سأناضل من اجل التحديث ببلادي وأعرف ان في ذلك خطورة على حياتي.. من اقوال بنظير ذو الفقار علي بوتو ذكرني هذا بقول عبد الكريم قاسم وهو يوقع على تأميم أراضي النفط حينما قال:
اعرف انني اوقع على قرار خطير قد ادفع حياتي ثمنا له..
لا أريد ان اناقش الفرق بين الخطرين بساعة فجيعة من فجائع الإرهاب الذي التصق بالمسلمين بارادة المتشددين منهم..
لم اكن اصدق ان تقتل تلك المرأة التي لاتفكر بالموت وتعمل وتتحرك بكل شجاعة ومحبة لشعب احبته كما احبه والدها ذو الفقار علي بوتو الذي كان الشعب الباكستاني يقسم باسمه ورغم ذلك اعدم مع بكاء الناس ودموعهم وتوسلاتهم لثقتهم به وبعزمه الحقيقي على منحهم الامل بسعادة موعودة، وكما اعدم من قبله عبد الكريم قاسم في العراق وكما اغتيل الحريري في لبنان وسواهم الكثير من الوطنيين الشرفاء تحت واجهات ويافطات سياسية متشددة، تتخذ الوطنية ذريعة مرة والدين مرة والقومية مرة اخرى وغيرها من ذرائع سياسية كريهة ماعاد للانسان وحياته بمضامينها اي ثمن..
اهو كابوس ان تصل الايدي الغادرة لذاك العقل والقلب والوجه الوطني الحقيقي؟
اهو أمر طبيعي ان تسكت تلك الشعوب على مجموعات تتلاعب بمقدراتها وتهدم مابنته الاجيال بمئات السنين من بناء وحضارة ضمت شتى القيم التياستندت عليها الاخلاق لتؤسس سُداة الحضارة الأساسية؟
ما معنى الوطنية ان كان الموت وصولا لها؟
ومامعنى الدين ان كان الموت هدفه ووسيلته واسلوبه؟
الفجائع التي يبثها الارهاب في العالم منذ سنوات، تسير بدرب مسدود بالفكر السلفي وتودي به شيئا فشيئا، وحينما نقرأ, ان القاعدة أعلنت مسؤوليتها عن مقتل الشهيدة بوتو،ندرك ان الاغتيال حمل حقدا مزدوجا على هذه الشخصية الوطنية لسببين..
* اولا كامرأة تخوض غمار السياسة وتخرج للناس بوجه مشرق مليء بالمحبة والنور مثلما هو مليء بالثقة بالنفس، وهذا حسب مفهوم الارهابيين او القاعدة, تحديا للعقل الارهابي الذكوري المتخلف بخصوص دور المرأة ومساهمتها في السياسة، وهو امر تخشاه العقول المتعفنة القابعة في جحور وكهوف تورا بورا المظلمة وغيرها من حفر قذرة معتمة يتآكلها الفساد والمرض الروحي حتى يحيلها الى جثث تفوح منها رائحة الموت لكل من على هذه الارض..
* وثانيا كشخصية وطنية تريد بناء مجتمع حديث عصري ينتشل اهل باكستان من اوهام وافكار المتشددين والعصبيين والخالطين الدين بالدولة. خاصة حينما تكون هذه المرأة الشجاعة والجريئة سليلة بيت وطني ضحى في سبيل الوطن والشعب كثيرا وقدم الشهداء دفاعا عن قيم الحق والمباديء الانسانية.
فمهما كان مصدر الغادرين الذين نفذوا العملية، ان كانوا قد اعلنوا عن انفسهم ام لم يعلنوا، فبصماتهم واضحة وصريحة، ورسالتهم التي تثير الرعب قد بلغت العالم كما ارادوا..
ولكن..
كل مايحمل هؤلاء اوزار ضحاياهم المتزايدة، كلما يسقطون وينكشفون ويتعرون، وهنا نتذكر بديهية فيزيائية تقول:
quot;التراكم الكمي يولد تغيير نوعي quot;
قد نستفيد من هذه البديهية للوصول الى نتيجة بلغها العالم العربي والاسلامي على ايدي الارهابيين ومدعي الاسلام ذاتهم، حيث اصبح الجميع يربط الارهاب بالاسلام المتشدد او المتعصب، فقد زادت ضحاياهم، وتراكمت الكوارث التي فجروها في المجتمع الذي يدعون انهم يعملون من اجله، وقد بان زيفهم وانكشفت اباطيلهم واكاذيبهم، وبات كل ذي عقل متسائلا:
ترى، لمن يعمل هؤلاء؟
ولمصلحة من يقتلون ابناء بلداننا ويهدمون بناءاتها وحضارتها التي بالكاد تقف هزيلة اليوم بين الحضارات الشامخة الصروح في كل شيء؟
حتما سوف لن يستمر هذا الوضع، بل قريبا سينتقل الناس من مرحلة التساؤل والدهشة الى مرحلة اخرى يعلنون فيها موقفا من كل الصامتين والمتسترين على هؤلاء، واولهم شيوخ الدين وأئمة الكذب والتظليل، الذي يعشش فكر بن لادن بعقولهم دون الافصاح عنه، الشيوخ الذين يفرحون باغتيال امرأة لاترتدي الاحجبة السوداء القبيحة التي يفرضونها على المرأة بدينهم الجديد، هؤلاء الذين يعتاشون على دور الاسلام كدكاكين مفتوحة لهم بالمجان حيث لايكلفهم سوى أقنعة رخيصة وسهلة يعلنون بها دورهم المزيف في مجتمعات تثق بهم وتمنحهم الاحترام الذي يصل حد القداسة، المجتمعات التي يكرر ابناؤها دائما:
quot; دعها على عالم واطلع سالمquot;
والعالم المقصود به هنا هو من يرتدي لباس المسلمين ويمثل دور الزهد والخوف من الله، وغالبا لايسأل الناس من هو الإمام الذي يصلـّون وراءه كل يوم، انما عليهم تأدية صلاتهم سريعا في زحمة الحياة، ولقد تسمع العجب حينما تكتشف في دول اسلامية وعربية كثرة المحتالين والساقطين الذين لم يجدوا رزقا سوى ارتداء عمامة ورفع الصلاة امام الجموع لتكون لهم مكانة مرموقة ودخلا يعتاشون منه،وحتما سوف لن يعترضهم احد وهم يؤدون العبادة والفعل الذي اعتبر عند هذه المجتمعات مقياسا علويا للاخلاق والاستقامة. وكم من فاشل بالدراسة او هارب من وجه العدالة في بلد ما, يلجأ لدور رجل الدين او الامام ويبقى في مكانه دون ان يكتشفه احد حتى الموت، ولي في هذا امثلة كثيرة, فقبل اعوام تم اكتشاف امام جامع هارب من بلد عربي ومطلوب للعدالة في جرائم اخلاقية، يؤم المسلمين في احدى جوامع هولندا, وقد اكتشفت جرائمه صدفة من قبل الهولنديين وليس العرب وقد هرب الى بلده العربي بعد اختلاس نصف مليون دولار كان المسلمون قد تبرعوا بها لبناء جامع بمدينة هولندية، وعلى شاكلة هذا quot;العالم quot;المئات او الالاف....
فان كان أمثال هؤلاء من القتلة والمجرمين المتسترين بأستار الدين والنوايا السياسية الخادعة قد اغتالوا أمل باكستان في التقدم والبناء، فهم لن يستطيعوا اغتيال منطق الحياة التي تـُولد ُجديدة كل يوم...
[email protected]
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات