هل كانت نتائج الانتخابات التشريعية الأردنية الأخيرة (20/11/2007) مفاجأة للجميع، أم كانت نتائجها متوقعة؟
في حقيقة الأمر أن هذه الانتخابات كانت مفاجأة للجميع من حيث النتائج التالية:
1-كانت هذه الانتخابات بحق انتصاراً كبيراً للنسوية السياسية الأردنية. فقد كان من المفاجئ منذ البداية أن يترشّح لهذه الانتخابات 199 مرشحة لأول مرة في تاريخ الانتخابات الأردنية، مقارنة بما تم في انتخابات 2003، حيث ترشّح 54 مرشّحة فقط. وهذا يعني أن الوعي السياسي النسوي الأردني تقدم في خلال أربع سنوات حوالي 400%. وهذه الظاهرة السياسية مكروهة وغير مرضية لـ quot;جبهة العمل الإسلاميquot; (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) في الأردن، التي تحول بين المرأة والسياسة، وبين المرأة والقضاء، وبين المرأة والحكم، كما هو الحال مع جماعة الأخوان المسلمين في مصر، وغزة، ومع كافة جماعات الإخوان المسلمين، ومن انبثقوا عنهم في العالم العربي. ولكن الدولة الأردنية التي تخطو نحو العَلْمانية خطوات واسعة وبجداره، أشركت المرأة في السياسة بدفعها المرأة في العمل السياسي دفعاً إلى الأمام (نظام quot;الكوتاquot;، والتوزير، والتعيين، في مجلس الشيوخ، وفي القضاء.. الخ)، رغم تشدد التركيب الاجتماعي وانغلاق الأفق الديني الأردني. فأصبحت المرأة الأردنية نائبة في البرلمان، وعضواً في مجلس الأعيان (مجلس الشيوخ) حيث يوجد فيه 7 نائبات، ووزيرة (أدخل نادر الذهبي رئيس الوزراء الجديد ثلاث نساء في الوزارة من أصل 20 وزيراً، وهي من أعلى النسب في العالم). وأصبحت المرأة الأردنية قاضية ورئيسة محكمة. ويوجد في الأردن 19 قاضية من بينهن قاضية في المحكمة الجنائية الدولية في راوندا. وكانت المرأة مستشارة إعلامية (سيما بحوث) للملك عبد الله الثاني، ثم أصبحت وزيرة في وزارة الذهبي الجديدة. وأصبحت المرأة حاكماً إدارياً (سهير المعايطة). وظل تحريم الإسلامويين الأردنيين لعمل المرأة في هذه المجالات وغيرها حبراً على الورق، وكلاماً في الهواء، ولا مجيب رسمياً له. واكتفى الإسلامويون من إسلام المرأة بقطعة قماش، تضعها بعض نساء الطبقات الفقيرة على رؤوسهن كحجاب أو كنقاب، لكي تكون مسلمة بحق برأي هؤلاء.
2-لقد دلّت نتائج الانتخابات على أن هناك ست نساء، فزن بفضل نظام quot;الكوتاquot; إضافة إلى نائبة طبيبة فازت بالمنافسة خارج نظام quot;الكوتاquot;، كما لم يحصل في انتخابات 2003. وهذه هي الحصيلة الأكبر من المقاعد في تاريخ الأردن. وهكذا أثبت نظام quot;الكوتاquot; للمرة الثانية جدواه وفائدته لدفع النسوية السياسية الأردنية مؤقتاً إلى الأمام، في مجتمع عشائري ذكوري ومحافظ كالمجتمع الأردني، وإلى أن تصبح المرأة قادرة على الفوز بالمنافسة لا بـ quot;الكوتاquot;. ونظام quot;الكوتاquot; رغم معارضة الكثيرين له، إلا أنه رياضة سياسية نسوية جيدة، تؤهل المرأة الأردنية لكي تكون لائقة سياسياً في المستقبل القريب. وقالت إحدى الفائزات (ثروت العمرو) في الانتخابات، أن وجود نظام quot;الكوتاquot; هو ما حفزها للترشح للانتخابات النيابية، كما أن نتيجة الفوز جاءت وفق التوقعات، لعدم توقعها الفوز منافسةً مع الرجل. وهذا ما يدعونا إلى المطالبة بزيادة عدد مقاعد quot;الكوتاquot; في الانتخابات القادمة 2011 إلى عشرة مقاعد بدلاً من ستة، كما هو الحال في هذه الانتخابات، والانتخابات السابقة 2003. ولكن ليست هذه هي المفاجأة، وإنما المفاجأة أن هؤلاء النائبات فزن في مناطق ذات مجتمعات منغلقة، ومتشددة إلى حد ما اجتماعياً ودينياً، حيث ما زالت المرأة هناك quot;عورةquot; و quot;ناقصة عقل ودينquot; (ربما كانت المرأة كذلك قبل 14 قرناً، أما الآن فلا)، عداك عن التشدد السياسي التقليدي بمعنى الولاء المطلق للعشيرة والقبيلة وليس للبرنامج الانتخابي والخطاب السياسي (طلّق رجل زوجته أمام الناس في منطقة المفرق، لأنها انتخبت مرشحاً من عشيرتها وليس من عشيرته). فهؤلاء النائبات لم يفزن في منطقة عمان الكبرى، المنفتحة اجتماعياً وسياسياً والمتقدمة اقتصادياً وعمرانياً على كل مناطق الأردن، وإنما فزن في مناطق فقيرة ومتشددة اجتماعياً ودينياً كالطفيلة، والكرك، وأربد، ومعان، والبلقاء، والزرقاء، ومادبا؛ أي مناطق الأطراف. وكلها مناطق ذات مجتمعات محافظة ومتشددة دينياً، وخاصة تجاه المرأة، وعملها السياسي على وجه التحديد. بل من المعروف أن أكبر موجات الإرهاب التي سافرت إلى العراق خرجت من هذه المناطق، كالزرقاء (أبو مصعب الزرقاوي)، والبلقاء (إرهابي الحِلَّة رائد البنا- السلط). وهذا يعني أن هذه المناطق بانتخاب هذه الكوكبة من النائبات، أخذت بوسائل الحداثة السياسية والاجتماعية، ورفضت خطاب quot;جبهة العمل الإسلاميquot; التي تدعو إلى لعن القوم الذين يولّون على أنفسهم امرأة. حيث يجب وضع هذا القول في سياقه التاريخي قبل 14 قرناً. فهذا الحكم لم يكن موجهاً ضد المرأة بشكل عام، وعلى مر العصور في الحديث النبوي، ولكنه كان موجهاً حصراً لبوران الفارسية ابنة ملك الفرس أبرويز بن هرمز بن أنو شروان بالذات، التي تولّت الحكم في بلاد فارس بعد موت أبيها. وهم من عبدة النار في ذلك الحين. ولكن رجال الدين العرب (الإسلام العربي) تمسكوا - من خلال فحولتهم وذكوريتهم الطاغية- بهذا القول وعمّموه على نساء المسلمين كافة وفي كل العصور. فرفض هذا التعميم رجال الدين الإسلامي الآسيوي من الباكستانيين، والأتراك، والإندونيسيين، والماليزيين، وولّوا المرأة أرفع المناصب السياسية الرفيعة. فوصلت المرأة إلى رئاسة الوزراء في الباكستان (بنزير بوتو) وفي بنغلادش (خالدة ضياء)، وإلى رئاسة الجمهورية في اندونيسيا (ميغاواتي سوكارنو بوتري)، وإلى رئيسة حزب كبير في ماليزيا (عزيزة إسماعيل رئيسة حزب العدالة القومية)، وإلى مجلس النواب في تركيا (دخلت 48 نائبة إلى البرلمان في آخر انتخابات تشريعية 2007). أما رجال الدين الإسلامي العرب، فقد حالوا بين المرأة وبين الرئاسة الأولى، حتى الآن. (أنظر برنامج الحزب الجديد للإخوان المسلمين في مصر، الذي يمنع المرأة والقبطي من تولي منصب رئاسة الجمهورية).
3-سقوط 16 مرشحاً من مجموع 22 مرشحاً لـ quot;جبهة العمل الإسلاميquot; (الذراع السياسي للإخوان المسلمين) ونجاح ستة مرشحين فقط، مقارنة بنجاح 17 مرشحاً في انتخابات 2003، كان مفاجأة للجميع من حيث سرعة صحوة الناخب الأردني، وسرعة إسقاط الناخب الأردني للشعارات الدينية/السياسية الغامضة والملفقة كشعار (الإسلام هو الحل). فرغم جُلِّ الخدمات الاجتماعية والصحية الكثيرة التي تقدمها quot;جبهة العمل الإسلاميquot; كرشوة انتخابية للمجتمع الأردني الفقير، وفرص العمل التي تتيحها هذه الجبهة للشباب العاطل عن العمل بنسب بطالة كبيرة، وصلت في المدة الأخيرة إلى أكثر من 15%، إلا أن الناخب الأردني لم يعُد ترضيه ملاعق عسل الإخوان المسلمين، وهذه (البراطيل) (الرشاوى) التي استعملتها في السابق حماس للفوز في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في مطلع 2006، وحملت حماس إلى كرسي الحكم الحجري. وكانت النتيجة ما حصل في غزة الآن، التي تعتبر من أكثر مناطق العالم بؤساً، ونكبة، وفقراً، وجوعاً، ولم ينفع معها الشعار السياسي/الديني الغامض والملفّق (الإسلام هو الحل) كدواء فاقد للصلاحية. ويبدو أن الناخب الأردني قد أدرك هذه الحقيقة بسرعة، قبل أن تغرق السفينة الأردنية كما غرقت السفينة الفلسطينية. فهو لا يريد أن يرى الأردن يوماً غزةً ثانية. كما أن النموذج الغزاوي الحمساوي، أصبح كوباء الجَرب المكروه في كل مكان.
4-والمفاجأة أن سقوط 16 نائباً من quot;جبهة العمل الإسلاميquot; لم يتم في مناطق هامشية، ليس للجبهة فيها أي ثقل سياسي وشعبي، بل تمَّ هذا السقوط المدوي في مناطق تُعتبر مناطق امتياز وأشبه بالحكر على quot;جبهة العمل الإسلاميquot; ومضمونة النتائج الانتخابية دائماً لصالح الإسلامويين كالزرقاء، وأربد، وعمان. ورغم هذا لم يُفز أحد من مرشحي الإخوان المسلمين في هذه المناطق. وفي هذا أشارة كبيرة وعميقة للخيبة السياسية المدوية التي نزلت بـ quot;جبهة العمل الإسلاميquot;، وتحوُل الشارع الأردني عن هذه الجبهة، التي بنت أمجادها السياسية السابقة على حساب التيارات السياسية الأردنية الأخرى، عندما تمَّ إفراغ الساحة السياسية لها وحدها فقط بعد عام 1957، ولمدة امتدت أكثر من عشرين عاماً.
5-لم يكن متوقعاً هذا الإقبال على صناديق الاقتراع من قبل الناخب الأردني. فقد بلغت نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع 57%، وهي نسبة تقترب من نسب الاقتراع في أوروبا وأمريكا، وتفوق نسبة إقبال الناخب المصري في الانتخابات التشريعية الأخيرة 2005 التي بلغت 25% فقط. علماً بأن مصر بدأت الانتخابات التشريعية كآلية من آليات الاستحقاق الديمقراطي قبل الأردن بقرن من الزمان تقريباً، عندما أقرّ الخديوي إسماعيل بإقامة أول مجلس للشورى في مصر عام 1866، وكذلك عندما تقرر بعد دستور 1923 إقامة حياة برلمانية على النظام الغربي، يتمتع فيها مجلس النواب المصري بالسلطات التشريعية والرقابية المعروفة بالغرب.
أما كون تداعيات هذه الانتخابات غير مفاجئة، فذلك دليله:
1-أن الإسلامويين في الأردن اعتادوا عند خسارتهم في الانتخابات البلدية والتشريعية السابقة، أن يرموا الانتخابات بالتزوير والتلاعب، وادعاء عزلهم من قبل السلطة عن تحقيق النتائج المرجوة من وجهة نظرهم. فهم دائماً يرمون الانتخابات بالتزوير والتلاعب، ويرفضوا الاعتراف بهزيمتهم نتيجة لسقم وقدم واصفرار خطابهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وارتباطهم بحركة الأخوان المسلمين في مصر التي حوّلت مصر إلى إيران ثانية كما قال نجيب ساويرس، ودفاعهم الحماسي عما فعلته حماس في غزة في انقلابها على منظمة التحرير الفلسطينية، وتحويل غزة إلى مستنقع للهوام والمرض والفقر والفلتان الأمني، وتعاطفهم مع الإرهابيين في العراق واعتبارهم quot;مجاهدينquot;، وهرولتهم لتقديم واجب العزاء في الزرقاء، عندما قتل الإرهابي الأكبر الزرقاوي.
2- أن ما تدعيه quot;جبهة العمل الإسلاميquot; من تزوير للانتخابات واستعمال هذا التزوير كشمّاعة لتعليق الخيبات السياسية المتلاحقة لهذه الجبهة، قد دحضته عدة جهات من منظمات المجتمع المدني، راقبت الانتخابات، ومنها المرصد الانتخابي الأردني التابع لـ quot;مركز دراسات الأردن الجديدquot;. فقد شهد مديره هاني الحوراني في برنامج quot;عينٌ على الديمقراطيةquot; (قناة quot;الحرةquot; 25/11/2007) بأن الانتخابات الأردنية كانت حرة ونزيهة، وجرت بدون انتهاكات، أو حوادث تُذكر. وأن هذه الانتخابات كانت أول فرصة لمؤسسات المجتمع المدني لمراقبة مثل هذه الانتخابات. كذلك، فقد تضمن التقرير الأولي لشبكة الانتخابات في العالم العربي quot;التقدير العميقquot; لإتاحة الفرصة لستة عشر مراقباً ومراقبة، ينتمون إلى تسعة أقطار عربية، متابعة عملية الاقتراع. وخلُص فريق الرقابة إلى أن عملية الاقتراع في المراكز التي زارها اتسمت quot;بدرجة مقبولة من السلاسة والتنظيم وحسن الإدارةquot;. وتبين للفريق أن عملية الاقتراع وفقاً للإجراءات والأحكام التي ينصُّ عليها قانون الانتخاب الأردني لعام 2003 كانت تتسم quot;بقدر كاف من النزاهة والشفافية ومطابقة للمعايير الدوليةquot;.
3-تكررت في أعقاب هذه الانتخابات المطالبة بقانون جديد للانتخابات يتماشى مع قوانين الانتخابات في الدول الغربية الديمقراطية، كما كانت تتكرر بعد كل انتخابات، منذ أن جرت أول انتخابات تشريعية بعد الاستقلال عام 1947، وأنتجت أول مجلس نيابي (1947-1950). ومن المحتمل هذه المرة أن يصدر قانون جديد وعصري للانتخابات يرقى بالعملية الانتخابية أكثر فأكثر، بعد أن تبين للسلطة أن الناخب الأردني قد يكون جديراً بقانون جديد للانتخابات، رغم أنه ما زالت هناك عدة مظاهر انتخابية مشينة، منها ظاهرة شراء الأصوات، وإدعاء أميّة بعض الناخبين، والولاء المطلق للعشيرة، وانتخاب نائبها دون جدل أو نقاش (على العمياني) كما يقولون، والتي فصلناها في المقالين السابقين في الأسبوعين الماضيين. وتظل عوائق صدور مثل هذا القانون الجديد مرتبطة داخلياً بهذه العوامل وغيرها، وخارجياً بما يجري على الساحة العربية من فوضى واقتتال وغوغائية، وخاصة لدى جيران الأردن كسوريا والعراق وفلسطين.
فالأردن ليست دولة تحدها شمالاً هولندا، وجنوباً السويد، وشرقاً فنلندا، وغرباً الدنمارك.
السلام عليكم.
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات