بعد أيام من قدومي من كندا إلى الشرق التقيت برجل هام فقال لي: نحن قوم لا نفهم الجمال سوى في المرأة فهي المصدر الوحيد للجمال في اعتقادنا.
نحن لا نفهم الجمال في الوردة أو القمر أو الفراشة أو العصفور، والحقيقة أن هذا المنطق قد أدهشني، واعتبرته منطقا غريبا، بين قوم نزل عليهم خبر السماء وصدرت النبوات لأهل الأرض، فمن الشرق خرج إبراهيم وموسى وعيسى والنبيون لا نفرق بين أحد منهم..
ولكن هل الجمال كما تصورها صاحبنا أم أنها مغروسة في الكون في كل مكان؟
إن هذا يدفعني لعرض قصة الجدل بين أصحاب النظرية العلمية القديمة وأصحاب النظرية العلمية الحديثة....
الفريق الأول كان يضم مجموع العلماء الملحدين، والفريق الثاني كان يضم فريق العلماء، الذين نقضوا كل أقوال الفريق الأول، و كان الجمال هو وسيلتهم وحجتهم الدامغة لإثبات وجود الله سبحانه وتعالى..
لقد أنتجت النظرية العلمية القديمة في القرن التاسع عشر الكثير من المؤلفات التي تهاجم الدين باسم العلم وفي عام 1875 صدر كتاب بعنوان 'تاريخ الصراع بين الدين والعلم'The history of the conflict between religion and scienceلمؤلفه' John w Draper'
وهو أول رئيس للجمعية الأمريكية لعلوم الكيمياء وكذلك الرياضي والفلكي سيمون لابلاس ومن بينهم أيضا العالم فرويد وغيرهم من جمهور العلماء الملحدين الذين قالوا أن الكون آلة تدير نفسها بنفسها وهذه الآلة محكومة بحقيقتين الضرورة والصدفة كما قالوا أن المادة أزلية ولا حاجة للاعتقاد بوجود خالق للكون..
أما أصحاب النظرية العلمية الحديثة فلهم قول آخر لقد أثبتوا أن للكون بداية... مثل عالم الفيزياء الفلكية دنيس شياما، وعلماء الفيزياء النووية مثل (هانز بيته) و(كارل فون فايتسكر) الذين أثبتوا أن الكون كان مركبا في البداية من الهيدروجين، ثم تحول إلى عناصر أثقل وهي الكربون والأكسجين والسيليكون والحديد وسائر العناصر الأخرى.
كذلك العالم الفيزيائي (جورج غاموف) الذي تنبأ بالانفجار العظيم في عام 1948 م، ثم أكده العالمان (آرنو بنزياس) و(روبرت ويلسون) في عام 1965م وأخذا على ذلك لاحقا جائزة نوبل للعلوم.
وهكذا فإن النظرية العلمية الحديثة، ترى أن الكون بمجموعه، بما في ذلك المادة والطاقة والزمان والمكان والقوانين، حدث وقع في وقت واحد، وكانت له بداية محدودة، وأن المادة ليست أزلية، وإنما مكونة من خلق عقل أزلي الوجود..ز
والآن سوف أسهب بعض الشيء في موضوع العلماء الذين اعتمدوا على مفهوم الجمال لإثبات وجود الله سبحانه..
إن العلماء من أصحاب النظرية القديمة الحديثة قد ردوا على الفكرة التالية
الضرورة تحكم الكون
مثال: قد يستطيع أحدنا أن يبني مصنعا للسيارات، مجهزا كليا بمعدات ميكانيكية، لإنتاج عربات، ولكن ليس بالضرورة أن تكوم هذه العربات جميلة، حتى تؤدي الغرض بالركوب والتنقل.
وهكذا فالجمال في السيارة ليس ضرورة، إذ تظل العربات البشعة قادرة على أن تنقل الركاب بفعالية.
وكذلك ليس هنالك أي ضرورة مطلقة في المقام الأول، أن تشمل القوانين الفيزيائية للطبيعة، على عناصر الجمال الثلاثة، التي حددها العالم آينشتاين: وهي البساطة والتناسق وسعة التطبيق في كل موضع.
الضرورة إذن لا تقدم تفسيرا للجمال الذي نجده في الجوامد، كما أنها لا تستطيع أن تفسر الجمال الموجود في النباتات والحيوانات.
في عالم الجوامد يمكن أن نتصور كونا آخر ذا قوانين طبيعية غير متماثلة ومعقدة، تنتج ندفا ثلجية بشعة لضرورة ميكانيكية.
العالم همفريز كانت حجته على ذلك هي الندف الثلجية
لقد ألف هذا العالم كتابا اسمه (snow crystle) البلورات الثلجية، وهو كتاب يحتوي على ألفي شكل للندف الثلجية، بذل في تصويرها جهدا وعناية مدة تقرب من خمسين عاما..
يقول العالم همفريز في مقدمة كتابه:
( إن الثلج الجميل الذي يصفه الشاعر النشوان بأنه غطاء الشتاء النظيف الأملس للغابة والحقل، ما برح منذ قديم الزمن يتحدى الأقلام أن تصفه، والريش أن ترسمه وتصور آثاره العجيبة.
إن الجمال الذي تشيعه في النفس أصغر ندفة منه، أو أصغر بلورة تسبح بتؤدة بين السماء والأرض، لا يقل عن ذلك سحرا. وهو يلح علينا بإصرار عن سبب وجود هذه الجوهرة بالغة النقاء ذات الجمال الفائق والرقة والأناقة والأشكال التي لا حصر لها)
وهكذا فإن مصممو المنسوجات والفنانون ومصممي المجوهرات يستوحون أفكارهم من ندف الثلج ويستعينون بما يسميه همفريز معرض الطبيعة الدائم للزخرفة.
إن صغرى العواصف الثلجية تسقط على الأرض تريليونات من الندف الثلجية، وربما كانت كل ندفة فريدة من نوعها، وما من أحد استطاع حتى الآن أن يفهم مجمل العمليات والظواهر الفيزيائية لكيفية تشكل ندف الثلج؟؟
وقد وضع العالم الفيزيائي (جيمس لانغر) الذي يعمل في مركز الفيزياء النظرية، في (سانتا باربرا) قد وضع لها بعد سنوات طويلة من العمل المضني، نموذجا رياضيا يفسر جمال الندف الثلجية.
وهكذا فإن الضرورة لا يمكن أن تفسر الجمال الذي تقدمه لنا الطبيعة في تشكيل قوس القزح أو تكوين زبد البحر أو منظر غروب الشمس.
وإن جمال هذه الجوامد ينتج بالضرورة من قوانين الفيزياء والكيمياء.
هذا ما قدمه علماء الفيزياء والرياضيات لإلغاء فكرة أن الكون تحكمه الضرورة...
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات