في الذكرى السنوية الرابعة للتفجيرات الإنتحارية في الدار البيضاء المغربية في السادس عشر من مايو / أيار 2003 و التي كانت في التقويم السياسي و الإجتماعي المغربي أوسع فعل و عمل إرهابي بشع في تاريخ المغرب الحديث تتجدد الأسئلة و التساؤلات حول ماهية الأفواج العدمية من الشباب الضائع التي ودعت كل مراحل الأمل و تنازلت عن كل الأحلام الكبيرة لتتحول في برهة إنتقالية من الزمن لمشاريع إنتحار جماعي و لقنابل بشرية تهدد لا بنسف مجتمعاتها فقط بل لتدمير الدين الإسلامي الذي بات يصور اليوم بأبشع صورة حتى تحول المسلم لإرهابي إلى أن يثبت العكس و حتى بات الإسلام مشروعا من مشاريع الدمار الشامل بدل أن يكون طريقا للحياة الحرة و أملا للعباد في التخلص من عبادة الأوثان و الطواطم إلى عبادة رب العباد، فالفشل السياسي و الإقتصادي الذي تراكم في الحياة العربية قد حول الدين لحاضنة طبيعية للخلاص و الهروب من عوالم الهزيمة الحضارية بكل أبعادها السياسية و العسكرية وهي حالة طبيعية و مفهومة لكل المجتمعات المهزومة و لكن في الحالة العربية الشاذة برز الدين لا كعنصر خلاص بل تحول للأسف لمعوق حضاري يضاف للمعوقات الأخرى المكبلة لحرية الأمة و المشوهة لأفكار أجيالها بعد هيمنة تيارات التكلس و التطرف و التحجر و التي كانت حاضرة و جاهزة على الدوام في كل مفاصل و عصور التاريخ العربي و الإسلامي و منذ مراحله الأولى حيث برز الفكر التكفيري للخوارج من وسط المحنة و بين صفوف الجيوش المتقاتلة في حروب الفتنة الكبرى و التي أريقت فيها أنهار من دماء المسلمين لم تنقطع روافدها حتى اليوم حيث تتجدد بصورة هزلية و سوداوية كل صور التاريخ الشاذة الماضية و حيث تهدر دماء المسلمين و العرب في حروب عبثية هدفها السيطرة لتيارات التخلف العدمية التي إستغلت الأوضاع الشاذة خير إستغلال لتمرير خطاباتها المريضة المعبرة عن روح الأزمة و الهوة الحضارية و الفكرية.
تفجيرات الدار البيضاء قبل أربعة أعوام كانت نقطة البداية لمشروع الهدم الحضاري لتيارات التوحش و الموت و قد جاءت بعد متغيرات مذهلة هزت العالم لعل من أهمها سقوط نظام البعث العراقي بتلك الصورة الأقرب إلى المهزلة منها إلى المأساة و إزاحة الستار عن كل أكاذيب و إدعاءات أنظمة الهزيمة و الإستبداد و قادة الكلام الفارغ الذين تبينت بطولاتهم الإعلامية من خلال عضلات اللسان و من خلال التهويش اللفظي و محاولة خداع الجماهير بعناصر قوة لم تكن موجودة بل كانت إدعاءا لم تكتشف حقيقته إلا في ميادين الوغى الفعلية، فسقوط بغداد السريع كان سقوطا شاملا لمرحلة من أشد مراحل التاريخ الحديث تحولا و دموية و خداع، و كان يعني فتح المجال لصفحات تاريخية و تغييرية جديدة لا حدود لأبعادها لو أن هنالك في الأمة من يلتقط الفرصة و يقتنص المرحلة، و لم يكن الإرهاب و نشاط فرق الموت التكفيرية بالحالة الجديدة بل كان ذلك النشاط حاضرا على الدوام منذ تسعينيات القرن الماضي و شاهدنا موجاته القاتلة في شوارع الجزائر و القاهرة و دمشق و تابعنا جولاته التسخينية من خلال المد الأصولي الواسع الذي تغطى للأسف بحماية بعض الدول و الأنظمة التي رعته لينقلب عليها فيما بعد كوحش فرانكشتاين تماما و يوجه سهامه القاتلة و المسمومة نحو حاضناته السابقةّّّ!!، ففرق الموت المتنقلة المتغطية بشعارات الجهاد البراقة لم تأتي من المريخ بل نبتت في عمق المجتمعات التي إنقلبت عليها و تغطت بنفس الملاءات التي كانت تتغطى بها بعض الأنظمة العربية و هي تتملص من مطالبات جماهيرها بالتغيير!!، لقد هزت موجات التفجيرات الإنتحارية في المغرب قناعات عديدة و رسخت أسسا جديدة و عبدت الطريق لأجيال تكفيرية قادمة أخرى ووسعت من مساحة التحالف بين قوى الموت و الدمار و العدمية، فمن الدار البيضاء كانت بداية التصعيد لتتدفق أفواج البهائم المفخخة على الشرق العربي و على العراق لتمعن قتلا و تفخيخا و تدميرا لكل أسس الحياة و لتنغمس في اللعبة الطائفية وفي مخططات الموت التي زرعها و شيد أسسها نظام البعث البائد، و العجيب هو إختلاط الرؤية القاتل عند الكثير من قادة الرأي و الفكر، فمن يفجر نفسه في عمان أو القاهرة أو الرياض أو مراكش هو إرهابي مجرم و قاتل !! بينما من يفجر نفسه في أسواق بغداد و البصرة و النجف و كربلاء هو مجاهد و شهيد تشيعه ملائكة الرحمن!! و هذا هو للأسف صورة الإعلام العربي الملتبس بشعارات الفرق الضالة المضللة، فجماهير العراق المسحوقة بجرائم العصابات التكفيرية و الطائفية ليست دمائها و أرواحها رخيصة بل أنها الضحية الكبرى و القربان الأكبر في معركة الحرية ضد البربرية و الظلام، و على أهل الرأي و الحجى و الضمير الحر في العالم العربي التكتل في جبهة واسعة واحدة لمحاربة الإرهاب من بغداد و حتى الدار البيضاء و من حلب حتى نواكشوط لحماية الإنسان العربي و لوقف عدوان إيديولوجيات التخلف و العدمية المتعصبة على أرواح و أرزاق و مصالح الفقراء و الأبرياء و المستأمنين، في الذكرى الرابعة لمأساة الدار البيضاء علينا تذكر مأساة الشعب العراقي وهو يحارب الإرهاب وحيدا منفردا في ظل موجة عداء و تشويه لا نظير لها في تاريخ البشرية المعاصر و تتطلب حشد كل الطاقات الخيرة لمساندة الشعب العراقي في محنته و أزمته التاريخية، فمن العراق لا غيره ستكون نهاية الإرهاب و سيقبر القتلة، و أي تهاون أو مجاملة مع التيارات الإرهابية سيكون أمرا مكلفا ستدفع شعوب المنطقة جميعا أثمانا باهضة لها من مستقبلها و دماء شبابها... إنه التحدي الأكبر في زمن الفتنة الكبرى الجديدة.

[email protected]