ما أن علمت الأم أن ابنتها الصبية الجميلة، التي لم تكمل ربيعها الثاني والعشرين، حامل بسفاح، حتى جن جنونها، وبدأت تخطط كيف ستتعرف على والد الجنين، وكيف ستقنعه بالزواج من ابنتها اتقاء للفضيحة، ولكي ينمو الطفل في كنف والديه.. بدلاً من أن يرمى في دار للأيتام، ويصبح عالة على المجتمع.
تخطيط جميل ومنطقي، يجب أن يتبعه الأهل، في حال وقعت ابنتهم في حب رجل ما، وحملت منه، بغض النظر عن قوميته أو دينه، كي لا تقع المصيبة على رأس الطفل المولود كما وقعت في منطقة حارة حريك اللبنانية.
ولكن سرعان ما انقلب تخطيط الأم الإنساني الى شيطاني، بعد أن باحت ابنتها باسم والد الجنين، وبأنه مصري الجنسية، فاحمرت عيناها، وتدلت شفتاها، وبدأت تحك جلدة رأسها، الذي آلمها كثيراً من كثرة التفكير وقلة النوم.
لن ترضى، ولو نطحت الارض السماء، بأن تتزوج ابنتها شاباً مصرياً مهاجراً، يكدح من أجل لقمة عيشه، ويعيش على سطوح البنايات، ويتكلم بلهجة غير لهجتها من الصعب أن تفهمها أو أن تتأقلم معها.
كما لن ترضى بأن ترضع ابنتها حفيداً غريب البذرة، وهي التي مننت النفس بأن تزوجها لشاب لبناني وسيم، إبن أصل وفصل، يحفظ الإرث ويكثر النسل.
وبعد خمسة أيام على ولادة الطفل، وضعته الجدة (الحنون) في كيس أسود من النايلون، ورمته في محلة حارة حريك، قرب موقف عائد لأحد المطاعم، لتنهشه كلاب الشوارع ولتلتهمه قططها الجائعة، أو لتلتقطه أيدي عمال التنظيفات وترمي به في أحد مكبات القمامة.
هكذا والله..
وكأن الطفل، في هذا الزمن الرديء، مجرد قمامة!.
وكأن الأهل مجرمون ساديون يتلذذون بسحق جماجم أطفالهم!.
ولكي تكون النهاية مفرحة، ونادراً ما تكون، أبت العناية الالهية أن يموت الطفل داخل نعشه (النايلوني) الأسود الذي دفنته به أيدي جدته السوداء، فعثرت عليه الأيدي البيضاء، وسلمته للقوى الأمنية، التي سلمته بدورها لأمه بعد أن ألقت القبض على الجدة، وأدخلتها السجن.
الواضح من هذه القصة أن الجدة تخلصت من الطفل رغم توسل ابنتها وبكائها ومعارضتها الشديدة لتلك الجريمة البشعة.. وإلا للحقت بوالدتها الى السجن، ولما سلمتها القوى الأمنية فلذة كبدها.
كما أن الجدة ما كانت لتتخلص من حفيدها لو لم يكن أبوه مصرياً، وتناست أن مصر هي قلب العروبة النابض، وراية أمجادنا.. وحاضنة أجمل عجائبنا السبع وأرقى حضارات البشرية، وأن الملايين من أهلنا يصاهرون مصر، على رأسهم فنانتنا الكبيرة صباح التي أحبت مصرياً وأنجبت منه (هويداها) حبيبة أمها، مثلها مثل الكثيرين من عظمائنا وعظيماتنا، الذين تعجز الارقام عن تعدادهم.
ثم، لو لم تحب ابنتها ذلك الشاب المصري الوسيم، لما وهبته عذريتها، ولما أنجبت منه طفلاً، والفتيات الجاهلات يعلمن أن هناك حبوباً لمنع الحمل، فكم بالحري فتيات الجرائد والمجلات والراديوات والتلفزيونات.. والانترنت.
إنه، وباختصار شديد، الحقد الأعمى لكل ما هو ضد تفكيرنا وعاداتنا وطائفيتنا وكنتوناتنا ومذهبيتنا وعصبيتنا القومية والعشائرية والعرقية.. إنه الرفض القاتل للآخر. فكيف، والحال كهذه، سنتعايش، ونتلقح، ونصبح اخوة، كما يريدنا الله أن نكون.
تعالوا نتصاهر، ونتزاوج، ونتقارب.. تعالوا نصبح عائلة واحدة، بدلاً من ان نتقاتل ونتحارب ونتباعد، فلقد تعبنا من الموت وآن الاوان كي نعيش.
- آخر تحديث :
التعليقات