معظم الكتاب الأحرار فى العالم العربى السعيد والذين يحاولون إيقاظ العقول النائمة من ظلمات ما قبل الجاهلية يتم أتهامهم ظلما وعدوانا بأنهم عملاء للمخابرات الأمريكية أحيانا وأنهم يقبضون من الموساد أحيانا أخرى، يعنى بصراحة هم أرزقية خونة ومرتشون وجواسيس!! وهى تهم كلها تودى فى داهية.
والإتهام بالخيانة والعمالة والجاسوسية ليس جديدا على من يؤمنون بنظرية المؤامرة، فتلك العقليات قد تربت (منذ أن كانت فى اللفة) على الإنقلابات والمؤامرات والرشاوى لقضاء أى أمر إبتداء من الحصول على رخصة قيادة سيارة ونهاية بصفقات سلاح بالبلايين.
ولقد وجدت أنه من خلال تعليقات القراء على كتاباتى ومن خلال بريدى الإلكترونى أن تهمة العمالة لأمريكا لابسانى لابسانى، وخاصة وأننى من المعجبين بالتجربة الأمريكية منذ نشأة هذه الدولة بعقول وسواعد المهاجرين، وإتهامى بالعمالة للمخابرات الأمريكية ينطبق عليه quot;الصيت ولا الغنىquot;، لذلك قلت لنفسى لماذا لا أتقدم بطلب للعمل حقيقة لدى المخابرات الأمريكية ودول ناس فلوسهم كثيرة ويقومون بصرفها يمين وشمال، وبذلك أكون قد حققت الغنى بعد أن إكتسبت الصيت.
وعميل المخابرات المركزية الأمريكية فى أمريكا تعتبر وظيفة محترمة ورئيسها من أقوى الشخصيات فى أمريكا، لذلك قررت الإتصال بالمخابرات الأمريكية عن طريق موقعهم بالإنترنت، وإستطعت أن آخذ موعدا لمقابلة ضابط إتصال من المسئولين عن منطقة الشرق الأوسط وذلك فى مكتبه فى ولاية فرجينيا بالقرب من مدينة واشنطن العاصمة.
وعندما وصلت إلى المبنى أعطيت تحقيق الشخصية إلى موظفة الإستقبال الجميلة (طبعا) ووجدت أسمى موجودا على الكومبيوتر بأن لدى موعدا مع ضابط الإتصال والذى لا أستطيع أن أبوح بأسمه لأن هذا يضعنى تحت طائلة القانون الأمريكى، لذلك سوف أطلق عليه أسما حركيا على الطريقة الفلسطينية وأطلق عليه أسم quot;أبو جورجquot;.
وحضر أبو جورج لإستقبالى وكان يرتدى ملابس مدنية وأعطانى بطاقة تعارف عليها أسمه فقط ورقم تليفونه بدون أن يكون عليها أى جهة عمل أو أى منصب، وأخذ من موظفة الإستقبال بطاقة أخرى طبعت بطابعة الكومبيوتر عليها أسمى والتاريخ وإسم أبو جورج كمضيف والساعة التى من المفروض أن أغادر فيها المبنى، وعلقت تلك البطاقة على صدرى وفوجئت أن تلك البطاقة عليها صورتى (ولا أدرى من أين جاءوا بالصورة)،وقلت لنفسى:
- ياحلاوة يا أولاد، المخابرات الأمريكية دى عارفة كل حاجة.
وصعدت بالمصعد الكبير والذى يسع لسيارة نقل إلى الدور الثالث، وأثناء صعودى فكرت فى أننى ربما على بعد خطوات من أصبح حقيقة عميل مخابرات أمريكى بعد أن عانيت من هذه التهمة زورا وبهاتا فى السنوات الأخيرة، وأيقظنى أبو جورج من تأملاتى عندما إصطحبنى إلى غرفة إجتماعات صغيرة ملحقة بمكتبه، ووجدت هناك شخصا آخر فى الغرفة وقدم نفسه بأسمه الأول فقط بدون أى منصب ولم أعرف محله من الإعراب حيث أن ربنا لم يفتح عليه بكلمة طوال الإجتماع وكان لديه نوتة صغيرة وقلم رصاص يدون به بعض النقاط.
وعرض على أبو جورج فنجانا من القهوة وإعتذرت عن شرب القهوة وطلبت كوبا من الماء.
وبدأ أبو جورج الحديث وفاجأنى بسؤال بلغة عربية سليمة:
- تحب نتكلم عربى ولا إنجليزى؟
- إللى يريحك.
- أنا أفضل الإنجليزى لأنها لغتى الأصلية، رغم إنى تعلمت العربى فى الجامعة الأمريكية فى بيروت لمدة أربع سنوات وبعدها تنقلت بين عمان والقاهرة وجدة.
- خلاص يبقى إنجليزى.
- قبل ما نبدأ الكلام، إنت مواطن أمريكى؟
- أنا أخدت الجنسية الأمريكية ودافع ضرائب أمريكى، وإنتخبت الرئيس بوش فى إنتخابات عام 2004، ودى كان أول مرة فى حياتى أشارك فى إنتخابات من أى نوع.
- يعنى إنت مسجل فى الحزب الجمهورى
- أيوه،(وأظهرت له بطاقة الإنتخاب الأمريكية علشان أريح باله)
- ياترى إيه الموضوع المهم إللى طلبت لقائى علشانه؟
- أنا بأعمل مهندس فى شركة هندسية، وفى وقت فراغى بأكتب بإنتظام فى مجلة عربية على الإنترنت، وكذلك أقوم بنشر بعض الكتب بالعربية.
- وإحنا إيه دخلنا فى الحكاية دى
- ماأنا جاى لك فى الكلام (ياخواجة)، أنا فى معظم كتاباتى با أدافع عن الحرية والعدالة وباأهاجم الإرهاب والإرهابيين وبأطلب من العرب والمسلمين أنهم لابد وأن يتبنوا الكثير من المبادئ الغربية كوسيلة للتقدم بدلا من أن يستخدموا فقط الأدوات الغربية، لأنهم بهذا ينطبق عليهم قول نزار قبانى quot;لبسنا ثوب الحضارة... والروح جاهليةquot;
- نزار قبانى شاعر جميل، وأنا باأتعلم العربية إستاذى فى بيروت أحيانا كان بيقرأ لنا بعض شعره.
وأستطرد قائلا:
- طيب ده كلام جميل إللى إنت بتكتبه، وفين دورنا إحنا فى الموضوع ده؟
- ماهو الكتابات والمقالات دى بتجيب لى وجع دماغ وبعض القراء بيتهمونى بأنى عميل للمخابرات الأمريكية.
- العمل لدى المخابرات الأمريكية ليس تهمة، ده عمل وطنى يجب أن يفخر به كل عميل أمريكى، مثلما يفخر المصريون بالعميل المصرى رأفت الهجان.
- إنتو كمان عارفين رأفت الهجان.
- آه أنا شفت بعض حلقات المسلسل التليفزيونى لما كنت فى القاهرة.
- بس إنت عارف إن تهمة عميل مخابرات أمريكى فى المنطقة العربية ممكن تودى فى داهية.
- طيب إيه إللى أقدر أعمله لك؟
- أنا قلت مادت بأتهم مرارا وتكرارا بالعمالة للمخابرات الأمريكية، ليه ما أخدهاش من قصيرها وأشتغل معاكم؟
- ده شئ نرحب بيه لو فيه وظائف خالية، ولو متطلبات الوظيفة تنطبق عليك من حيث سابق الخبرة والمؤهل، فياترى إيه إللى تقدر تقدمه للمخابرات الأمريكية؟
- أنا ما ليش أى سابق خبرة فى المخابرات، أنا با أعرف فى الهندسة واحيانا بأكتب.
- طيب إزاى تفتكر اننا حنشغل واحد ما عندوش أى فكرة عن شغل المخابرات فى أكبر جهاز مخابرات فى العالم.
- أنا ممكن أساعدكم بالكتابة.
- إزاى ممكن تشرح لى شوية؟
- يعنى ممكن أنشر مقالات لفضح وتشويه صورة بعض المتطرفين العرب والمسلمين، وده ممكن يخدم الحرب الأمريكية ضد الإرهاب.
(وإبتسم ونظر إلى زميله الصامت وقال):
- تفتكر يعنى العرب والمسلمين الأيام دى محتاجين أى مساعدة لتشويه صورتهم أكتر من كده؟
- طيب قولوا لى ممكن أكتب عن إيه، يكون فيه مساعدة للمخطط الأمريكى؟
- وإيه هو المخطط الأمريكى؟
- معقولة إنت فى قلب المخابرات الأمريكية ومش عارف إيه المخطط الأمريكى؟ ياراجل إطلع من دول!
- لأ بجد إيه هو المخطط الأمريكى؟
- هو مستر بوش لم يوزع عليكم نسخ من المخطط الأمريكى؟
لأ (ونظر إلى زميله الصامت وسأله:إنت عندك نسخة من المخطط الأمريكى، وإكتفى زميله بهز رأسه بالنفى)، ثم نظر إلى وقال:
- لو إنت عندك نسخة من المخطط الأمريكى ياريت تبعث لى نسخى بالبريد الإلكترونى.
- أنا ما عنديش نسخة، بس المخطط الأمريكى معروف للجميع فى الشرق الأوسط، وأى ولد فى حوارى القاهرة أو بيروت عارف إيه هو المخطط الأمريكى.
- إنت شوقتنى جدا، إيه هو بقى المخطط الأمريكى؟
- إن أمريكا تستولى على منطقة الشرق الأوسط والعالم وتورث الإستعمار القديم، يعنى تبقى بدل بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وغيرها من الدول الأوربية الإستعمارية، وأهى بدأت بالعراق وأفغانستان.
- والله دى فكرة كويسة أنا حأعرضها على رئيسى فى الإجتماع الأسبوعى القادم، نرجع تانى لموضوعك، إحنا مش ممكن نتدخل فى الكلام إللى بتكتبه.
وعندما شعر أبو جورج بخيبة أملى، قال:
- فى الحقيقة إن الكتاب والصحفيين إللى بيهاجموا أمريكا بيخدموا المصالح الأمريكية أكثر من إللى بيدافعوا عنها.
- إزاى مش فاهم؟
- الكاتب والصحفى والمذيع التليفزيونى إللى بيهاجم أمريكا بإستمرار شعبيته بتزيد جدا وبيكتسب ثقة الناس ومش ممكن إتهامه بأنه عميل أمريكى، وإحنا بنضمن بعد كده إن الناس تصدق أى كلام يقوله، وممكن إحنا نستغل الحكاية لمصلحة أمريكا.
- معقولة دى، لما الواحد يهاجم أمريكا بيقى بيساعد أمريكا!!
- أنا أقول لك مثل كويس جدا، إنت طبعا عارف إن أكبر قاعدة أمريكية فى العالم (خارج أمريكا) موجودة فى دولة قطر.
- ده صحيح، وده بالنسبة لى بيشكل لغز كبير، لأن من دولة قطر نفسها بتنطلق قناة لهلوبة الفضائية وهى أكبر منبر فى العالم لمهاجمة أمريكا lsquo; وفى نفس الوقت بتعتبر منبر لتنظيم القاعدة لنشر بيانات بن لادن والظواهرى.
- وده بالضبط إللى إحنا عاوزينه، قطر سمحت ببناء أكبر القواعد الأمريكية على أرضها ولهم علاقات جيدة مع إسرائيل (حليف أمريكا المضمون فى الشرق الأوسط) وفى نفس الوقت إحنا نشجع ونرحب بوجود قناة لهلوبة الفضائية، لأن وجودها وشعبيتها بتصرف الأنظار عن تواجدنا القوى فى قطر، وفى نفس الوقت هذه القناة بتعتبر صمام تنفيس عن مشاعر الغضب الشعبية ضد سياسة أمريكا فى المنطقة، ومنها أيضا بنعرف كل أعداء أمريكا فى المنطقة، إنت فاكر الإشاعة إللى طلعت من فترة عن إن أمريكا سوف تقصف مبنى قناة لهلوبة الفضائية؟
- أيوة سمعت عنها.
- الإشاعة دى إحنا إللى نشرناها وذلك لضمان زيادة شعبية القناة، ولضمان غض النظر عن القواعد الأمريكية فى قطر، وأنت طبعا عارف المذيع المشهور (قاسم السماوى) صاحب البرنامج الأكثر شعبية برنامج (الشريك المخالف)، لو بص من شباك مكتبه لشاهد قواعد أمريكا التى يهاجمها ليل نهار.
- طيب ودول إنت بتدفعوا لهم حاجة؟
- لأ أبدا، ماهو ده الجميل فى الموضوع، دول بيشتغلوا لمصلحتنا من غير ما ندفع لهم ولا سنت واحد، إحنا طبعا بندفع لحكومة قطر مبالغ كبيرة مقابل تأجير القواعد الأمريكية، وده شئ غير سرى ومعلن.
- طيب إيه العمل معايا دلوقت؟
- أنا رأيى إنك تغير أسلوبك وتبدأ فى الكتابة بالهجوم على أمريكا وعلى المخطط الأمريكى إللى إنت قلت لنا عليه، وبعد كده شعبيتك حتوصل للسماء، ساعتها سوف يكون لك قيمة حقيقية للمخابرات الأمريكية.
- يعنى مشوارى ده جه ع الفاضى؟!
- أنا آسف مستر البحيرى، كان نفسى أساعدك.
- طيب إيدك على أجرة التاكسى إللى حياخدنى للمطار.
- أنا آسف ما عنديش صلاحية أعطيك أجرة التاكسى!!
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات