رسالة مفتوحة إلى منظّمي مؤتمر زيورخ

وصلتني رسالة الدّعوة للمشاركة في المؤتمر الخاص بـquot;منظّمة الدّفاع عن الأقليّات في الشّرق الأوسطquot;، والّذي سينعقد برعاية منظّمة quot;الأقباط متّحدونquot; في الأسبوع الأخير من مارس المقبل في مدينة زيوريخ في سويسرا. وبعد قراءة حيثيّات الدّعوة وجدت من المناسب التّعقيب عليها بما يلي:

أوّلاً:
لا أدري ما هي حدود هذا quot;الشّرق الأوسطquot; الّذي تتحدّثون عنه. كما أنّي لا أدري من أين أتيتم بهذا العدد، أي تعداد أبناء الأقليّات في الشرق الأوسط مثلما ورد في رسالتكم، فقد ذكرتم أنّ تعدادهم يبلغ 120 مليون نسمة. فما هي هذه الأقليّات الّتي تتحدّثون عنها؟

ثانيًا:
لا أظنّ أنّه يمكن النّظر إلى قضايا حقوق الأقليّات في الشّرق الأوسط بمعزل عن القضايا العامّة الّتي تواجه أهل هذه البقعة من الأرض. صحيح أنّ أبناء هذه الأقليّات في هذه المنطقة يواجهون صلفًا وتنكيلاً من جانب الأنظمة الاستبداديّة الفاسدة المتحكّمة فيها طوال عقود كثيرة، غير أنّ أبناء هذه الأقليّات لا يختلفون في هذه المعاناة عن سائر المواطنين، بل على العكس فهم يشاركون سائر المواطنين، ممّن ينتمون إلى صفوف quot;الأكثريّةquot; من كبت الحريّات، ومن صنوف التّنكيل الّتي تنزلها بهم هذه الأنظمة القبليّة الفاسدة.

ثالثًا:
لا أظنّ أنّ منظمة تحمل اسم quot;الأقباط متّحدونquot;، على ما يحمله هذا الاسم من دلالات انعزاليّة، بوسعها أن تكون حاملاً لرسالة الانفتاح بين إبناء هذه المنطقة، وهي الرّسالة الّتي آمل أن تكون راية جميع قُطّان هذه البقاع على اختلاف خلفيّاتهم. إنّ الدّلالة الواضحة من اسم كهذا، مثلها في ذلك مثل كلّ منظّمة تحمل اسمًا دينيًّا؛ هي دلالة التّقوقع ضمن خانة دينيّة ضيّقة وهي نقيض ما يتطلّع إليه كلّ من يريد الوصول إلى دولة المواطنين دون فرق بين خلفيّاتهم الإثنيّة، الدّينيّة، الطّائفيّة، المذهبيّة وما إلى ذلك.

رابعًا:
لا أظنّ أنّ المكان اللاّئق لانعقاد مؤتمر من هذا النّوع هو بلد أوروبي، أو أيّ بلد آخر يقع خارج حدود ما تطلقون عليه اسم quot;الشّرق الأوسطquot;، بل يجب أن ينعقد مؤتمرٌ من هذا النّوع في أحد البلدان الشرق-أوسطيّة، وبين أهل هذه البلاد على جميع أطيافهم. فقط بذلك يكون لمؤتمر كهذا صدى إيجابيًّا وحقيقيًّا، ومن ثمّ تثقيفيًّا للرأي العام المحلّي.

خامسًا:
لا أظنّ أنّ عقد مؤتمر من هذا النّوع، ومن ثمّ انبثاق لجنة عنه تعنى بحقوق الأقليّات هو ما يحتاجه أبناء هذه المنطقة. إذ أنّي أرى إنّه وبدل التّقوقع في خانة الأقليّات، فإنّ الحاجة الماسّة هي إطلاق مبادرة جامعة تشمل أبناء هذه المنطقة على جميع مللهم ونحلهم يدعون فيها إلى بناء الأوطان على أساس المواطنة المشتركة العابرة للقوميّات والطّوائف الدّينيّة.

***
أمّا بعد،
ولأنّي لا أؤمن بأيّ من الخرافات الدّينيّة الّتي نشأت في هذه البقعة من الأرض، يهودية كانت أم مسيحيّة أم إسلاميّة، أو أيّ خرافة دينيّة تؤمن بها طوائف أخرى في هذه البقعة، أو في أصقاع أخرى من العالم. ولأنّي أرى الدّين، كلّ دين، هو مجرّد تأليف أدبيّ إنسانيّ ليس إلاّ، ولا يوجد فيه أيّ شيء مقدّس، فهو لا يختلف في ذلك عن أيّ نتاج أدبيّ إنساني آخر، وبوصفه كذلك فهو يقبل النّقد والنّقض والقبول في آن معًا.
ومن هذا المنطلق، فإنّ الدّعوة يجب أن تكون أوّلاً وقبل كلّ شيء إلى فصل الدّين عن الدّولة من جهة، ومن ثمّ الدّعوة إلى حظر الأحزاب الّتي تتسمّى باسم الدّين، إسلامية كانت أم مسيحيّة أم يهوديّة أم غيرها لا فرق. كذلك هنالك حاجة إلى حظر الأحزاب الّتي تصادر اسم الله لصالحها فتتسمّى باسمه، وكأنّ الله ملك لها وحدها دون غيرها من عامّة المؤمنين. إنّ الإيمان بمعتقد دينيّ أو عدم الإيمان بأيّ معتقد هو أمر فرديّ يجب أن يبقى كذلك، ولا علاقة للدّول والمؤسّسات والأحزاب به. إنّ القانون المدني وحده هو الّذي يجب أن يسري على جميع المواطنين على قدم المساواة بينهم لا يفرّق بينهم جنسًا أو عنصرًا.
ولأنّي أمقت العنصريّة الّتي تظهر من قبل أبناء الأكثريّات تجاه أبناء الأقليّات، فإنّي في الوقت ذاته أمقت العنصريّة الّتي تأتي من لدن أبناء الأقليّات تجاه الأكثريّات، إذ أنّ العنصريّة، كما أرى، لا تتجزّأ.
لذلك، آسف لعدم تلبية دعوتكم لهذا المؤتمر. وأودّ التأكيد هنا على أنّ عدم تلبيتي لدعوتكم لا يعني بأيّ حال عدم وقوفي إلى جانب حقوق أبناء الأقليّات في هذه البقعة، بل على العكس من ذلك تمامًا. إنّما أدعو إليه هو قيام دولة مدنيّة صرفة يعيش فيها النّاس على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم وخلفيّاتهم الإثنيّة سواسية أمام قانون مدني واحد يسري على الجميع.
والعقل وليّ التّوفيق.

[email protected]