من مفكرة سفير عربي في اليابان
هناك قلق مستقبلي، بين المسئولين في الدول العربية، من خطورة نقص الغذاء في الوطن العربي، بسبب زيادة السكان ونقص الموارد المائية وقلة الاهتمام بالزراعة. ومع دخول التكنولوجية الحديثة في الزراعة، حاولت الكثير من دول العالم التعامل وبنجاح، مع التحديات الزراعية الجديدة. والجدير بالذكر بأن الإحصائيات العالمية المستقبلية مقلقة أيضا. فمن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان العالم مع حلول عام الإلفين والمائة، وتنفذ موارد الطاقة التقليدية، ويزداد الجفاف مع التغيرات البيئية، بالإضافة من الاستفادة من المواد الغذائية في تكنولوجيات حديثه ستؤدي لنقص الغذاء العالمي وارتفاع الأسعار.
ومن الدول القلقة من مستقبل التحديات الزراعية هي اليابان. فقد كتبت اليابان تايمز في افتتاحيتها في الثامن عشر من شهر يونيو من هذا العام تقول quot;الخطة الزراعية للحكومة اليابانية لعام 2006 تحث على زيادة الانتاج المحلي مع تزايد عدد سكان العالم وزيادة انتاج البيواثينول الذي يستنفذ الذرة، مما أدى لتزايد أسعار الأغذية. وتقدر الأمم المتحدة بأنه سيزداد سكان العالم من 6.7 مليار الى تسعة مليارات عام 2050، كما سيزداد استهلاك الحبوب في الدول المتطورة للضعف عن متوسط عام 1999-2001، الذي يقدر الان بحوالي مليار طن سنويا. وتقدر الإدارة الأمريكية للزراعة بأن الكمية المستخدمة من الذرة لانتاج البيو اثينول ستزداد من 18% في عام 2006 الى 31% خلال العشرة سنوات القادمة. والتخوف العالمي هو نقص تصدير الذرة من الولايات المتحدة. كما ازدادت أسعار حبوب القمح والصويا بسبب الجفاف في بعض الدول المصدرة. ويؤكد التقرير الحكومي الياباني بضرورة زيادة الاستفادة من الاراضي الزراعية بكفائه وأستعادة زراعة الاراضي المهجورة.
وقد كانت قيمة الإنتاج الزراعي الياباني في عام 2005 حوالي 8.48 تريليون ين ياباني وبزيادة تقدر 2.6% عن السنة السابقة. وانخفضت الحقول الزراعية في عام 2005 بحوالي 40% مما كانت عليها قبل عشرة سنوات سابقة. كما ابدى تقرير الحكومة اليابانية عن القلق بأن الاراضي الزراعية قد قلت ثلاثمائة وستة ثمانين هكتارا عن عام 2005 لتصبح 4.67 مليون هكتار في عام 2006. والسبب الرئيسي لأهمال هذه الاراضي الزراعية هو كبر سن الفلاحين وتوقفهم عن العمل. والمشكلة بأنهم لا يبيعون أراضيهم ليزرعها الاخرون. لذلك من الضروري إيجاد حلا جذريا لهذا الموضوع للاستفادة من هذه الاراضي المهجورة للزراعة.quot;
كما أبدت الصحف اليابانية قلقها من استخدام المواد الزراعية لإنتاج البيوإثينول، وذلك لتقليل اعتماد اليابان على استيراد النفط. وقد كتب شنيشي ترادا في جريدة اليابان تايمز بتاريخ الخامس عشر من يونيو 2007، في مقالة بعنوان، قفز اليابان في عربة البيو أثينول، يقول فيها quot;اليابان تنظر لمادة البيوأثينول كطريقة لتقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة، وتقليل التلوث البيئي. والبيوأثينول هو كحول يصنع من تخمير الذرة أو قصب السكر أو القمح أو قش االرز. وكمية الكربون الناتجة من عملية الاحتراق، هي نفس الكمية الناتجة من حرق البنزين. وتستنفذ كمية الكربون الناتجة من الاحتراق، خلال نمو النباتات الزراعية، حيث تستهلك النبات كمية كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون وتنتج كمية من الأكسجين. والمشكلة الكبيرة بأن أسعار المواد الغذائية بدأت ترتفع منذ بداء أنتاج البيواثينول، كما أن عملية التصنيع تحتاج لكمية هائلة من الطاقة. وقد بدأت شركة هوندا اليابانية العمل مع مراكز الأبحاث اليابانية للاستفادة من جميع مخلفات الزراعة لإنتاج البيواثينول.
وقد ركزت الأبحاث الهندسة الوراثية اليابانية على أنتاج نوع من البكتريا، التي تخمر ألياف السلليلوز الموجودة في المخلفات الزراعية، وبطريقة اقتصادية، مما أدى لزيادة الإنتاج لعشرين ضعفا. فمن الممكن استخدام كليوغرام واحد من قش الرز، لإنتاج مائتي غراما من البيوأثينول. وتدرس الحكومة اليابانية إمكانية الاستفادة من جميع المخلفات الزراعية والخشبية في أنتاج البيو اثينول. كما تعمل الحكومة اليابانية لزيادة المساحات اللازمة للزراعة وزيادة الإنتاج الزراعي. والجدير بالذكر بأن اليابان تستورد حوالي 60% من غذائها من الخارج. وتخطط الحكومة اليابانية بأن تنج سنويا ستة مليون كيلولتر من البيو أثينول، أي 10% من حاجتها الكلية للطاقة.quot;
تلاحظ عزيزي القارئ بأن تكنولوجية الزراعية تطورت بشكل مذهل، وأصبحت قضية تنموية هامة في وطننا العربي. كما تطورت تحديات جديدة في أنتاج الطاقة الزراعية. فمن المتوقع أن تنفذ الطاقة النفطية مع حلول سنة الألفين والمائة، وسيحتاج الوطن العربي لمصادر أخرى للطاقة. وقد يستغنى العالم عن النفط قبل ذلك الوقت، فقد كرر سعادة وزير النفط السعودي السابق الأستاذ زكي اليماني القول، بأنه قد يصل اليوم الذي سيكون النفط كالفحم الحجري، موجودا ولكن مخزون تحت الأرض، لا أحد يهتم بالاستفادة منه، بسبب السعر والتلوث. فمن الواضح بأننا في حاجة لخطة عربية مشتركة لتطوير الزراعة. ولا شك بأن إنتاج الطاقة من المواد الزراعية سيقلل التلوث من احتراق الكربون، كما ستتوفر مصادر طبيعية دائمة للطاقة العصب الرئيسي للتنمية الاقتصادية. والتكنولوجية الزراعية الحديثة ستمكننا من الزراعة في وسط الصحراء وبكمية قليلة من الماء، كما سيكون من الممكن زيادة كمية الإنتاج لإضعاف مضاعفة بتطوير تكنولوجية الهندسة الوراثية.
وقد تطورت التكنولوجية الزراعية بحيث بداءت تلعب دورا جديدا في إنتاج الأدوية واللقاحات. فبتطور علم الهندسة الوراثية الزراعية بداء العلماء الاستفادة من النبات بدل الحيوان في التكنولوجية الدوائية الحديثة. وقد كتبت مجلة الايكونومست البريطانية في عددها الصادر في السادس عشر من شهر يونيو لهذا العام عن غداء جديد للصحة. فقد أخترع علماء اليابان طريقة جديدة زراعية لانتاج التطعيمات. فمن المعروف بأن أنتاج التطعيمات تحتاج لعمليات بيولوجية معقدة بحقن الميكروب في خلايا كائن حي. وتحتاج أن تكون محفوظة بدرجات حرارة منخفظة لاستمرارية مفعولها. وتكمن المشكلة في نقل وتوزيع هذه التطعيمات للمناطق الفقيرة في العالم الثالث حيث لا تتوفر الطاقة الكهربائية ولا ثلاجات التخزين. وقد تمكن علماء اليابان بأنتاج لقاحات من حبات الرز لا تحتاج لحرارة منخفظة.
وقد قام فريق برئاسة البروفيسور تومونوري نوشي من جامعة طوكيو بالاستفادة من الهندسة الوراثية في زراعة الرز لانتاج لقاح ضد مرض الكوليرا الخطير. كما طوروا اللقاح بحيث ان يشجع جهاز المناعة الداخلي لانتاج الجسم مضادات للميكروبات، بالإضافة لمجموعة مضادات تعمل خارج الخلايا على السطح الخارجي للخلايا المخاطية في الجهاز التنفسي والهضمي. وقد قام الفريق بإيجاد طريقة لتطوير اللقاح في حبة الرز. وقد اختاروا لقاح الكوليرا للتجربة. ومن المعروف علميا بأن المناعة تنتج لوجود بروتين يسمى بالوحدة ب من سم الكوليرا. وقد نسخ فريق البروفسور الدليل المورثي لهذا البروتين وحقنوه في الجين ألمورثي بالرز. وبعدها عملوا على أنتاج الرز المحتوي على البروتين الواقي من الكوليرا. ومن الممكن تطوير لقاحات وأدوية مختلفة بنفس هذه الطريقة.
كما طورت التكنولوجية الزراعية الاستفادة من مياه المحيطات لتنظيف البيئة من التلوث. فقد إقترح علماء جامعة ستانفورد الأمريكية بالعمل على خفض نسبة الكربون في البيئة بالقيام بزيادة الزراعة تحت ماء المحيطات لتقوم هذه النباتات باستهلاك غاز ثاني اكسيد الكربون وتخفيض نسبته في البيئة. وقد أكتشف العلماء بان رش مادة بودرة الحديد على هذه المزارع تؤدي لتكاثرها بسرعة. كما طور العلماء أيضا بالهندسة الزراعية اشجار كبيرة تنمو بسرعة هائلة، وتستعمل هذه النوعية من الاشجار لانتاج الطاقة بكفاءة عالية. وتذكرني هذه التطورات الجديدة، بمدى احترام الشعب الياباني للمزارعين. فقد قسم المجتمع الياباني قديما لستة فئات. الفئة الأولى هي العائلة الإمبراطورية، وتليها فئة السمواري حماة الوطن. وكانت لفئة المزارعين احترام وتقدير خاص كمسئولين عن الأمن الغذائي وإطعام الآلهة. فهناك أكثر من سبعة مليون إلهه، وتقدم لهم ثلاث وجبات يوميا في المعابد، وبعد تقديمها للآلهة يقوم رهبان المعابد بأكلها للتبرك. وتلي ذلك فئة الصناع، أما التجار فإعتبرت الفئة الأخيرة في المجتمع الياباني.
والسؤال لعزيزي القارئ هل أصبح تنفيذ خطة زراعية مشتركة ومدروسة تكنولوجيا واقتصاديا، أساسا هاما في التنمية والأمن الغذائي العربي؟ وهل سنستفيد من التكنولوجية الزراعية المتطورة، لتنويع مصادر الدخل وزيادة الإنتاج الزراعي؟ وهل سنبدأ بأعداد المتخصصين في الهندسة الوراثية الزراعية، لتطوير الصناعة المستقبلية للغذاء والدواء والطاقة؟ وهل سنعيد للزراعة احترامها ووقارها من جديد وقبل فوات الأوان؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات