quot;لبنان خرجَ من الحرب منتصراًquot;؛ يزعمُ حسن نصر الله، زعيم حزب الله. quot;إسرائيل خرجت من الحرب، منتصرةquot;؛ يدعي أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي. لكلّ منهما، وفق إعتبارات عديدة عسكرية وسياسية، بعض الحقّ في ما يذهب إليه. ولكنّ المرءَ يتساءل، مستغرباً، ما هو موقع بشار الأسد، الرئيس السوري، من إعراب تلك الجملة الحربية، لكي يتغنى بالنصر المتحقق على العدو الإسرائيلي وفقدانه هيبته أمام المقاومة ؟؟ فالدولة العبرية، حينما ردتْ على عملية حزب الله بخطف جندييها، كانت على علم بيّن بإمكانياته وقدراته العسكرية، وكانت مستعدة لدفع الثمن الباهظ الذي أعقب قرارها شنّ تلك الحرب المفتوحة، الشاملة. ومن جديد، أيضاً، يتساءل واحدنا، عمن الذي فقد هيبته : أهوَ المحاربُ، وقد قام بما يعتقد أنه واجبه تجاه شعبه، أم ذلك المراقب عن بعد، القارع في طبل الشعارات القومية، الجوفاء، فيما جبهته العسكرية، المشرفة على أرضه المحتلة منذ عقودٍ أربعة، صامتة بلا منازلة ولا مقاومة ولا يحزنون ؟؟ نتذكرُ هنا دموعَ فؤاد السنيورة، رئيس وزراء لبنان؛ الدموع العزيزة، الصادقة، المنهمرة تأثراً لما حلّ بوطنه الحبيب من خراب وضحايا؛ نتذكرها، فيما نسمع ونرى ضحكات الدكتور الأسد المجلجلة، المقهقهة، وهوَ يتلو على ربعه خطابَ النصر المؤزر، فيقابله ذاك الحضور السقيم بالتصفيق والتهليل والهتاف. إنها دموعُ المستضعفين على الأرض، وما بقيَ غيرها سلاحاً لهم. أما تلك الضحكات، فهيَ للطاغوت المستأسد على أهله وأشقائه، العزل والضعفاء؛ وفي الآن نفسه، المتخاذل الرعديد أمام جبروت جيرانه الإسرائيليين، الأقوياء. بيْدَ أننا لا نقول، quot; أنّ قوة لبنان في ضعفه quot;، كما ترددُ الحكمة / أو اللا حكمة، المعروفة. بل نقولُ، أن ّ ديمقراطية لبنان وحريته هما مصدر قوته؛ وهما قدرُهُ ونصيبُهُ، وسط هذه الغابة الموسومة بالشرق الأوسط . هنا تكمن قوة لبنان، لا في quot; سلاح المقاومةquot;، كما يروّجُ له أهلُ الإستبداد ومأجوروهُمُ من إرهابيين وظلاميين وقومويين، علاوة ً على أبواقهم من إعلاميين موتورين ودعاةٍ دجالين.

في خطابه الأخير، أمام مؤتمر الصحفيين العرب المنعقد بدمشق، ينعَتُ الرئيسُ الأسد خصومَهُ اللبنانيين، من قوى 14 آذار، بـ quot; المنتج الإسرائيلي quot;. ولكي يبرهن على صحة توصيفه هذا، يقومُ بإستهلاك جمل ومفردات منتمية لعصور ما قبل التاريخ، العروبية، وبتوظيف ذكريات وحوادث من هنا وهناك. إلا أنه في غمرة فأفأته ولجلجته، يتناسى العميدُ، الجديد، للقومية العربية ( بعيْدَ إستقالة سلفه، القذافي!)، أنّ تلك القوى، العميلة لإسرائيل والمنفذة لأجندتها ـ كذا، هي التي تشكل الحكومة اللبنانية، الحالية، وأن كلاً من حزب الله ومنظمة أمل له وزيرٌ فيها : فهل لهؤلاء الأخيرين، المقاومين، علمٌ بتلك العمالة والخيانة، وهم المشاركون في الحكومة، فضلاً عن طاولة الحوار الوطني ؟؟ يقيناً، إنّ كاتبَ خطابات السيّد الرئيس ـ وهوَ على الأغلب أحد أولئك المحللين الإستراتيجيين، البليدين، الذين يتحفون فضائياتنا العربية بحضورهم ـ لم ينتبه إلى تلك السقطة الفادحة، الموصوفة آنفاً؛ وما كان له أن يفعل ذلك، مادام عرس المقاومة منعقد في لبنان وطبلها وزرنايتها موجودتان في سورية! كما أنّ الخطاب البليد ذاك، وهوَ يخوّن القوى اللبنانية، الإستقلالية، التي تحدّت وصاية النظام السوري وأثارت البلد عليها، لم ينتبه أيضاً إلى سقطةٍ اخرى، أكثر فداحة؛ وهيَ أنه بسوق مثل تلك الإتهامات الرخصة، إنما يثبت الإتهام على نظامه هذا بأنه هوَ من قام بتخطيط وتدبير إغتيال رموز تلك القوى الإستقلالية اللبنانية، بدءاً بالرئيس الحريري. فما دام الرئيس بشار الأسد، وبعظمة لسانه، يصرّح على الملأ في خطابٍ متلفز، بأنه كان يدرك طبيعة وأهداف تلك القوى الإستقلالية ـ المرتبطة بإسرائيل وأمريكا، حسب زعمه ـ ومنذ صدور قرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي؛ أليسَ هذا هو الدليل الساطع، الصارخ، المعلن إدانته وعصابته الإرهابية بتدبير جميع تلك الإغتيالات المذكورة ؟؟ خاصة ً أنه يبرر ذلك بتهم العمالة والخيانة، ويدعو بلا مواربة لرفض قرار مجلس الأمن الأخير، الخاص بلبنان، موقظاً بذلك فتنة الحرب الأهلية. علاوة ً على أن تهديد رأس النظام السوري هذا، الصريح، بإشاعة عدم الإستقرار في بعض الدول العربية، quot; المتخاذلة quot; ـ على حد تهريفه : أليسَ فيه ما فيه من إدانة لنظامه بتدبير الهجمات الإرهابية، المستهدفة دول الجوار، إضافة للدول العربية الاخرى ؟؟

كم كانت مثيرة للسخرية، تلك التشبيهات غير الموفقة، في ذلك الخطاب الهجوميّ. إنّ تهكم الرئيس الأسد بقوى 14 آذار، الإستقلالية، وما يتوقعه منها من : quot; ردة فعل، كوميدية، على الخطاب quot; بحسب تعبيره؛ هذا التهكمُ مردودٌ على صاحبه، ما دامَ يتجاهل ـ أو لا يعي، حقا ـ طبيعة المجتمع اللبناني ونظامه الديمقراطي، والمتيحة للصحافة ووسائل الإعلام الاخرى كلّ الحرية في التعبير عن آرائها وكذلك لمختلف القوى والشخصيات السياسية في البلد. ولو إلتفتَ الأسدُ لحظتئذٍ خلفه، لربما شعر ببعض الإحراج مما سيراه : فعلى طول وعرض الجدار المواجه للمؤتمرين، الموقرين، كان ثمة صورتان عملاقتان لصحيفتيْ quot; البعث quot; و quot; الثورة quot;، الحكوميتيْن، وقد خطّ بموازاتهما جملة تقول : quot; نحو صحافة ملتزمة بالفكر الوطني والقومي quot;. صحيفتان وأخت لهما بإسم quot; تشرين quot; حسب، هما المكرمتان الوحيدتان لنظام البعث للصحافة السورية عبر تاريخه؛ التاريخ المخزي، الممتد لأكثر من أربعين عاماً من القمع وكبت الحريات وإضطهاد أصحاب الكلمة. ولكي تتناهى quot; الكوميديا السورية quot; في خطاب رئيسنا هذا، فإنه لم ينسَ التهكم بدول الغرب ومؤسساتها الإنسانية : quot; التي تتباكى على صحفي قابع خلف القضبان في بلادنا وتسأل عن صحته، بينما هيَ تغض الطرف عن قتل مئات المدنيين في لبنان.. quot;، كما جاء في خطابه. هيَ ذي عينة اخرى من ديناغوجية ذلك النظام، تحيل وبقوة إلى مدى تورطه مع صنيعته الإيرانية ـ حزب آيات الله ـ في تفجير لبنان، سعياً لإبعاد الأنظار عما يحدث في سورية بالذات من إنتهاك لحقوق الإنسان. ويمضي خطابُ العصر الحجريّ، إذاً، في إستعاراته وأحجياته وأهجياته. إنه في سياق إبتزازه الصفيق للدول العربية، يتشدق برأي عام شعبيّ مماليء لسياساته، المغامرة، متناسياً حقيقة غاية في البساطة والأهمية في آن؛ وهيّ أنّ تلك الدول حرة في إعلامها ولا تقيد آراء مواطنيها، المتعددة : فماذا عن النظام السوري، المؤبد في إستبداده، ومجرد عريضة يوقع عليها مثقفون سوريون للمطالبة بتنقية الأجواء مع دولة لبنان وإحترام سيادتها؛ هكذا عريضة، كانت كفيلة وحدها للزج بأولئك المثقفين بالمعتقل والتشهير بهم كعملاء ومرتزقة.. ويحدثونك بعدئذٍ عن الرأي العام العربي، الشعبي!

[email protected]