لا أدري لماذا خطر ببالي بيت أبي الفتح النّحاس القائل:

لَمْ أُدَاوِ القلبَ، قَلَّتْ حِيْلَتِي
كُلَّمَا دَاوَيْتُ جُرْحَاً سَالَ جُرْحُ
إنَّما حَالُ المُحِبِّيْنَ البُكَا
أيُّ فَضْلٍٍ لِسَحَابٍ لا يَسِحُّ

تتأمّل خريطة الوطن العربي فتجد جراحاً، إنّها آلام quot;يمكنكquot; أن تراها وأنت مغمض العينين، أوجاع بغداد، ومآسي البصرة، وآلام الأنبار، ومتاعب الفلّوجة، وشقاء الصّومال، وبثور السّودان، وخدوش المغرب، ومذابح الجزائر، وحصار غزّة، ومذبحة دير ياسين، وتعاسة خان يونس، وتلوّث القاهرة، والإرهاب في كلِّ المدن العربيّة، والبطالة في اليمن، والغليان في الأردن، ومراهقة دمشق، وأصوليّة موريتانيا، وطيف الصغرى والكبرى في الإمارات، وحمّى الانتخابات في الكويت، وآخر الفواجع quot;لبنان يا عربquot;!
لماذا نحن من بين خلق الله أجمعين نمسي على المشاكل، ونصبح على التّطاحن والحروب؟! أهو خلل في الجينات؟ أم إن الشّقاء أحبّنا فأحببناه حتّى صرنا موطنه الدّائم؟!.. لماذا كلّما داوينا جرحاً سال جُرحُ؟!.. آه ما أقسى أن تدمن quot;مذاق الدّمquot; وquot;ورائحة الجراحquot;!!
لماذا أصبحنا نفتح وسائل الإعلام لنعرف كم عدد القتلى والجرحى، نريد العدد فقط، أمّا حصول القتل والجرح فهذا أمر مفروغ منه..
إلى متى نعيش في دائرة quot;حرب تلد أخرىquot;؟ أليس هناك مفر من دائرة الجحيم العربي؟ ألا يستطيع المرء أن ينزع جلده ويختار جلداً آخراً ميمماً وجهه شطر
quot;الهنود الحمرquot; والصّفر أو حتّى السّود؟ أليس ذلك أجدى ربحاً وأسلم وأبهى؟!
أتذكّر أنّني سألت هندياً يتكلّم العربية: أأنت هندي؟ فردّ عليّ ببيت من الشِّعر الشَّعبي quot;المحكيquot; قائلاً:
ما يشرّفنا نكون من العربْ
نحمد الله يوم خلانا هنود!!

حسناً لنتكلم في منطقة الصّراحة عن آخر متاعب القوميّة ومآسي الأدلجة، لنتكلم عن لبنان الذي خنق حتّى وصل الخنق إلى حبل الوريد..
هذه نتيجة المراهقة السّياسيّة، والرهانات الخاسرة، والمغامرة المجنونة، وقد أحسن البيان السّعودي حين سمّى الأشياء بأسمائها quot;بعيداً عن لغة الشّعاراتquot;، وكلمات quot;الفداءquot; ونغمات quot;أنت وأنا على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريبquot;، فلا يكفي أن تكون ابن عمّي لأقف معك.. خاصّة إذا كان ابن العمّ يحبّ الذّهاب إلى الموت!!
لم يعد يجدي إطلاق الشّتائم، ووصف إسرائيل بالصّهاينة أو العدو الإسرائيلي، أو حتّى القول بالعنجهيّة الإسرائيلية، فإسرائيل الآن دولة، شاء من شاء وأبى من أبى. صحيح أنّنا نحلم بإزالتها، ونحلم أيضاً برؤية فلسطين، ولكن الأحلام رأس مال المفلسين!
ولو فكّر المتدبّر، أو العرب لوجدوا أنّهم عبر تاريخهم الطّويل لم يكونوا يراهنون على quot;جدارتهم واستحقاقهم في العيشquot;، بل كانوا يراهنون على ضعف العدو وتردّيه.. خذ مثلاً العهد القريب لحكومات دولة إسرائيل المتعاقبة في الآونة الأخيرة.. فقد جاء الرّئيس نتنياهو، فتضجّر العرب كثيراً من غطرسته، وتمنّوا ذهابه، لعل القادم أفضل، حينها جاء يهود براك، فترحّم العرب على سياسة نتنياهو، وتمنّوا زوال براك، وكان لهم ما أرادوا، لتأتي صناديق الانتخاب حاملة quot;الفارسquot; شارون، عندها بكى العرب على العهد quot;البراكيquot; جرّاء ما وجدوه من quot;عنجهيّة
شارونquot; وغطرسته.
وفي ظنّ القلم أنّ شارون كان رجلاً عسكرياً، ولديه من بُعد النّظر ما يجعله يحسب كلّ خطوة يخطوها.. لذا جاء الرّئيس أولمرت حاملاً السّلاح، وطالباً بناء مجد سياسي له، مُشعلاً نار الحماس الوطني بين صفوف الإسرائليين، لذا أقدم على هذه quot;الكارثةquot;، الأمر الذي جعل العرب يبكون على شارون، فهو مقارنة بهذا الرّئيس يعتبر قمّة في الحكمة والصّبر والعقلانيّة!!
من هنا.. ألا يحقّ لنا ndash; وفق كل المعطيات السّابقة ndash; أن نقول: [.. وفي الليلة الظّلماء يُفتقد شارون]!
إنّ القلب ليحزن، والعين لتدمع، وليس لنا إلا الدّعاء، ثمّ انتظار الأمان والسّلام.. فليس في الأفق ما يمكن أن يُراهن عليه إلا اكتفاء الخصم بهذه الجراحات والمصائب..
ودعك قارئي العزيز من هذه quot;العنتريات العربيّةquot; فقد شبعنا منها مثلما شبع القلب من الألم والوجع والأنين على المكان والإنسان..
آه.. quot;اللّهم إنّي حزين ومتعب وجريح!!quot;

[email protected]