حين يُقتل الحارس الشخصي لرئيس وفدنا المفاوض، ولا يأبه أبو علاء قريع لذلك، بل يحاول أن يهوّن من الأمر، كما هوّن من أمر تأخيره وبهدلته على الحواجز الإسرائيلية- حينها من حقنا أن نخاف. فإذا كان رئيس الوفد المفاوض، يُعامل من قبل الحكومة الإسرائيلية على هذا النحو المهين، فكيف لنا أن نثق بهذه المفاوضات؟ اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
أحاول أن أتخيّل الرجل، إذ يدخل غرفة المفاوضات، على تسيبي لفني، كيف تكون نفسيته وما هو شعوره؟ وكيف تكون نفسيتها وما هو شعورها بالمقابل؟
تسيبي لفني القوية، وقريع الضعيف. لفني سيدة المكان والزمان، ومقابلها قريع المُهان. قريع الواصل للتوّ من الحاجز، بعد تأخير ومناكفات صغار الجنود.
إنها لا شك: quot;حاجة مسخرة quot; كما نقول بلساننا الشعبي. فالرجل خاصتنا، يبدو مدرّعاً ضد الإهانات. لا يعنيه إلا أن يُفاوض، وأن يكون رئيساً للطاقم. أما كيف يفاوض وما هي الشروط، والبداهات التي تلزم أي عدويْن يجلسان على طاولة المحادثات، فشيء ليس في الوارد أو الحسبان.
لقد نسي السيد أبو علاء أنه ممثل لشعب، وأنّ إهانته المتعمّدة هي إهانة لشعبه أولاً. فلو حدث مع لفني ما يحدث معه، لرأينا وسمعنا العجب.
إننا حتى لم نسمع ولو تصريحاً من المتحدث الرسمي الفلسطيني يستنكر ما حدث. وكأنّ ما حدث هو أمر طبيعي وعادي خالص، في ظل أوضاع غير طبيعية على الإطلاق.
إنه الهوان والتهافت. ومن يذهب بهذيْن إلى مفاوضة الذئب، لن يُدخل الطمأنينة على قلوب شعبه أبداً.
لقد تشائمنا منذ تمّ تعيين قريع رئيساً للوفد. فهذا الرجل هو ذاته صاحب اتفاقية باريس الاقتصادية، التي ألحقت اقتصاد المناطق المحتلة باقتصاد إسرائيل. والتي عانينا وما زلنا نعاني من جرائها الأمرّيْن.
ومع ذلك، أتوا به باسم الخبرة والتجربة العريضة. فهو مفاوض متمرّس، ولا تعنيه القشور! هكذا يقولون لنا. ولنا أن نصدق أو لا نصدق، فهذا لا يهمّ.
إنهم ماضون في طريقهم. وبنفس الوجوه القديمة. فكل الوجوه القديمة لا غبار على تجربتها. وفقط الغبار على تجارب الوجوه الجديدة. لهذا لم يلجأ أحد لوجه تفاوضي جديد. ففلسطين الداخل والخارج، عاقر، وليس في الإمكان أبدع مما كان.
لا نقول هذا الكلام تهويشاً أو رغبة في الإساءة لأحد. حاشا وكلا. بل نقوله ونحن نعي تعقيدات وضعنا على الأرض، وتعقيدات اللحظة الإقليمية والعالمية، ونقوله ونحن نعرف أنها فرصة كبرى بعد موات السبع سنوات العجاف الماضية. ولأنها كذلك بالضبط، كان يجب على رئيسنا أبو مازن أن يغيّر الوجوه القديمة بوجوه جديدة ومن داخل وخارج منظمة التحرير. فلدى شعبنا من الكفاءات، في الوطن والمنفى، ما يكفي لهذه المفاوضات الأصعب في تاريخنا المعاصر. لدينا مَن كانوا سيكونون أقدر على فن إدارة الصراع التفاوضي، وفن الحضور في الإعلام الدولي، بأفضل كثيراً من هذا أو ذاك، ممن نعرف ونرى ونسمع كل يوم.
إنّ حالنا كفلسطينيين، على أسوأ ما يكون. وإنّ فرقتنا وانقسامنا، لهما أمران سندفع ثمنهما على طاولة المفاوضات باهظاً _ إلا إذا حدثت معجزة. فهكذا علّمتنا إسرائيل، وهكذا علّمنا العالم.
وليس أقل من أن نُحسن اختيار الأعضاء في وفدنا. فهذا هو فعلاً أضعف الإيمان.
لقد كنت أتمنى على الرئيس، أن تكون ثمة حماية ورعاية دولية لجلسات المفاوضات. وحبذا لو تُعقد في أمكنة محايدة، في هذه القارة أو تلك. فهذا على الأقل، سيوفّر مناخاً ولو شكلياً من الندّية بين طرفي الصراع. أما أن يذهب قريع إلى القدس الغربية، بعد جولة من البهدلة على حواجز المشمار قفول، ليفاوض السيدة لفني، الجالسة كالأسد في عرينها، فشأن محبط لا أقلّ.
وشيء لا يبعث على التفاؤل والثقة.
وشيء يدعونا للخوف والريبة من مستقبل هذه المفاوضات.
ونحن لسنا ناقصين يا أبا مازن.
فيكفينا ما فينا.
يكفينا الآن حماس، وفأسها الذي وقعَ في الراس.
ويكفينا أننا نذهب مشتتين ضائعين لنفاوض عدواً محترفاً في الاستفادة من انقسام عدوه صاحب البيت الذي من زجاج.
إنّ كل الظروف ضدنا. انتفاضة فشلت في تحقيق أهدافها. وبيت مقسوم من الداخل، وحصار إجرامي، وموت أحمر، وتنكيل يهود وتنكيل عرب، ثم تأتي أنت وتضع الوجوه إياها، دون تغيير أو تبديل.
إنني كلما أرى أبا علاء، أتحسس قلبي. فالرجل، كما أسلفنا، هو صاحب اتفاقية باريس المشئومة. ونفسياً كان يجب استبداله هو وطاقمه. فالمُجرَّب لا يُجرّب مرتيْن.
هذه فقط هوامش، لا تعني بأي حال أننا، حاشا، ضد هذه المفاوضات. فنحن معها ومعها، إنما بوجوه مقبولة ومشهود لها بالنزاهة والكفاءة والصرامة في الدفاع عن الحقوق والثوابت.
فالوضع لا يسرّ. ومن حقنا أن نشك وأن نخاف.
بل إننا نخاف أكثر، حين نرى رئيس وفدنا ورئيس وزرائنا الأسبق، يُهان ويُوقف يومياً على المخاسيم، وفوق هذا يُقتل حارسه بأيدي الإسرائيليين، فلا يعترض هو ولا سواه ممن يجب أن يعترضوا.
هل يخافون من الاعتراض أم ماذا؟
نتمنى ألا يكونوا!
- آخر تحديث :
التعليقات