quot;أن تأكل جيدا، أو تنام جيدا، ذلك هو الفرقquot; (ماكس فيبر)
(نبدأ من حيث انتهى الآخرون)، بهكذا مقولة يتصدى البعض من المفكرين العرب للعلاقة مع الآخر. في محاولة منهم لمعالجة أزمة (الفجوة) الحضارية القائمة بين الطرفين. إنه الاستحضار للعام والشامل للتجربة الغربية، تلك التي تحصلت على النمو المطرد، حتى باتت تتفاعل مع مفهوم التقدم، بوصفه وعيا شاخصا، باعتبار الجدل بين العقل والواقع الموضوعي، وليس الوقوف على الدلالة التجريدية. إنه سياق التفاعل ورهان المؤسسة ورؤية النقد الجذري، وتحديات المستقبل ومتغيرات الحداثة، إنه التحديد الذي يسعى للخروج من إسار النمطية والسعي للإفلات من هيمنة المجرد النظري والتطلع نحو صراع الدلالات. وهو التطوير القائم على سياقات الفعل ورؤية العالم والبحث الدال والعميق في البواعث والمقاصد. وهو التفعيل لمدركات(العقلنة) حيث الخبرة التي تقود إلى الوصف فالتفسير المستند إلى المعرفة سعيا للوقوف على الأسباب واستخراج القوانين العلمية، بحسب الترسيمة التي يترصدها ديفيد هيوم 1776.
الممارسة والحقول
في المقولات الأساسية الثلاث التي تميز مجهودات عالم الاجتماع الفرنسي (بورديو) حيث؛ (العنف الرمزي، الرأسمال الثقافي، استراتيجيات إعادة الإنتاج)، يكون الوقوف عل محكمات التوزيع للعلاقة الاجتماعية باعتبار موجهات (الثروة، المعرفة، العنف)، إنه التطلع نحو التمييز بين الفئات العاملة والمؤثرة داخل الحقل الاجتماعي، وتمييز القسمات والمفاصل فيها، سعيا إلى فرز طبيعة العلاقات القائمة ومحاولة ترصد ما هو متاح وممكن لإعادة الإنتاج داخلها، من خلال تحديد (الوظائف والممارسات). إنها البنيوية التوليدية تلك المتوجهة نحو الموائمة بين الصيغة الشكلية والتفسير الموضوعي لمجمل العلاقات القائمة. وهي التمييز للمفاصل الرئيسة داخل البنية الاجتماعية، حيث الترصد لمضمون الصراع بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، وتنامي الثقافات الفرعية، وما ينجم عنه من بروز لهيمنة الطبقة المسيطرة تلك التي تسعى نحو فرض مقولاتها وميولها وأهدافها. إنها الممارسة التي لا تتوقف عند حقل أو معطى موضوعي واحد، بقدر ما يكون الانسياح على المجمل من العلاقات السائدة، وصولا إلى بروز حالة من الاختلاط في المراكز، إنه موضوع (التقدم التاريخي) الذي تتبدى سماته في (الاستجابة المفرطة) لجاهزية النموذج. لتكون العواقب وقد تمثلت في حال (الإخفاق) الذي يتربع على الواقع، باعتبار الأزمة والتأزم والتفاوت الملفت والتغييب للمكونات الاجتماعية. إنها الرقعة الواسعة من البديهيات، تلك التي تقوم على المراوغة، في الوقت الذي تبرز أهمية السؤال العميق، بوصفه أداة ووسيلة ناجعة للكشف عن طبيعة العلاقات السائدة. ومن هذا يبرز أهمية السؤال المتطلع نحو فرز سمات وعناصر (طريقة التفكير، تنظيم العلاقات، نمط الممارسة). فيما يبقى السؤال العربي الأثير ماثلا(لماذا تقدم الآخرون؟) هذا السؤال الذي يبقى يقود دائما نحو فسح مجال التعميم مشرعا، فيما تبقى المواجهة مع الزحف لمكونات قيم الآخر ماثلة وحاضرة بإفراط ملفت.
سر تقدم الأمم
ألم يحن الوقت لإعادة صياغة السؤال، وعبر استراتيجيات جديدة، قوامها الحفر العميق في دالة؛ (الوصف، التفسير، التحليل). أم أن موجهات السؤال العربي، لم تتغير فيه سوى الوجهة، فبعد أن كانت تتمركز حول النموذج الغربي، أو الانحراف قليلا باتجاه النموذج الياباني، بات اليوم يتشبث بتجربة النمور الآسيوية. لقد قيل الكثير عن وصفة التقدم الجاهزة، حتى أن المزيد من مثقفينا كانوا يرددون عبارة مونتسكيو حول سر تقدم إنكلترا العلمي والمرتكز على ثالوث(التقوى، التجارة، الحرية)، أو تأبطهم لكتب غوستاف لوبون (سر تطور الأمم) فيما كانت المقاهي العربية تشهد سجالات بين المستبدة والمشروطة، أو بلشفية الروس ونازية الألمان و رأسمالية الغرب، فيما راح الواقع يكشف عن عمق المفارقة التي بات يعيش تحت ظلها الوعي العربي،حيث الوقوع في متاهة الوصفيات والوقوع في دوامة التعبئة والتعبئة المضادة، إنها الممارسة التي تقوم على الصراع العضلي، ذلك الذي يتمثل في الإلغاء والإلغاء القابل، والتخوين والإقصاء والتهميش، فيما يعيش الآخر لحظات التنمية الثقافية، وتداول قيم التسامح، والبحث في التنوع والاختلاف، وتكريس قيم الحوار. ومن دون الوقوع في وهدة الانبهار بالصورة المكتملة والمنجزة لهذا الآخر، فإن ممارساته تفصح عن انقسامية مريرة، تقوم على الادعاء بالتمركز وفرض القيم، بل و تقسيم العالم إلى صالح وطالح. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل أن ملامح الصراعات الداخلية لديه تبقى ماثلة في صلب السياسة والقيم والزعامة، إنه عالم الممارسة الذي ينجم عنه كل شيء، الحسن والقبيح، الفساد والخير، إنه الغرب الذي نعرف، صاحب الأزمات الاقتصادية الدورية، والفضائح المالية والأخلاقية، والإضرابات والبطالة والمشاكل الاجتماعية الهائلة، من تصدع أسري واغتراب وتوحد وإدمان، لكنه ما انفك ينتج ويتقدم ويعيش التحولات العميقة والرائدة. فأين حدود المفارقة؟
في السؤال الفيبري
يتوقف ماكس فيبر عند الظاهرة الرأسمالية، ليربطها بالذهنية المنظمة، هذا بحساب أن الطباعة قد ظهرت في الصين، ولكن الصحف والكتب المطبوعة ظهرت في الغرب، والجامعات نشأت في الصين والعالم الإسلامي، ولكن تخريج الكوادر والكفاءات قد برزت في الغرب. إنها الجذور المرتبط باستخدام القوة على صعيدي الشكل والفعل، وهو الغرب الذي تكيف مع السوق المنظمة وليس الفرص السياسية،. وهي القوى الفاعلة المستندة إلى السلوك الاقتصادي، والانتماء الديني والطبقية الاجتماعية القائمة على العمل الساعي نحو مضمون التقدم لا بوصفه متعة بقدر ما يقوم على التقوى، وهي الروح التي تجعل من التوجه نح (استخراج الدهن من الماشية، والمال من الرجال)، وهي المضمون المهني الذي يتمثل في سعي الإنسان نحو العيش كما تعود، وليس في طريقة أكبر لكسب المال.
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات