الحلقة الثالثة

كلمة موجعة
قبل أن أ بدا هذه الحلقة على صعيد المقصود منها بالصميم أرجو أن أوضح بعض النقاط المهمة، ذلك إن بعض القراء وبعض الأصدقا ء أستغربوا من هذا الكاتب أن يطرق مثل هذا الموضوع الذي يعتبره البعض باليا، وأخرون يعتبره بطرا، و آخرون يعتبرونه سابقا لأوانه، ومن ثم، هناك من الأخوة من يستغرب من كا تب محسوب على خط العلمانية المؤمنة... المدني... الديمقراطي أن يطرق مثل هذه الموضوعات ! كيف وهو الكاتب الذي يتمنى أن يُقتطعَ جزء من بدنه إذا مات، ويدفن إلى جانب قبر (جاك دريدا) لعل نشارة عظامه تختلط بنشارة عظام ذاك الإ نسان العظيم آه ما أ جملك، وما أعظمك ! وهل أنسى وأنا المهاجر نظرية الضيافة في مواجهة إستلابي أنا المهاجر !
لا...

الحلقة الأولى
الحلقة الثانية

وفي الحقيقة كاتب هذه السطور بدوره يستغرب مثل هذه الإستغرابات ! فالموضوع ليس باليا، بل هو الآن على أشده من التجاذب المتبادل بكل إسفاف وتفاهة وقذارة، والموضوع ليس بطرا، ذلك أن مادته تحولت إلى آليات حذف عقدي ووجودي على ألسنة علماء السوء من الطرفين، وعبر قنوات فضائية مسمومة، ومواقع أنترنيت مبتذلة، وقد تلقفها السياسيون من السنة والشيعة لتكون مادة سجال تختفي وراءه مطامع شخصية ساقطة. وليس في ذلك ما يتناقض مع العلمانية المؤمنة ولا الديمقراطية ولا المدنية، فإن تذليل مشكلة عقدية متوهَّمة يساهم في إحلال السلم الإجتماعي، وتجنيب الأمة مشاكل الصدام والعراك الأهوجين من صلب الفكر المدني، ومن روح العلمانية المؤمنة التي أنتمي إليها بكل شرف.
كاتب هذه السطور وبإذن الله، وبفضل ( إيلاف) ـــ هذه العشيقة اللعينة، التي ما فتئت تغريه بجسدها الروحي المفارِق بالعودة إلى أحضانه الحارة كل ما قرر أن يهجرها ـــ سوف يواصل الطرق على هذه النقاط الحساسة، خاصة وإنه يراها معارك فكرية وهمية، جوهرها دوافع سياسية محضة، دوافع لعينة، حقيرة، مستميتة من أجل أن تتمزق هذه الأمة المسكينة على أعتاب مصالح دنيوية لا أكثر ولا أقل.
ولكن أليس هناك غرابة بالعنوان ؟
نعم !
هناك سني مسلم، و هناك سني طائفي، كما أن هناك شيعيَّا مسلما، وأخر شيعيّاً طائفيأ، والطائفية ضد الإسلام، قتل لجوهر الإسلام، فما دام هذا ا لدين يدعونا في روحه الصريحة إلى إعمال العقل، وتحكيم المنطق كما يقول دعاته من السنة والشيعة ـــ وحتى رواد المباغي والحانات وممتهني القيادة القذرة من كلا الطرفين ــ فما دام الأمر كذلك، فإن الإسلام مضاد للطائفية، سواء كانت مذهبية أو سياسية.
أليس كذلك ؟
نعم !
من هو السني المسلم ؟
أنه ذاك المسلم الذي يدافع عن ( الجعفرية ) فيما قالوا نحن نؤمن بمصحف واحد، وإنه هو القرأن الذي نزل على النبي لا غيره، وإذا ما جاء ( جعفري ) وأدعى أن هناك مصحفا غيره، وأن القرآن الذي بين أيدينا ناقص أو ز ائد أو محرف، في هذه الحالة، يقف السني المسلم ليرد على هذا الجعفري الجاهل، ليقل له : كلا، ألجعفرية طائفة مسلمة، وفي تراثهم ما ينقض هذا الكلام الأجوف، فإ ن ( الجعفرية ) الذين تدّعي تنتمي إليهم يقولون بقرآن و احد، نزل كاملا، وحفظ كاملا، وهناك من علمائكم من يصرح بذلك علنا، وفي تراثكم ما يؤصل ذلك مبدءيا وعقديا وتاريخيا.
هذا هو السني المسلم...
أما السني الطائفي، فهو نموذج أخر، يختلف تماما، فلو أن (جعفريا ) قال أننا نؤمن بقرآن و احد، وهو القرآن الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإن ما يقال عن تحريف القرآن، وما يقال عن مصحف فاطمة، لا يعدو أن يكون مجموعة أقوال شاذة، ومردودة، وهناك عوامل وعوامل خارج إ رداة الطائفة الجعفرية، سا همت في خلق هذه الأفكار، وإن الترا ث ( الجعفري ) يؤصِّل لكمال القرآن وقدسيته... لو أن ( جعفريا ) قال ذلك، سينبري له السني الطائفي، ويقول له : كذبت، أنتم ملة أخطر على الإسلام من اليهود، وإنكم تقاتلون إسرائيل تقية، وإن تراثكم مليء بما ينقض هذا الكلام، وإنكم تتداولون قرآنا سريا بينكم، وإن مناصرتكم ووقوفكم مع الدولة العثمانية ضد الأنلكيز كان دسيسة، وإنتم لا تعترفون بنبوة محمد، وإن قتلكم واجب !
نعم...
ذلك هو الفارق الجوهري بين السني المسلم والسني الطائفي...
تماما كما هو الفارق بين الشيعي المسلم والشيعي الطائفي... فأن الشيعي المسلم ير فض كل تهمة تتوجه للسنة تقول أن رب (السنة ) شاب أمرد، حجمه بالأشبار، وهو ينزل كل جمعة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، جالس على العرش، يضحك، يظلم، وإن السنة يحترمون يزيد، ويجلونه قاتلا للحسين. الجعفري المسلم يقول : هذه ليست عقيدة (سنيِّة ) أبدأ، لأن ( السنَّة ) أبناء القرآن، والعقل السليم لا يستقيم مع هذه التصورات عن الله تبارك وتعالى، وإذا كانت هناك نصوص ( سنية ) تفيد هذا المعنى، فإن هناك سوء فهم، ويجب تأويلها... فيما الشيعي الطائفي يأول كل نص سني ينطوي على التوحيد الخالص إلى تجسيد مرير، ينفر منه العقل، وتشمئز منه النفوس... فإن الشيعي المسلم يهدف سلامة المجتمع المسلم، تماما كالسني المسلم، ولكن الشيعي الطائفي ـ فيما لو لم يكن جاهلا ــ يستهدف مطامع ومطامح دنيوية قذرة، تماما كما هو السني الطائفي.
أليس هو منطق الحق ؟
وهل مثل هذا المنطق بعيد المنال ؟
في ضوء هذه الفكرة أطرح حلقة اليوم عن مصحف فاطمة الجعفري، ذاك المصحف ألذي أعتبره خرافة ليس على ضوء ماقب النص الشيعي والسني، بل في ضوء التراث الجعفري نفسه، وعهدا للقراء، سوف اواصل الكلام عنه رواية رواية، كلمة كلمة، حرفا حرفا، ولكن بهدوء...
نصوص ما قبل !
نقرا في أصول الكافي وهو أهم كتاب خبري عند الشيعة الإمانية الأثنى عشرية ما يلي :
قال في الكافي ( محمّد بن يحي الأشعري، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحي بن عمران الحلبي، عن ايوب،عن الحر قال : إن الله عزّ وجل ختم بنيكم النبيِّين فلا نبيّ بعده أبدا، وختم بكتابكم الكتب، فلا كتاب بعده أبدا، وأنزل فيه تبيان كل شي، وخلْقُكم، وخلْق السماوات والأرض ونبأَ ما قبلكم، وفصل ما بينكم، وخبر ما بعدكم وأمر الجنة والنار وما أنتم صائرون إليه ) / أصول الكا في 1 / ص 269 / والرواية حسب معطيات علم الدراية الجعفري صحيح، ولذا أوردها البهبودي في كتابه ( صحيح الكافي 1 / ص 31، ح 3 /.
هذه الرواية الجعفرية الصحيحة تؤبد نبوة محمد، وتؤبد القرآن الكريم، فلا بنوة بعد نبوة محمد، ولا كتاب منزّل بعد القرآن الكريم... وفي التراث ( الجعفري ) الكثير من هذا...
هذا النص أنا أسميه ( نص ما قبل ) لأنه حاكم على كل نص آخر، يتعلق بالموقف من الكتاب الكريم، فهو صحيح، وصارم، وحازم، ولغته لا تحتاج إلى أي تأويل، ويمكن أن يكون بل هو بالذات نقطة الإحالة ــ خلافا لذلك الإنسان العظيم دريدا الذي ينفي كل إحالة ــ التي يجب أن نُرجِع إليها كل الروايات التي تتعرض من قريب أو بعيد إلى كتاب الله، ومن هنا يمكننا أن نقول أن كل رواية تتحدث عن مصحف فاطمة ــ إن كان له وجود سابقا و/ أو حاليا و / أومستقبلا ــ يفيد أو يوهم بأنه وحي، وإنه قرآن بالمعنى المتداول عن كتاب الله عز وجل، و إنه ينافس القرآن المجيد في معلوماته، وتبيانه، والحاجة إليه... إن كل هذا الكلام محكوم عليه بالخرق، ومحكوم عليه بالهراء، ذلك أن الرواية السابقة حاكمة، بما لها من وزن من التوثيق، ووزن من صراحة اللغة، ووزن من صرامة الموقف، فإن القرآن حسب هذه الرواية الكريمة، لا كتاب بعده ( أبدا )، وفيه تبيان لكل شي، وبالتالي، ما معنى مصحف بإسم مصحف فاطمة ينزل من السماء، ويضاهي كتاب الله تعالى ؟ إن هذه الرواية تنفي كل كتاب منافس لكتاب الله عز وجل، بأي صورة كان هذا التنافس. هذا فيما إذا كانت الروايات التي تتحدث عن ( مصحف فاطمة ) يمكن الإطمئنان إليها، وهو ما سوف أتعرض له بالتفصيل. إن هذه الرواية ومن قبيلها الكثير مرجعية نهائية...
نقرا مثلا عن إمام الجعفرية الثامن ( أن شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تُنسخ إلى يوم القيامة، فمن أدعى النبوة بعده أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه ) / بحار الأنوار 79 ص 221 /.
هل هناك ما هو اوضح من هذا الكلام الجميل ؟
ولكن... وما أدراك ولكن !
أعرف سوف يجابهني بعضهم بروايات عن ( مصحف فاطمة ) قد تدعي هذه الروايات أن هذا المصحف بوحي ملك، وهو مصحف يعادل القرآن ثلاث مرات، وهو كتاب ليس فيه ما في القرآن الكريم... أعرف ذلك...
ولكن !
لماذا ننسى الروايات الجعفرية الأخرى التي تنفي أن يكون هناك وحي بعد أن ذهب رسول الله إلى ربه ؟ الروايات التي تقول أن القرآن تبيان لكل شي ؟ ولماذا لا نأخذ بنظر الإعتبار عشرات من علماء الشيعة قديما وحديثا ينكرون أن يكون هناك قرآن غير الذي بين أيدينا ؟ ولماذا لا نتعامل مع الحس الشيعي العام، حيث لا نجد في مساجدهم وحسيناتهم وفواتحهم وتفسيراتهم غير هذا القرآن ؟
روايات المصحف الفاطمي المزعوم أشكال، وألوان، وأصناف، مما يدل على أن القضية ملتبسة، وفيها قيل وقال، وفيها أسرار خفية، وأخف رواية هي تلك التي تقول أن مصحف فاطمة هو مجموعة روايات أملاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فا طمة، لا أكثر ولا أ قل !
لماذا لا نأخذ هذه الصيغة بنظر الإعتبار، ونركز على غيرها مما يوهم با لكفر وا لتمرد على الله ؟
هل في ذلك ضرر وخروج على قواعد الوحي الكريم ؟
إذن لنقرأ الروايات التالية : ــ
bull;في طبقات بن سعد (... رأيت عند عبد الله بن عمرو صحيفة، فسألته عنها، فقال : هذه الصادقة، فيها ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،وليس بيني وبينه أحد ) / المصدر 4 ص 262 /
bull;في سنن الدارمي ( ما يرغبني في الحياة إلاّ الصادقة والوهط، فاما ا لصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله صلى الله وسلم، وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كا ن يقوم عليها ) / المصدر 2/ 127 /
bull;ونقرا في تقييد العلم ( أخبرنا علي بن عبد الله المؤمل، أخبرنا إسماعيل بن محمّد الصفار، حدّثنا عباس بن محمد بن حاتم، حدّثنا محمّد بن الصلت، حدثنا شريك عن ليث عن طاووس عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : الصادقة : صحيفة كتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) / المصدر ص 84 /.
وهناك أكثر من رواية ورواية في هذه الصحيفة، ومايكمل مهمة البحث الذين نحن في صددها، أن هذه الصحيفة توارثها أحفاد عبد الله بن عمرو، حتى إستقرت عند حفيده ( عمرو بن شعيب بن محمّد بن عبد الله بن عمرو ) المتوفي سنة 120 هجرية أو سنة 118 هجرية، وكان يروي عنها قراءة وحفظا من أصلها / أصول الحديث ص 194 /
هل هناك مزيد ؟
نعم !
هناك صيغة تفيد أن الصحيفة عبارة عن كتابين، أ حدهما حديثي تشريعي، والثاني غيبي تكويني، فقد ( قال أبوسعيد بن يونس في تا ريخ مصر عن حياة بن شريح، قال : دخلت على حسين شُفي ـ إسم شخص ــ بن مانع الأصبحي، وهو يقول : فعل الله بفلان، فقلت : ماله ؟ فقال : عمد إلى كتابين، كا ن شفي سمعهما من عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أ حدهما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وقال رسول الله ف كذا، والآخر : ما يكون من الأحداث إلى يوم القيامة، فأخذهما، فرمى بهما بين الخولة وا لباب ) /خطط المقريزي 2 ص 332 /.
هل هناك مزيد ؟
هنا ك أ كثر و أكثر، ولكن نؤجله لوقت أ خر...
ماذا نستفيد من صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص هذه ؟
أولا : أن له صحيفة باسمه، هي صحيفة عبد الله بن عمرو...
ثانيا : إن هذه الصحيفة صادقة في كل ما فيها.
ثالثا : أنه سمعها عن رسول الله.
رابعا : سمعها عنه وحيدا.
خامسا : فيها قضاء ما كان وما يكون.
ترى أي فرق بين صحيفة فاطمة وهذه الصحيفة، صحيفة فاطمة بصورتها المعقولة ؟
لا شي
ولكن حب واحكي وأكره واحكي
وإذا كان الكافي خال من أي حديث نقلا عن هذه الصحيفة إلا نادرا، فأن صحاح السنة تضمنت الكثير من صحيفة عبد الله هذا، وهناك كتاب بهذا العنوان، أي الصحيفة الصادقة مستل من الصحاح وغيرها ! !
لا أريد أن أسرد الكثير عن هذه الصحيفة، ولأجل المزيد راجع ( مشكلة تدوين الحديث في عصر البنبي، تاليف غالب حسن الشابندر طبع وتوزيع دار العلوم سنة 1994، بيروت، وقد عرضه للطبع مرة ثانية على دار نشر كان يملكها نائب رئيس مجلس العراقي الان الشيخ خالد العطية، ولكن الأخير رفض طبعه بحجة إن المؤلف يتهجم على العلماء ونشك بولاءه الاسلامي، وهو علماني النزعة !!!!!، اتمنى أن أطبعه مرة ثانية بعد زيادة وتنقيح ).
لا أريد أن اطيل...
ولكن أقول : هناك منطق السني المسلم ومنطق السني الطائفي، كذلك هناك منطق الشيعي المسلم ومنطق الشيعي الطائفي...
وبالنسبة لي، لا أصدق بمصحف فاطمة بأي صورة ورد، ولا أصدق بصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص رغم صحتها في الفكر الروائي السني...
وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة.