quot;التعصب ليس أن تحب قومك، بل أن ترى شرار قومك أفضل من خيار الآخرينquot; (الإمام زين العابدين بن الحسين)

التعصب آفة عظيمة، ومصيبة كبيرة. وخطورة هذا المرض تكمن ليس في كونها علّة مزمنة فقط كأيّ مرض آخر، إنما المريض المصاب بعدوى التعصب لا يعلم، بل ولا يريد أن يعلم انه مريض وانه بحاجة إلى الشفاء.
المتعصب لا يرى سوى لونين الأبيض والأسود. وكذلك فهو لا يعترف بشيء اسمه خط الاستواء أو الوسط في عدم الانحياز إلى طرفي معادلة ما من معادلات الحياة.
وفي هذا يستوي المتعصب القومي والديني والمذهبي والحزبي.
المتعصب لا يرى أي نقص أو شائبة في نفسه والجماعة التي ينتمي إليها. فالموازين عنده غير الموازين، والمقاييس ليست بتلك الّتي يعرفها الأنام. فهو يتصور نفسه وجماعته كمالاً مطلقاً. والحال إنه مهما حاول المرء مساعدة الكائن المصاب بالتعصب، في شرح الوقائع، وتحديد الأخطاء، والمآسي يستحيل الأمر بمثابة استنبات البذور على الحجر الصلد. والتعصب شقيقٌ عزيز للتخلف، تخلف العقل والروح، يستمد كلاهما الإدامة والطاقة من الآخر.
حين تنقد الإنسان الكردي والجماعة الكردية، ينتفض المتعصب الكردي رافضا شاتما، يعتبر ذكر الأخطاء والكوارث عارا وشنارا وخيانة !
والمتعصب التركماني يقفز فرحاً وكأنه وجد كنزا ثمينا يعيده إلى بني قومه.
والمتعصب الآشوري وكذا العربي والآخرون يحذون حذو الشقيق المتعصب فيتناوشون جميعا سيل الشتائم التي لا تثبت سوى انهم جميعا مستقرون في الكارثة، الكارثة التي اقتنعوا بها جنّة يديمون فيها بنعرة تعصباتهم وخزعبلاتهم. والأمر كذلك حين ننقد العرب أو الترك أو الفرس أو اتباع الأديان والمذاهب. ما اكثر النُكَت والأمثلة التي تنال من مكوناتنا على سبيل التسفيه والاستصغار من الشأن. فهؤلاء في كمائن دوماً عسى أن يجدوا ضالتهم من كلام يفتح قريحة شتائمهم وتشفّيهم بعضهم من بعض. لكن أقول لهم نحن جميعاً أبناء منطقة واحدة وقضايانا واحدة وعيبنا واحد ورفعتنا واحدة.
إذن فمهرجان التعصب له عجائبه، حتى في عصرنا هذا الذي أمدنا بفضل العبقرية التكنولوجية بوسائل نقدر على الاجتماع ونحن جميعا متفرقون في أصقاع الأرض.
الغريب إن المتعصبين جميعا يدّعون فخراً انتسابهم إلى خلفيات ثقافية وحضارية تفوق ما لدى الآخرين في مزايدة عظيمة.
ولا اعرف حقا سرّ فنهم الوحيد وإنتاجهم الدائم، ألا وهو التعصب والميل نحو مواجهة الآخر مواجهة عداء وصراع. فبدل أن يقدموا ما لديهم من لطائف الثقافات والحضارات التي يدّعونها، واستضافة الناس على موائد (فضائلهم) يتخمون أسماعنا شعارات، واتهامات، وأكاذيب، وشتائم. ولا علّة ولا سبب لذلك سوى ذينك الشقيقين العزيزين: الجهل والتعصب.
في مقال سابق عن الشيخ (محمد بن راشد آل مكتوم)، ذكرت النزر اليسير عن بعض صفات هذا الرجل الممتاز ومنجزاته التي حريٌّ بنا الاقتداء بها. اعتبر بعض الإخوة المتعصبين، ذلك، إهانة ونكاية بكردستان، وفقاً لموازين التعصب، فمدح هؤلاء يعني بالضرورة ذمّ الآخرين. وقد قيل لي هنا في كردستان من بعض الأصدقاء وأناس الحكومة الكردية أن المقارنة غير جائزة بين كردستان و الإمارات العربية المتحدة. فتجربة كردستان جديدة ورضيعة، لا يجوز عبرها المقايسة ببلد ذي عمر طويل، وإمكانيات وثروات هائلة . ولكن الجهل منع أولئك الناس من معلومة بسيطة أن نهضة الإمارات الحقيقية بدأت عام 1985. ولكنّ التعصب يأبى إلاّ المضي قدماً نحو مغاوره القاتمة، فلا يسكن الأمر إلاّ بالتسليم أو التولي عن ذلك شأو المغرب إلى المشرق. ولكن نزولاً عند رغبة التعصب هذا والجهل ذاك نحيد عن الإمارات العربية وقائدها الحكيم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. ونعرض على متعصبينا مثالا آخرعلّنا نتصالح معهم، فيغفروا لنا ذنوبنا العظام في نقدنا واستقدام المقارنة الممنوعة المحرمة.
حتى لا ننسى ان الأحزاب الكردية منذ عام 1991 تحكم في كردستان، وتتحكم بمصادر مالية كبيرة. إذن فلنسأل ولنقارن كردستان ذي حكم كردي خالص ليس مع الإمارات الغنية بل مع مملكة الأردن الفقيرة .
بداية يجب أن نعلم أنّ عدد نفوس كردستان ليس بأكثر من نفوس الأردن بل واقل من ذلك. ومن حيث الثروات والواردات لا يمكن مقارنة ارض الأردن الفقيرة القاحلة بأرض كردستان الغنية بالموارد الطبيعية فضلا عن خصوبتها كأرض زراعية.
لكنّ المفارقة أن مملكة الأردن تحولت إلى مستشفىً مبارك للناس في كردستان الذين يستعصي عليهم العلاج هنا في مشافي كردستان التي - تعاني- تقريباً من كلّ شيء.
ومملكة الأردن الفقيرة تحولت ليس إلى ملجأ آمن غنيٍ للهاربين من جحيم البترول العراقي فحسب، وإنما إلى منتزه جميل لأغنياء وتجار وميسوري الحال في كردستان، وبعضهم يقضي شهر العسل هناك في عمّان. أما في كردستان فيأتينا حتى الخضار من سوريا وإيران بل وحتى من الصين والهند.
قيادة الأردن وعلى رأسها الملك الشاب (عبد الله) وعلى خُطى أبيه، يقود هذه المملكة بروح إنسان لا يحتقر شعبها وأناسها. ولا يُدخلهم في الحروب البهلوانية الكارثية. ولا يقمع آراءهم وفسحة حريتهم. وكذلك لا يَرى رخاءهم وغناهم كثيراً عليهم، فيمُنّ عليهم عبر إعلام مزيّف ليل نهار. كلاّ، فـقيادة الأردن وعلى رأسها الملك عبد الله وبجدارة استطاعت أن تجعل من ارض قفراء، مملكة سعيدة بفضل الحكمة والمحبة والعمل المخلص.
إذن وجود النفط والثروة ليس سرّ تطور الإمارات العربية كما يظن البعض. بل السرّ في وجود قيادة حكيمة راشدة لها الرؤية الواضحة والتخطيط السليم الواضح المجبول بمحبة الشعب لواقع ومستقبل البلد.
كردستان منذ عام 1991 فضلاً عن المساعدات الخارجية، حصلت على أموال هائلة من رسومات الجمارك الحدودية من تصدير النفط إلى تركيا.
ومنذ عام 2003 هناك ميزانية مخصصة في الحكومة المركزية العراقية لكردستان بنسبة 17% أي ما يقارب سبعة أو ثمانية مليارات دولار سنوياً.
وهذا المبلغ في واقع الحال نعمة وفيرة لشعب كردستان الذي يبلغ تعداده بين ثلاثة أو أربعة ملايين.
ولكن تجوالاً سريعاً بين المدن والقرى، واستطلاع آراء معظم أهل البلد يبين جليّاً كم هم في معاناة وألمٍ وعذاب وبلاء.
شوارع مدينة أربيل - على سبيل المثال - لم تبلط منذ عهد نظام صدام حسين. الخدمات العامة تعاني أزمات حادة وقاتلة. فالتيار الكهربائي ممنوع من الصرف إلاّ ساعة أو ساعتين ليلا ونهارا. وفي الشتاء الذي قضيناه بلغ سعر برميل النفط 250 دولارا. وقنينة الغاز تحولت إلى مصباح سحري يركض الجميع وراءه في طوابير تطول مدتها ويدوم مقامها أياماً وليالي طوال.
الفقر منتشر إلى أقصى الحدود. الكل يشكوا باستثناء طبقة السلطة والتجارالكبار.
لا يَمرّ يوم إلاّ وأحداث جلل تقشعرّ لها الأبدان، تحدث في كردستان بسبب الفقر والمعاناة وصعوبات الحياة. قراءة الجرائد الكردية تبين ذلك بوضوح . نسبة القتل والانتحار في كردستان مرتفعة جداً. لا يخلو أيّ عدد من أعداد الجرائد الكردية من عدة حالات تحدث في مدن وبلدات هذه البلاد. واعتقد - ولست جازما في ذلك - أن كردستان ربما تحتلّ المرتبة الأولى في العالم من حيث نسبة الانتحار بين النساء والرجال. إذن نحن نكتب من عمق المعاناة والعذاب. ولذلك أقول واكرر ما أحوجنا إلى قيادة حكيمة ومخلصة وراشدة مثل رئيس وزراء الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وكذلك ملك الأردن عبد الله بن الحسين اللذان اثبتا بجدارة في مثالين مختلفين نجاحهما تجاه شعبيهما .
قل لي من هو حاكمك ؟ اقول من أيّ الشعوب أنت!