لكتاب: الشيعة في العالم / صحوة المستبعَدين واستراتيجيتهم / المؤلف: فرنسوا تويال / مدير الدروس في المدرسة الحربية العليا للجيوش الفرنسية، ومستشار رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، متخصص في الدراسات الاستراتيجية.
المترجم عن الفرنسية: نسيب عون.
المطبعة: دار الفاربي، سنة 2007، وتاريخ نشره في الفرنسية سنة 2001.
مشروع الكتاب و أهميته:
يتحدث الكتاب بشكل رقمي مركّز عن وضع الشيعة في العالم كطائفة مسلمة نشطت في السنوات الأخيرة، تحديدا، وعلى وجه ينفع في الدخول الى صلب الموضوع بعد إنتصار الثورة التي قادها آية الله الخميني في إيران، وما تلاها من تداعايات وتطورات طرأت بقوة وسرعة هائلتين على مجمل الوجود الشيعي في العالم. ويركز الكاتب على قضية تشكل محور الكتاب تقريبا، مؤداها (أن الشيعة أصبحت عاملا جغراسيِّا مهما، بسبب الأوضاع الصراعية التي يمكنها التسبّب بها، أما داخل ا لفضاء الإسلامي وإمّا خارجه...) ص 19 من المقدمة. ويزيد المترجم هذه الفكرة الجوهرية، أو فكرة الكتاب أصلا بالقول (منذ خمس سنوات / الطبعة العربية سنة 2997 / صار الصراع السني ــ الشيعي أساسا في الجغراسيا بين المتوسط والخليج العربي ـ الفارسي ـ الهندوسي) ص 23. وبالفعل، فلا يمكن لأي مرا قب أن يتناسى أن هناك صراعا يوميا بين المسلمن السنّة والشيعة في العراق وباكستان ولبنان والسعودية وافغانستان، وكل بلد أ سلامي يتواجد فيه الطائفتان المسلمتان الكبيرتان.
هذا الصراع ظهر فيه الشيعة فاعلون، أ ي ليس كما كانوا فيما قبل، فهم أ ما في دور السبات والخمول والتقية والابتعاد عن السياسة، أو عبارة عن جسم تجري عليه عمليات الموقف الذي يريده الآخر، وعلى هذا الاساس يرى المؤلف (في الشرقين الأ دنى والأوسط يبدو، من الآن فصاعدا، أنّه لا يمكن تقرير أمر، سواء على صعيد السياسة الداخلية أو على صعيد العلاقات الخارجية، من دون أن تؤخذ الوقائع الشيعية في الاعتبار) ص 31.
إذن مشروع الكتاب هو سياسي حضاري صراعي، يهم كل المهتمين بشؤون الشرقين الأقصى والاوسط، خاصة على صعيد مستقبل هذه المنطقة التي أخذت تنذر بخطر كبير، يهدد العالم بحرب عالمية لا تبقي ولا تذر. الكتاتب مفكر فرنسي استراتيجي من الطراز الرفيع، معروف بالوسط ا لتعليمي والعلمي في هذا المجال، وقد أعتمد الاحالات العلمية والرقمية، ويمكن للقاري أن يستشف دقة الكاتب من الأحصاءات التي اوردها والبيانات التي ارفق بها كتابه، فقد أربعة ملاحق في نهاية الكتاب، عن فروع الشيعة وتسميات هذه الفروع ومجمل تواريخ مهمة لها علا قة بمشروع الكتاب، وأخيرا بيان احصائي عن عدد الشيعة في مناطق تواجدهم في العالم.
الكتاب يتكون من قسمين رئيسين، يتحدث في القسم الاو ل عن الشيعة غير العرب (الايرانيون، الهزارة في أفغانستان، علويو تركيا، شيعة القارة الهندية، شيعة أسيا الوسطى)، وفي القسم الثاني يتحدث عن الشيعة العرب (المفارقة العراقية، الخليج الشيعي، اليمن الشيعي، أقدار درزية، ثار الشيعة اللبنانيين، ومن ثم خلاصة مهمة بعنوان: إنفجار شيعي!!).
في القسم الاول يعنون البحث بـ (الشيعة الإيرانية: نجاحات وحدود) فيما يعنون القسم الثاني بـ (الشيعة العربية أو صحوة المستبعَدين). فهو يقر سفا أن هناك إ نتصار شيعي إ يراني، وهناك بودار صحوة شيعية عربية أ و عودة صحوة متحققة فعلا.
نقطة فارقة من البداية
يقدم المؤلف لكتابه بتعريف عام عن الشيعة وفرقها، وذلك تحت عنوان رئيسي (شيع الشيعة) يستغرق عشر صفحات بلغة علمية واضحة رقمية مركّزة، في سياق تاريخي متسلسل، وينتهي الى نتيجة أراها صحيحة (... إن العالم الشيعي منذ أ كثر من الف عام،هو مجموعة من المجرّأت تتوالد فيها الفرق المعقدة والمختلفة...) مستخلصا النتيجة من سير هذه الطائفة عبر مخاضاتها العسيرة، سواء على على صعيد تجربتها الفكرية وما صاحب ذلك من انشقاقات هائلة، أو على صعيد ممارستها القيادة السياسية في المغرب العربي أو المشرق الإسلامي، وفي المقدمة الدولة الفاطمية والدولة الحمدانية والدولة الصفوية، أ و على صعيد علاقتها مع السنةعبر قرون طويلة ومشحونة بالفعل ورد الفعل.
الكاتب ريما يكون مصيبا عندما يرى أن الشيعة بشكل عام، ما عدا الامبراطورية الفارسية عانت من الظلم وا لإضطهاد الشديدين، وبسبب ذلك فإن (هذه الطائفة تبقى على الصعيدين الفردي والجماعي خزانا للأفكار الثورية قابلا للانفجار العنيف...) ص 45.
الكاتب حريص جدا على التمييز بين الشيعية الإيرانية والشيعة، ويؤكد أنهما عالمان وليس عالما واحدا، والدمج المصيري بل والنشأوي / اذا صح التعبير / بين الشيعة ككل وإيران جاء متاخرا وبفعل فهم خاطي وربما متعسف للحقيقة. ولكنه في الوقت ذاته يشكك بكون الشيعية متأصلة في إ يران! ودليله على ذلك (الوضع المتقلقل للشيعة في القرن الثامن عشر، عندما حاول الشاه نادر أن يقيد إرساء ا لمذهب السني في إيران على أثر التهديدات التي جابهه بها الافغان، لكن مقاومة رجال الدين الشيعة أحبطت المحاولة...) ص 51. وفي تصوري أن التشيع في إيران لا يتمتع بأصالة تاريخية ولا اصالة فكرية، وهو تشيع يتعرض للاهتزاز السريع بمجرد أن تتوفر مجالات عمل مضاد داخل المجتمع الايراني، ولقد تمكّن الفكر الوهابي اجتياح ربوع مدنية (قم / عاصمة التشيع الروحي في أيران /)، وقد تدارك الامر مجموعة من العلماء العراقيين، وكان لكتاب (بحث حول الولاية) لمحمد باقر الصدر اثره الكبير في مواجهة هذا ا لزحف الوهابي. وفي تصوري أن مستقبل التشيع في إ يران عرضة لهزّأت كبيرة، سببها سقوط القدوة الدينية في ايران، وهبوب رياح التحولات الفكرية الغربية القوية على مناخات الفكر الديني الا يراني، ثم السياسة المتعنتة للحكومة الايرانية في المناطق الشيعية العربية، فهناك اخبار تؤكد أن الوهابية وجدت لها مواقع متقدمة في الاهواز العربية بسبب الموقف الإيراني ا لمتشدد تجاه القوميات غير الفارسية.
إيران: أين العقدة؟
يتحدث الكاتب عن الشيعية الايرانية با سهاب، مركزا في الدولة / الامة الايرانية، ويرى أن السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية لا تختلف عن سياسة إيران التقليدية، اي المحافظة على النفوذ و (تدارك أي تهديد من جانب منافسيها التقليديين، روسيا وتركيا والعربية السعودية وباكستان...) ص 62. ويزيد الفكرة وضوحا ساطعا عندما يقول (لأن إيران اليوم تقوم على نواة شيعية يحيط بها طوق من الأقليات الوطنية غير الشيعية وذات ميول إنفصالية غير معلنة صراحة، قد تشكل نقاطا واهية ومناطق اختراق لإعداء محتملين) ص 62.
الأديولجيا، وفي الصميم منه الفهم الشيعي للإسلام حاضرة على الدوام في حالة إيران (كسبب أ و نتيجة، كهدف او حجّة...) ص 64.
يتساءل الكاتب إن كانت الإستراتيجية الايرانية الحقيقية ليس إلاّ السعي لعدم تطويقها ومحاصرتها... ولذلك في تستخدم الاقليات الشيعية لأسباب منها مواجهة هذه البلدان / أي بلدان الطوق الايراني السنية /) ص 70، والكاتب ينطق في هذا التساؤل، لا ن هناك حقا نفوذا إيرانيا على الكثير من الحركات بل الشعوب الشيعية في هذه البلدان، كما أن هناك دعوى إ يرانية عالمية وليست قومية، وأن المهمة التي تضطلع بها إيران هو الدفاع عن الاسلام، بل وتشكيل عالم اسلامي متحرر من نفوذ الغرب، يحمل رسالة عالمية.
الشيعة الاعاجم من غير الإيرانيين
يلخص قضية الشيعة من غير العرب بعد أن يستوفي كلامه عن شيعة ايران، فيلخص رايه حول شيعة الهزارة بقوله (تغير عالم الهزارة منذ خمسة عشر عاما، فقد أصبح جزءا لا يتجزا من الواقع الافغاني، وتاليا من اللعبة الاقليمية وحتى الدولية. كانت الشيعة الهزارية أحد محرّكي هذا التحول، وستبقى طويلا عنصر تلاحم لهذه الاثنية، أضافة إلى ذلك إن استخدام طهران للقضية الهزارية سيدوم) ص 89. وأما عن علويي الشيعة في تركيا فيرى المؤلف انهم يرون في النظام الاسلامي تهديدا لهم، ولذلك يتماهون مع الكمالية ويرفعون شعار الليبرالية والعلمانية، وقد برز فيهم علمانيون من الطراز الرفيع، وهم الان (متعلقون أكثر منهم في أي زمن مضى بعلمانيتهم وقيمهم اليسارية، ويتابعون تأييدهم للأوساط التي تحمل لواء ما بعد الكمالية) ص 93. ويلخص وضع ا لشيع في القارة الهندية بالسطور التالية (اليوم يلخّص وضع هؤلاء الشيعة المتحدّرين من العالم الأ نغلو ـ هندي للقرن التاسع عشر كالأتي: في باكستان يُقدّر عددهم بما بين سبعة وعشرين وخمسة وثلاثين مليونا، علما أنه يصعب الحصول ععلى احصاءات دقيقة، لان باكستان تريد نفسها دولة سنيّة، وهي تسعى، لأسباب أكيدة ومعروفة، للتقليل من عدد الشيعة، ووزنهم السياسي، بخاصة أنهم منقسمون بين أكثرية إثني عشرية وأقلية إسماعيلية، أما في الهند، حيث الشيعة أقلية في الاقلية، فيقدر عددهم بحوالي خمسة وعشرين مليونا، وهم منقسمون بدورهم بين المذهبين المشار إليهما... إن مثل الشيعة في باكستان والهند يُظهر أنه من الصعوبة بمكان لأي طائفة شيعية حيثما وجدت، أن تعيش بسلام إلى جانب أكثرية سنية، حتى في المناطق الشيعيةالمنفردة التي تعيش فيها هذه الطائفة منذ زمن، نتيجة لنفوذ سياسي وديني إيراني قديم، لا مجال لحياة هادئة. والتهميش الذي تتفاوت فيه نسبة العدائية بين صعود وهبوط، لا يمكنه إلاّ أن يخلق لدى السكان الشيعة ردّات فعل، للدفاع عن نفسها) ص 100.
الشيعة العرب
يولي الكاتب أهمية متميزة للشيعة العرب، نظرا ــ كما يبدو لي ــ لأن أ صل التشيع عربي، أو لما يسوقه البعض من إتهامات يراها المؤلف ليست صحيحة بحق الشيعة العرب على صعيد علاقتهم بإيران، فالشيعة العرب يتعزون بعروبتهم، ويناضلون من أجلها، والمذهب الذي يجمعهم من الفرس لا يعني بالضرورة تبعية شيعية عربية للشيعية الفارسية بطبيعة الحال، وهذا ما يثبّته بدقة على وجه الخضوص بالنسبة لشيعة العراق (المهم الإشارة إلى أن شيعة جنوب العراق فضلوا قوميتهم العربية على إنتمائهم الطائفي...) ص 117، بل كان شيعة خوزستان وهم عرب يفضلون العيش في ظل نظام علماني وليس مذهبي كما هو الحال في نظام الجمهورية الا سلامية الإيرانية على حد تعير الدستور الايراني نفسه.
شيعة العراق العرب حقيقة تاريخية ثابتة في صميم التربة العراقية منذ الدولة البويهية / القرن العاشر الميلادي /، وإغفال هذه الحقيقة من قبل أي طرف أو جهة يسبب الكثير من المشا كل، ويغرق العراق بالمأسي وا لمظالم والحروب الداخلية. ولذلك يغمز الكاتب بموقف بعض الحكام العرب الذين قرروا اتخاذ موقف معادي للشيعة العراقيين رغم عروبتهم، فإن ذلك قمين بأن يخلق العديد من المتاعب للمنطقة العربية بحد ذاتها.
وإذا كانت أصالة شيعة العراق العربية والوطنية تشكل أ حدى الحقائق الناصعة، فإن ما حصل عليه شيعة العراق نتيجة مواقفهم المعادية لصدام حسين وما تلقوا على يده من ظلم وعنت وتشريد وقتل وتهجير تشكل حقيقة أخرى يجب على الا خرين ا حترامها والتعامل معها على أساس الموضوعية فضلا على أساس اصالة حقوق الإنسان مهما كان دينه ومذهبه وقوميته.
يتحدث عن شيعة الخليج بلحاظ أنهم أقلية من جهة وللدور الاقتصادي النفطي الذي يلعبه الخلج من جهة اخرى، فإن أي خطر يبدر من هذه الا قلية في الخيليج يؤثر بشكل وآخر على العلاقة بينها وبين الانظمة الخليجية، بل والعالم كله. ويلوح بضرورة إشراك شيعة الخليج في إدراة العملية السياسية، فإن ذلك أ ضمن موقف لتجنب المشاكل التي يمكن أن تسبب بها هذه الاقلية، ومن هنا يتساءل وبحق (هل سيتيح النفط حل المسالة الشيعية، أم بالعكس، سيزيد من التوترات الموروثة من التاريخ؟ الجواب عن هذين التساؤلين يعني الفاعاليات الأقليمية، ويتوقف بخاصة على مواقف سائر الاطراف في هذه المنطقة) ص 128.
شيعة اليمن يقفون على مفترق طرق كما يرى المؤلف، فهم بين مواجهة وموادعة، وعليهم أن يختاروا الطريق الأكثر سلامة لحاضرهم ومستقبلهم، فيما يلعب شيعة لبنان دورا إقليميا أ و شبه إقليمي، خاصة وقد صار لهم موقع في قلب بيروت، فيما كا ن الشيعي اللبنانية موطن من الدرجة الثانية، وهم يتمتعون بقدرات كبيرة من الذكاء السياسي والاجتماعي، وقد تحولوا من رقم بائس إلى رقم فاعل، بل رقم مهيمن في بعض المواقع والمواقف، ولكن يتخوف على شيعة لبنان من مراهنة شبه أزلية على حماتهم من الايرانيين والسوريين، أو أصدقائهم، فهذه المراهنة خطرة، وما عليهم سوى ا لاعتماد على الذات، لان هذه الحماية أو هذا الدعم لا يخرج من دائرة المصالح السياسية في النتيجة الاخيرة.
استنتاج أخير
يخرج علينا الكاتب باستنتاج أخير ذي دلالة كبيرة، فهو يقول (عمليا، ستتطور الشيعة من داخل، كما دأبت على ذلك منذ نشوئها، ولكنها لن تتفتت، فالشيعة، بتأكيدهم لخصوصيتهم المميزة، سيبقون في مواجهة السنة، وهؤلاء في دورهم لن يتمكنوا من التضييق على أ ولئك. فالشيعة سواء في تركيا أو في إيران، في الخليج والبلدان العربية، وحتى في باكستان والهند، قد صارت الآن جزءا لا تجزأ من المجتمع الدولي والعالم الاسلامي) ص172. وعلى هذا الاساس أرى من الضروري أن يعيد البعض حساباتهم السياسية والفكرية في التعامل مع شيعة العالم.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات