زهير كاظم عبود
&
&

في البدء اتقدم بالشكر والأمتنان للصديق والزميل المحامي فارس البكوع من الموصل للأطراء وأشادته بأرائي وكتاباتي وأخلاصه لعلاقتنا الأنسانية وتلك ميزة لمستها من اهل الموصل المدينة العريقة والطيبة و الذي لن اختلف معه في عموميات الطرح بقدر ما أريد لبعض القضايا التي غابت عن مقالته ان تكون حاضرة للفائدة العامة التي نطمح سوية أيصالها للقاريء، وخاصة مايخص الأثنيات القومية والدينية في العراق وعليه سيكون ردي موجزاً متمنياً أن يفي بالغرض المطلوب.
الشبك في العراق:
يعرف السيد فارس البكوع أن الشبك وهم يسكنون القرى المحيطة بالموصل وأكثرهم امتهن الزراعة وتربية ورعي المواشي، ولم يذكرهم التاريخ العراقي المعاصر بما يليق بهم، ولم تلتفت اليهم السلطات التي تعاقبت على حكم العراق، لابل صدرت مؤلفات يعرفها السيد فارس أساءت بشكل صارخ وظالم للشبك تنم عن وجود عقليات ظلامية وطائفية لاتهتم بقيمة الأنسان وحقوقه في هذا الوطن المشترك، وأحيل السيد فارس لما كتبه عنهم المرحوم عبد المنعم الغلامي في كتابه ( بقايا الفرق الباطنية في لواء الموصل الصادر في عام 1950 ) من أفتراءات وأراجيف بقصد الحط من سمعتهم والنيل منهم، وبقيت قرى الشبك ومدنهم مهملة بشكل يلفت النظر حتى لاتكاد أن تجد قرية واحدة تضم شارع واحد مبلط بالأسفلت، بالأضافة الى عدم وجود اية مشاريع عمرانية ضمن قرآهم وافتقار العديد من القرى للمدارس والمعاهد حيث يقطع الطلبة مسافات طويلة في الوحل للوصول الى مدارسهم، وبالنظر لأعتناق أكثر الشبك للمذهب الجعفري فقد عاملتهم السلطات التي تعاقبت على حكم العراق بريبة وحذر وتحملوا جراء هذا الأمر العديد من الحملات الأمنية والمخابراتية بأعتبارهم محسوبين على الجهات التي تعارض السلطة في العراق، وبقي المجتمع الشبكي بالرغم من مساهمته الأقتصادية وجنسيته العراقية الا انه يمنع عليه تملك العقار في مدينة الموصل وهي محافظته الأساس اذا كان من ابناء الكرد مالم يغير قوميته الى ( العربية )، وأذا التحق العديد منهم في صفوف الحركة الكردية المسلحة أو في صفوف أفواج الجحافل الخفيفة فأن الأمر لاينسحب على بقية المجتمع الذي كان يعاني الأمرين من جراء تعسف السلطة التي كانت تعالج قضاياهم بمنظار شوفيني لاأنساني، والقضية لايمكن معالجتها ضمن مساحة تصرف معين، حيث يعرف الأستاذ فارس البكوع أن تغييباً تاريخياً متعمداً لقضية الشبك في العراق، وبأمكان أي منصف أن يسأل أي عراقي عن أسم الشبك ليشاهد ارتسام الحيرة وعلامات الأستفهام عن معنى الكلمة. ويعرف السيد فارس البكوع أن كتابي ( لمحات عن الشبك ) الذي أنجزته في العراق وتم منع طبعه من قبل وزارة الاعلام بسبب كونه يفضح حقيقة الظلم الذي لحقهم وينشر حقائق عنهم، ولم استطع طباعته في العراق وأستطعت أن اوصله الى لندن بعد مغادرتي لوطني حيث قامت دار الرافد للطباعة والنشر بطباعته على حسابها الخاص في العام 2000، ويعرف الأستاذ فارس حقاً كوني بعيد عن العزف على الوتر الطائفي لأنه يعرفني أكثر من غيره أولا، وكان قريباً مني ومن أستاذي وصديقي المرحوم عبد الباسط يونس رجب الأديب والصحفي والموسوعي في الموصل صاحب مكتبة المكتبة في شارع النبي شيت.
وعانى الشبك من قضية أجبارهم على تغيير القومية، كما عانى الشبك من حرمانهم من ممارسة طقوسهم الدينية في عاشوراء ورمضان، وعانى الشبك من ارتيادهم للحسينية الوحيدة في الموصل التي يؤدون فيها صلاتهم أو في جوامعهم المتواضعة في قرآهم، وعانى الشبك من السلطات المتعاقبة لامن مجتمع الموصل الذي أحترمهم وطالما لم يسيء المجتمع الشبكي الى مدينة الموصل بالرغم من تغير السياسات والأحداث التي جرت في العراق، ولهذا فأنهم منسجمين مع المجتمع الموصلي والذي عرف عنهم القيم الجميلة والأخلاص والأمانة والشهامة في عملهم.
وأقول أن وجود قسم من الشبك في الوظائف العامة أو دخولهم ماسمي بالمجلس الوطني كممثلين لمناطقهم السكنية لايدل على انهم كانوا يتمتعون بحقوقهم كمواطنين، مثلما لاينفي هذا أن الظلم الذي وقع على كل العراقيين من سلطة صدام يقع عليهم وحدهم بل حقاً شمل صدام البائد الجميع بظلمه، ولكن معالجة حالة أنسانية في مسألة تغيير القومية وربطها بالتملك ونقل المسكن أو الدخول الى الجامعة ايجعل القهر والحيف غير خافياً عن هذه الشريحة العراقية.
وأعلان قسم من الشبك كونهم من أبناء القومية الكردية ليس بسبب مصلحة ذاتية، وانما تلك حقيقة من الحقائق التي أعمل عليها، اذ بينهم التركمان والفرس والعرب أيضاً وهم خليط متشابك من القوميات ولذا أسموهم بالشبك، وانا بصدد اعداد دراسة حول أصولهم القومية ولغتهم ومافاتني أن اذكره في كتابي الأول عنهم، ولعل الله يمنحني العمر لأنجاز بحثي المتواضع هذا، وكان أحد المثقفين من الشبك يراسلني من دولة الأمارات العربية المتحدة وهو يعمل في مناهج التعليم بتلك الدولة الخليجية، ويدعى ( ادهام عبد العزيز الولي ) وكنا سوية نبحث في أصدار كتاب حول هذا الخصوص، ولكن الرجل لم يمهله الله فقد عاجلته المنية أثناء عمله في الأمارات ليموت غريباً في حين لم ازل أنتظر قدر الله بقلب مؤمن.

الأيزيدية:
أما عن الأيزيدية وتغييبهم وغمط حقوقهم الدينية في العراق، فأحيل الأستاذ فارس البكوع الحملات التي تشنها السلطة العراقية الشوفينية من أجل أجبارهم على أن يتحولوا من قوميتهم الكردية الى القومية العربية، وجميعنا نعلم أنهم اكراد ولاتوجد عشيرة عربية واحدة في العراق لابل في العالم تضم أيزيدي واحد، هذا من جانب ومن جانب أخر فأن الأيزيدية وهي دين يؤمن به مئات الالاف من العراقيين وله خصوصيته وطقوسه ونصوصه الدينية ليس لهم قانون للأحوال الشخصية يحكمهم.
ويعرف الاستاذ فارس البكوع أنني بالأضافة الى عملي كقاضي لمحكمة بداءة الموصل كنت أنظر قضايا المواد الشخصية لغير المسلمين والأيزيدية من بينهم، ولكن المأساة أن القانون الذي يتم تطبيقه عليهم هو قانون الأ؛وال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 المعدل حيث لاتعترف السلطة العراقية بلائحة المواد الشخصية الخاصة بديانتهم، ولم تقر بحقهم في لائحة تحكم قضاياهم الدينية والشخصية، فهل يجد صديقي أن مثل هذا الأمر يحقق الحق ويساوي بين المواطنين.
وقد ذكرت هذا الأمر في كتابي عنهم ( لمحات عن اليزيدية ) الصادر في العام 1994 عن دار النهضة ببغداد، وأعتقد ان السيد فارس البكوع يمتلك نسخة منه في مكتبته العامرة.
أن بحثي عن الأيزيدية لم يتطرق الى المواقف السياسية التي كان بعض الأيزيدية يقفونها وفقاً لتفكير كل واحد منهم وطبقاً لرؤاه السياسية والعقائدية، ولكن الموقف السياسي في أن يكون الأمير واقفاً مع السلطة وشقيقه مع الحركة الكردية المسلحة لايلغي حقوق الايزيدية ولايجعل الغبن الذي هم فيه مشروعاً.
والدعوات المريضة التي كتبت عنها ليست فقط الحديثة منها فقد صدرت دعوات كثيرة تحت شتى الذرائع والأغطية والاسباب تدعو للقضاء على الأيزيدية وقتلهم وأستباحة اموالهم ونسائهم، وبودي لو تمكن الأستاذ فارس البكوع الأطلاع على كتابي الثاني عن الايزيدية الذي صدر العام الماضي 2003 في كردستان العراق بعنوان ( الأيزيدية.. حقائق وخفايا وأساطير ) عن دار قنديل وتضمن في الفصل الرابع منه الفتاوى الدينية التي صدرت كدعوات مريضة لألغاء الصوت الأيزيدي وقتله، كما قمت بمفاتحة المراجع الدينية الأسلامية المختلفة في العالم الأسلامي ومنها ألعراق والسعودية وأيران وأوربا حول رأيها الشرعي عن الأيزيدية كدين، وقمت بتسجيل الأجابات في متن الكتاب، وأعتقد أن الكتاب أذا نفذ من السوق فبأمكان الأستاذ فارس الأطلاع عليه من بعض الأخوة الأيزيدية في المناطق القريبة من الموصل.
وحين صارت منطقة وادي لالش التي يقع فيها قبر الشيخ عدي بن مسافر في المنطقة المحررة من سلطة صدام، تم منع الأيزيدية مراراً من زيارة الضريح وأداء طقوسهم الدينية من قبل سلطة صدام البائد، اما قضية انخراط بعض الأيزيدية في أفواج السلطة التي نسميها ( الجحوش )، أو أنتسابها لحزب السلطة فأن الأمر لايعني أن كل الأيزيدية مع السلطة وحزبها، ولم تكن تهمة موجهة ضد أحد قضية تسميم مياه قرية خانك ولكن يعتبر جريمة أنسانية مهما كانت قومية أو جنسية الفاعل، واذا كان الأستاذ فارس يعتبر أن مجرد بقاء الأيزيدي في الجيش دون ان يحلق لحيته مكرمة من المكارم فأن في الأمر غبن فاحش.
أما مسألة الولاء المزدوج الذي فاتني فأن الأستاذ فارس يتحدث عن أشخاص وانا اتحدث عن ديانة ومجتمع يدين بديانة يفترض ان لها حضور في الدستور والواقع العراقي وبشر نعترف لهم بحقوقهم الانسانيةلهم مالكل عراقي، ولايمكن أن نعتمد على حسابات السلطة البائدة في تقريب أو أبعاد الناس كواقع يمكن الحساب على اساسه. وأذا كان الأستاذ فارس البكوع ينكر الغبن والظلم الذي لحق بالأيزيدية والشبك فأنني أختلف معه في هذا الجانب وأحيله للتمعن في الواقع المأساوي الذي تعيشه القرى الأيزيدية والشبكية، وأن ينظر بعين المحايد المنصف لما لحقهم من تهميش وأجبار على تغيير قوميتهم.
ومن المؤسف حقاً أن يشير لي الأستاذ فارس البكوع بالأبتعاد عن العزف على الوتر الطائفي بالنظر لكونه يعرف أكثر من غيره حقائق كثيرة عني شخصياً ومنه أننا كنا نعارض السلطة الصدامية سوية وتبادلنا الأسرار وأئتمن بعضنا البعض، كما انه يعرف مدى ابتعادي عن الوتر الطائفي وتشهد لي سنوات عملي في الموصل المدينة التي أحتضنتني وحمتني وساعدتني في عملي وأكرمتني بمحبة اهلها الكرماء الطيبين ومنهم فارس البكوع وعشيرته.
أأمل من الأستاذ البكوع أن يتمعن جلياً في قضية الحقوق وكلي ثقة بأن أختلافنا في وجهات النظر لن يفسد للود قضية وله كل شكري وأمتناني مرة أخرى.

&
&