من الأمة الآشورية وماهي الا محاولة لضم هذه الديانة تحت عباءة ديانة أخرى مهما كانت التبريرات والمزاعم، مثلما أشار بعض من كتب عنهم كونهم ينتمون الى الديانة المندائية.
كما كتب العديد من المسلمين حول انحراف الأيزيدية عن الأسلام، بأعتبارهم فرقة أسلامية أموية، وان هذه الفرقة أخذت على عاتقها الدفاع والنضال عن بني أمية، وتعمنل في سبيل استعادتهم للسلطة، وأن الأيزيدية ماهم الا عرب اظلوا الطريق مما يوجب اعادتهم للحضيرة الأسلامية ولو عن طريق القوة والجبر وهو ما جر عليهم المآسي والأهوال .
كما زعمت الزرادشتية ان الأيزيدية فرقة منهم تستمد كل طقوسها واساسها الديني منها، ومع تزامن الأيزيدية مع الديانة الزرادشتية وصمود الأولى مع الأجتياح والمد الذي لقيته الزرادشتية في المنطقة، الا أن هذا الأمر يدل ببساطة كون الأيزيدية كانت موجودة في الزمن الزرادشتي، ولسنا بصدد الجهات التي زعمت أن الأيزيدية منها، وهي مزاعم تؤيد الوجود الحقيقي والعمق الفاعل للديانة الأيزيدية وهو الذي حدى بهذه الأديان لمحاولة ايهام الآخرين بأن الأيزيدية منها، ودليلاً على قدم وعمق هذه الديانة، لأن الديانات الهامشية والطرق الدينية والفرق الطارئة التي لاتستند على اساس متين لايقم احد بأن يتشرف بضمها اليه مالم تكن لها دلالتها وأسسها وأسبابها الذي يدعو لهذا الامر، مما يوجب أن يتم النبش في أسس الأختلاف بين هذه الديانات وبين الأيزيدية التي لم تزل تتمسك ليس بقدمها فحسب بل بطقوسها وموروثها الذي يمثل القدم الغارق في العمق في المنطقة لحد اليوم حيث لم يزل اهالي المنطقة وما يجاورها يستعملون الطين ومسحوق الأحجار الكلسية في بناء بيوتهم وقباب مزاراتهم وقبورهم منها أسوة بما درج عليه أسلافهم من السكان القدماء ، غير أن ما يلفت النظر حقاً وجود الفتحات المثلثة التي تشير الى أتجاه مشرق الشمس في القبور في تلك القبور القديمة وتلك التي يتم تشييدها حديثاً لدى الأيزيدية، مما يمكن الأعتقاد والدليل على أستمرار تلك الظاهرة العقائدية منذ فجر التاريخ تزامناً مع قدم الديانة الأيزيدية التي نمت في لالش وستنتهي مع نهاية الكون في لالش ايضاً كما تقول نصوصهم وديانتهم، ولايمكن أن تكون متشكلة في منطقة أخرى .
وبهذا فأن المطلع على أحوال شعوب المنطقة يجد أن الأيزيديين لايمكن أن تكون جذورهم فارسية بالرغم من ظهور الديانة الزرادشتية التي انتشرت في بلاد فارس منذ العام 520 ق. م وحتى العام 642 ق. م والتي ربما تأثرت أو أثرت في الديانة الأيزيدية، ولم يذكر التاريخ أنسلاخ موجات بشرية أو انفصالها أو أي ترابط آخر مع المجتمعات الأخرى ، ولهذا فأن الكورد يعتزون بأنتساب الأيزيدية الى قوميتهم مثلما يتفاخر الأيزيدية بذلك، ولم يثبت لحد اليوم أنتساب عشيرة عربية واحدة بين العشائر الكوردية التي تدين بالأيزيدية.
وأن العديد من علماء التأريخ والأنثربو لوجيا والآثار من يعتبر السومريين شعباً قدم من شمال بلاد الرافدين ( كوردستان الجنوبية ) حاملين معهم ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم التي نشروها في المنطقة، كما أن العديد من الفخار الذي يتشابه في المنطقتين بالأضافة الى نقوش ورسوم تدل على أشجار لاتكون الا في مناطق كوردستان.
يتقرب الأيزيديون إلى الله مباشرة دون وسيط، وهم يعتقدون بأن الله موجود في كل شيء وأن الله عز و جلّ هو الخير ولا يمكن أن يخلق غير الخير ويمنح الرحمة لمن يشاء لأن الله هو الأساس والمخلوقات أجزاء من هذه الروح العليا، وأن الجزء تابع للكل، ولذلك فان تقديسهم للظواهر الكونية كالشمس والنور والقمر مبني على فكرة كون هذه الظواهر جزء من الذات والقدرة الإلهية التي يعجز عنها الشّر، وهي فكرة ذات إعتبار ومحل تقدير، فأذا كانت هذه الفكرة تتطابق مع جميع الديانات الموجودة في المنطقة فأين يكمن التقاطع وأين تكمن الأختلافات ؟؟
وأذا كانت الديانة الأيزيدية من الديانات غير التبشيرية فما هو السبب الحقيقي لهذا الغلق وجعل الأيزيدي داخل دائرة صارمة ومغلقة، واذا كنا نتفق أن الديانات جميعها جاءت لهداية الناس وتبصيرهم بالخالق والدعوة لألتزامهم بأوامر الخالق الكبير، فما هو دور غير الأيزيدية في هذا المجال، وليت الأمر يتوقف عن هذا الحد، بل أن الأمر يتحدد نفسه بين الأيزيدية أنفسهم حيث يتم تقسيمهم الى طبقات وأبناء هذه الطبقات لايمكن لهم الزواج من طبقة غير طبقتهم الدينية، وكذلك عدم زواج الأيزيدي من عائلة شيخه أو بيره أو مربيه، ومن تزوج من خارج ديانته رجلاً كان أم امراءة، يخرج من الديانة الأيزيدية ولاعودة له فيها، ( نلاحظ الأختلاف بينهم وبين المسلمين الذين سمحوا للرجل المسلم أن يتزوج من المرأة الكتابية بينما حرم على المرأة المسلمة أن تتزوج حتى الرجل الكتابي )، وبالرغم من تغير الزمان وأنتشار الأيزيدية مهاجرين في أصقاع الأرض وعدم توفر مثل تلك الالتزامات الصارمة في دول المهجر، لم تزل الأيزيدية رجالاً ونساءاً تعاني معاناة أنسانية كبيرة من هذا الجانب، مما يوجب النبش والبحث في أساس كل تلك الأمور ومعرفة الأسس والغايات التي قامت عليها ومعالجتها معالجة انسانية بما لايخل بأسس الديانة ونصوصها المقدسة.
ولكون الأيزيدية تتشكل من مجموعة من العشائر الكوردية فأنها سكنت مناطق كوردستان ليس في العراق فحسب بل في كل الأجزاء المتبقية، غير أن مايلفت النظر تكون هذه الديانات الموغلة في القدم في مناطق الاكراد، فقد انتشرت الزرادشتية وقبلها الأيزيدية، وانتشرت المذاهب الأسلامية والطرق كالكاكائية وأهل الحق في مناطق الكورد دون سواها، ولكون الأمر يحتاج الى شيء من التدقيق والتوغل في الأسباب الكامنة وراء تلك الخصوصية لأن الأحاطة بموضوعة الاديان مسألة غاية في التشابك وأن الوصول الى غاية الدين أمر ليس بالسهل ويتصل بالمعاني الفلسفية والروحية للأنسان، بالنظر للتحولات العقائدية في تحول الأنسان من الأعتقاد بألوهية الطواطم والرمزية الى الأسس الروحية والأعتقاد العقلي في الخلق والتكوين، وأذا كان الأمر يتعلق بالتكوين الشخصي للأنسان الكوردي بأعتبار أن أول النشوء الأنساني كان في مناطق سكن الكورد فقد تنامى الوضع الأنساني لهذا المجتمع تدريجيا مع تطور الحياة الأنسانية وتطور العقائد معها.
وأذا كانت تلول حرمل وتلول شمشارا في كوردستان تشير الى التواجد الأنساني قبل عشرة الاف سنة قبل الميلاد، فأن تلول المغزلية الواقعة على سفوح جبل سنجار تم اكتشاف جماجم بشرية كانت تسكن المنطقة قبل 7500 قبل الميلاد، مع وجود نقوش وأحجار، ولم يسكن هذه التلول حتى اليوم سوى الأيزيدية.
كما أن التشابه بين أسم الأيزيدية وبين كلمة ( يزدان ) حيث تنسب الى منطقة يزد في أيران وهي من مناطق الزرادشتية بل وهي مركز للديانة المذكورة ، وبين معناها حيث يقول الباحث أمبسن أنها تعني الروح الطيبة، وبين ( ئيزي ) والتي تعني أنها أسم من أسماء الله خالق الكون والبشر.
ومن الجدير بالذكر كون المنطقة تتميز بالعديد من الديانات والمذاهب، غير أن الأيزيدية تشكل الديانة الثالثة في العراق بعد الديانتين الأسلامية والمسيحية، والثانية في أقليم كوردستان العراق.

القسم الأول

القسم