وصف مصر من تانى

* ربع سكان مصر يسكنون العشوائيات.
* ماذا ننتظر من مواطن جائع أعظم أحلامه الراحة فى الحمام؟!
* المدرس تحول إلى مخبر والطالب إلى شريط كاسيت.
* المخ عندنا للحفظ والصم فقط.
* نقبل معجزات الجن ونرفض معجزات العلم.


إذا إعتبرنا أن أهم ماتركته الحملة الفرنسية بعد رحيلها عن مصر هو كتاب quot;وصف مصرquot;، فإن أهم التحقيقات الصحفية التى قرأتها فى هذا العام بل منذ عدة أعوام هو التحقيق الصحفى الذى يجريه عدة محررين شبان من جريدة المصرى اليوم على حلقات تحت عنوان quot;وصف مصر العشوائيةquot;، وجريدة quot;المصرى اليوم quot; جريدة محترمة أحدثت نقلة نوعية فى الصحافة المصرية على مستوى الشكل والمضمون، وهى تستحق التحية على هذه المجموعة من التحقيقات الصحفية التى رسمت بورتريهاً مختلفاً لمصر المحروسة بلا أى رتوش، بورتريهاً لاينتمى لكروت بوستال وزارة السياحة المنمقة، ولا لمطبوعات هيئة الإستعلامات الخطابية، ولالنشرات تليفزيوننا الحكومى المزوقة، ولا لتصريحات ساكنى القرية الذكية المزركشة، ليست هى مصر الساحل الشمالى أو البيفرلى هيلز أو الجاجوار والفورباى فور، ولكنها مصر العشوائيات وسكان المقابر والخرابات والأكواخ والعشش الصفيح ومساكن الإيواء، هؤلاء الغلابة موزعون على 1034 منطقة عشوائية حسب إحصائيات مركز إتخاذ القرار، وفى قول آخر حسب معهد التخطيط القومى 1109 منطقة، يسكنها حوالى 18 مليون نسمة، أى ربع سكان مصر تقريباً، ويفضح هذا التقرير- الذى يستحق عنوان quot;وصف مصر من تانى quot; ndash; مأساة هؤلاء المواطنين الذين ينتمون إلى هذا الوطن بشهادات الميلاد فقط، فالوطن يطردهم من جنته ويعتبرهم تارة خونة، وتارة عملاء، وأحياناً معمل تفريخ للإرهابيين، وعلى الدوام حاقدين على الأغنياء لايستحقون العيشة من الأصل !، ومن يقرأ مجموعة تحقيقات quot;المصرى اليوم quot; يجد أن مصر التانية بتاعة quot;دوكهوما quot; وquot;دولاهوماquot; الذين هم غير quot;أبناء الأمة quot; من ذوى الياقات البيضاء والأيدى الناعمة، هى مصر التى يطحنها الفقر ويعتصرها البؤس، من منشية ناصر ومقابر البساتين حتى دار السلام و عزبة زرايب الزبالة والخنازير، ومن عشش القابوطى ببورسعيد وعزبة البلابسة بالإسماعيلية حتى المنطقة 107 بدمياط ودير الحديد بالفشن ببنى سويف، صورة تتضاءل إلى جانبها أفظع أفلام الرعب، بلطجة وإدمان وزنى محارم وإغتصاب وأكل من صفائح القمامة، ناس بتكمل عشاها نوم كمايقولون، أقصى أمانيهم شوربة أرجل الفراخ، محرومون من المياه النقية والصرف الصحى والتليفونات والإسعاف والمدارس والشرطة، عشرات الأسر تتناوب على حمام واحد لتقضى حاجتها فيه، سقف أحلام كل فرد فيهم بضع دقائق منفرداً فى بيت الراحة، يختلسها ليمارس أبسط حقوق الإنسان من تبول أو تبرز بأى طريقة وبدون الإمتثال لشيوخ الفضائيات الذين يصرون على نصح الناس بعدم التبول وقوفاً وعدم التبرز بإتجاه القبلة أوبدون ذكر دعاء دخول الحمام !، لو غلطت الدولة وبنت لهم مدرسة تجد أن سعة الفصل سبعون تلميذاً يجلس نصفهم على الأرض، وبالطبع هذه المدارس فترتان وأحياناً ثلاث فترات، طرق لاتعرف الأسفلت أو أعمدة الإنارة، بيوت لاتعرف الخصوصية، ولايستطيع الأب ممارسة الجنس مع الأم إلا على الهواء مباشرة أمام الأولاد quot;المطنشين quot;، وللأسف لاتعرف العائلة ترف الثلاث وجبات، فالفول يقوم بالواجب من سد المعدة حتى نهاية القولون بأسمنت الغلابة وخرسانة المساكين حتى نهاية اليوم، ونسمع المسئولين ينصحون جيل الأطفال بممارسة البلاى ستيشن وإرتياد مكتبات السيدة سوزان مبارك لأننا نعيش عقد الطفولة العالمى، ولكن هؤلاء الأطفال الذين لايصونون النعمة مشغولون بشم الكلة !، هذا المواطن المصرى العشوائى وقع إتفاقية سرية غير معلنة بهدنة مع أفخم وأفحل أنواع الفئران الملظلظة، يتعايش معها ومع الهوام والفصائل النادرة من الحشرات التى لاتظهر إلا عندهم وفى مراجع وأطالس ومتاحف كلية العلوم !، بيوتهم علب سردين مسكونة، وكل عيشتهم تخطتها وتجاوزتها حيوانات غابات الكونغو بمراحل، بشر ينامون فى المقابر محتضنين الجماجم والهياكل العظمية ويتشاجرون على نغمات كونشيرتو الموت الجنائزى، ماذا ننتظر من هؤلاء؟، هل ننتظر منهم أن يدعوا لنا بطول العمر وينتظروننا فى الإشارات وهم يحملون الورود والياسمين والرياحين ويمنحوننا أوسمة ونياشين وأنواط الواجب والفضيلة؟!، من المؤكد أنهم سينفجرون فى وجه الجميع بنابالم الفقر، ينهشون لحم من وضعهم على الهامش وزنقهم فى خانة quot;يكquot; البؤس والضياع والإهمال والطناش، إنها ثورة الجياع القادمة التى ستحصد الأخضر واليابس، وساعتها لن تنفع قوانين أو سياسة ولن يجدى خطاب دينى أو مسكنات إعلامية، فأقل مايمكن أن يفعله جائع سدت أمامه كل السبل هو أن يتحول إلى مصاص دماء، وصف مصر من تانى أدمى قلبى وشتت عقلى، تهنئة لجريدة المصرى اليوم ولكنها تهنئة مغموسة بالدمع والدم.

جريمة فى شربين... ضبط طالبة تفكر!
حدثت كارثة فى شربين دقهلية، هذه الكارثة تستدعى تدخل قوات الأمن المركزى ومحاصرة المركز وسحل سكانه وإستئصال غدة هى كالزائدة الدودية لالزوم لها ولاطائل من ورائها، هذه الغدة الجريمة هى مخ الطالبة الآء بالصف الأول الثانوى بمدرسة شربين الثانوية بنات، لابد من إطلاق الرصاص عليها وعزلها فى معسكر جذام خاص منعاً من إنتقال العدوى إلى باقى طلبة الجمهورية، والجريمة التى إقترفتها الآنسة ولاء هى أنها إستخدمت هذا المخ فى التفكير وهى وظيفة غريبة عنه، فمن المعروف أن وظيفة المخ فى مصر هى أنه مجرد ديكور شيك داخل الجمجمة وممنوع أن يتجاوز هذه الوظيفة، وبالطبع فى المدرسة المصرية نحن نعرف جيداً وظيفة هذا البتاع المسمى quot;المخquot;، فهو للحفظ والتلقين والصم فقط، ومن يتجاوز هذه الوظائف فهو طالب مشاغب مجنون يحتاج القميص !، على الطالب المصرى أن يصبح مجرد شريط كاسيت لايستطيع الإبداع، يحفظ المعادلات الكيميائية بدون أن يراها فى المعمل، وعليه أن يحفظ التمارين الرياضية بدون أن يمارسها فى الحوش، وعليه أن يحفظ كتابه المقدس بدون معرفة التفسير أو مناقشة ملابسات أسباب النزول، وعليه أن يحفظ التاريخ بدون أن يستفهم لماذا إنتصر فلان ولماذا إنهزم علان؟، وعليه أن يرسم الشجرة والفاٍس والمفتاح الإنجليزى الذى يريده ويعرفه الأستاذ ولايعرفه هو، أما اللغة العربية فهذه هى أم الكوارث فمن غير المسموح أن تعبر عن نفسك فهناك ملعب محدد سلفاً عليك ألا تتجاوز خطوطه وإلا قطعنا رأسك وعملنا مخك سكالوب بانيه !، وهذا مافعلته الآء بالضبط حاولت اللعب خارج حدود الملعب، وفهمت أن التعبير هو فعلاً تعبير عن الذات، فكتبت فى موضوع تعمير الصحراء إنتقاداً للرئيس الأمريكى بوش ولأمريكا، وماأن رأى المصحح جسم الجريمة حتى هرول إلى مدير الكنترول الذى بدوره هرول إلى الناظر الذى بدوره هرول إلى مدير المنطقة التعليمية ووكيل الوزارة، ولاأعرف إلى أين كان سينتهى مسلسل الهرولة التعليمية وأعتقد أنه كان سينتهى عند أعتاب كوفى عنان !، المهم أن المدرس تحول إلى مخبر، والمربى بكسر الباء تحول إلى مربى بفتح الباء، وكانت نهاية مسلسل quot;هرولنى ياحبيبى quot; أن قررت وزارة التربية والتعليم فصل الطالبة الآء وشطب درجاتها فى المواد الأخرى، والحمد لله أن الوزارة لم تسمل عينيها وتنزع أحشاءها وتخصى والدها وتنزع رحم والدتها وتكوى صرصور ودن جارها وتضع فيه السيخ المحمى !، وبرغم إختلافى مع الآء فى رمى تهمة تخلفنا عن تعمير الصحراء أو تخلفنا عموماً وتعليقها على شماعة أمريكا ورئيسها الذى تصفه صحف أمريكية كثيرة بالغباء!، وأقول لها أننا نحن السبب ولاأحد غيرنا وكلنا مسئولون ومتهمون بداية من أكبر رأس فى أكبر قصر إلى أقل غفير درك فى أصغر كوخ، إلا أننى أحترم تفكيرها وإستخدامها لهذا العضو الضامر الخامل المسمى مخاً، وأحترم فيها أنها فهمت الغرض الأساسى من التعبير ومن العلم عموماً، والغرض والهدف هو أن نفكر ونستعمل تلك المنحة الإلهية quot;العقل quot;، إن مشكلة الآء فضحت نظام التعليم المصرى الذى تحول إلى نماذج جاهزة ومعلبات سابقة التجهيز وquot;إسطمبات quot;، ماعلى الطالب إلا أن يصمها ثم يتقيأها فى صحن مسطر إسمه ورقة الإجابة، واللغة العربية التى هى وعاء حضارة ولغة تعبير تحولت إلى مذكرات حقيرة فيها إسطمبة للبلاغة، لو جالك سؤال عن مظهر جمالى قول إنه يؤكد المعنى ويقوى المضمون، لو جالك موضوع تعبير لازم تحط خمسه لاسيما مع إتنين حيث أن على آيتين وثلاثة أحاديث وبيتين شعر ومقدمة جاهزة وخاتمة مضمونة، لو طبقت هذه المعادلة حتطلع الأول وتجيب الدرجات النهائية، لكن لو إتفلحست وألفت من دماغك الجزمة دى حيطلع عينك وعين اللى خلفوك، قال تفكير قال !، هو ده اللى ناقص طلبة وبتفكر يادى المصيبة، ياجماعة الرعية لازم يبقوا غنم ومعيز، لازم يبقوا قطيع من البقر حتى يسهل إقتيادهم فى مرعى الوطن.

*هل نتهم المريض الذى زرع قرنية فى إسرائيل بالخيانة؟!
كانت مصر فى النصف الأول من القرن الماضى تسمى بلد المكفوفين نظراً لتفشى الرمد الحبيبى والصديدى فيها، وبعد تقدم الطب جاء الأمل بعد الألم وتوالت الإنجازات العلمية فى مجال طب العيون ومنها جراحة زرع القرنية التى أطلق عليها د.محمود سليمان أستاذ طب العيون بقصر العينى لقب العملية المعجزة، وهى بالفعل معجزة فالأعمى بعد الجراحة يصير مبصراً، أليست تلك معجزة، و40% تقريباً من حالات العمى فى مصر كانت نتيجة عتامة فى القرنية، وقد أبكانى د.محمود سليمان عندما إستضفته فى برنامج العاشرة مساء فى فقرته الطبية، فقد حكى لى قصصاً مأساوية عن شباب فى عمر الزهور يدق الأبواب بحثاً عن زرع قرنية فلايجد، إنها كارثة بنك عيون واحد يخدم سبعين مليوناً، وقرنيات تستورد من أماكن مجهولة نتيجة خوف وروتين وعدم نظام، والسؤال لماذا لايكون هناك بنك عيون فى كل جامعة وكل محافظة؟، هناك جيل كامل من أطباء العيون ياسادة لايعرف شيئاً عن هذه العملية؟، هذه العملية كانت تجرى فى مصر يومياً فى الستينات وبمبالغ زهيدة، الآن قوائم الإنتظار فى قصر العينى بالسنوات، والقرنية تتكلف سبعة الآف جنيه، والعملية مطاردة كالمخدرات، والمريض يلهث وراءها بلا أى مجيب، نتركه يعيش فى الظلام ونحن نضحك ونجتمع فى لجان مناقشة، ولجان منبثقة حتى يموت العيان، إن مايحدث هو تهريج، فالغلابة يظلون فى سراديب العمى، أما الأغنياء فيحلون مشكلتهم هنا أو فى إسرائيل، ولانستطيع أن تتهم رجلاً أعمى بالتطبيع والخيانة إذا ذهب لإسرائيل، مريض سدت أمامه جميع المنافذ فى وطنه، والمسئولون مازالوا يتمحصون ويتفحصون ويتناقشون على مائدة مستديرة من لحم ودم، مائدة جثته التى ماتت يأساً وكمداً، كل شئ محسوم علمياً ولكننا قوم لانحترم العلم بل نكرهه وبشدة، القرنية عضو خالى من الأوعية الدموية ونستطيع أخذها من المتوفى بعد فترة، يعنى ببساطه القرنية خارج الجدل والخلاف الدينى عن موت جذع المخ وإنتزاع الأعضاء أثناء الحياة، ولا أفهم ماهو السر فى الحرب الشعواء على زراعة القرنية أو زراعة الأعضاء عموماً، والمدهش أننا برغم إيماننا بالمعجزات إلا أننا نرفض هذه المعجزات إذا كانت معجزات علمية، ونقبلها بل ونحتفى بها إذا كانت معجزات مرتبطة بالجان والعفاريت ومقابر الأولياء والصالحين !!، أعتقد أن معجزة مصر الحقيقية هى فى رفضها للمعجزات الحقيقية !.
[email protected]

آخر نكتة سمعتها عن حفيد رئيس دولة باذنجستان ndash; (لاحظ إنها دولة بعيدة جداً جداً عنا منعاً للقيل والقال أو مخكم يروح كده ولاكده نروح فى داهية)- والذى سألوه فى عام 2076:
- لماذا لاتتزوج؟
- قال: أتجوز ليه؟! أنا مستمتع مع الشعب.