دولة دينية فى إطار الأممية الإسلامية (1)
فى مارس 2004 وفى مؤتمر صحفى حاشد بنقابة الصحفيين اعلن مرشد الاخوان المسلمين برنامج الجماعة للاصلاح السياسى، وهو برنامج لدولة دينية تعكس توجهات الأخوان وتاريخهم الطويل، وقد تناولت هذا البرنامج وقتها فى اكثر من مقالة. ولكن برنامج إصلاحى مفترض لجماعة دينية كان طبيعا أن يعكس رؤيتهم الدينية كجماعة تدمج الدعوة بالسياسة بالجهاد.ولكن بعد فوز الأخوان ب88 مقعدا فى الانتخابات الأخيرة ارتفعت سقف أحلامهم السياسية وشعروا أن كرسى الحكم يقترب منهم، وكانت المطالبات العامة ماذا ستقدمون إذا وصلتم للحكم حيث أن برنامج لجماعة دينية يختلف عن رؤيه لحزب يطمح أن يحكم ويتعامل مع ملفات ومشاكل شائكة، وكانت نتيجة هذه المطالبات أن اعلن الأخوان فى 25 اغسطس 2007 quot;برنامج حزب الأخوان المسلمينquot;، ووزعوه على عدد كبير من المثقفين ليس لإستطلاع الرأى كما ادعوا بعد ذلك وانما ليعرفوا رد فعل الشارع الثقافى على مشروعهم السياسى لإنشاء دولة دينية إسلامية كجزء من الأممية الإسلامية التى ينادون بها منذ نشأة الجماعة عام 1928، بدليل السماح بنشره على العديد من موقع الإنترنت. وقد قرأت الكثير من المقالات التى تناولت هذا البرنامج وكانت فى مجملها تصب فى إطار نقدى لاذع لهذا البرنامج الملغوم.
وقد طبعت هذا البرنامج والذى يتكون من 128 صفحة والموجود على موقع quot;إسلام اون لاين quot; ومواقع أخرى، وقمت بقراءتة بدقة، وقد وجت اكثر وصف ينطبق على هذا البرنامج هو ما كتبة د.عبد المنعم سعيد بأنه quot;مزق إربا كل ما يتعلق بالدولة المدنيةquot;.
وقبل ان اتناول بالتحليل تفاصيل ما جاء فى البرنامج هناك عدد من الملاحظات الاولية:-
اولا: تناولت التعليقات بالنقد هيئة كبار العلماء المقترحة التى ستراجع التشريعات قبل صدورها، ووضع المرأة و الاقباط فى البرنامج، وفى الحقيقة أن الالغام الموجودة فى البرنامج اكبر من هذا بكثير، فالبرنامج من اول سطر الى اخر سطر هو رؤية دينية لدولة دينية خالصة لا مجال فيها أصلا للحديث عن الدولة المدنية،حتى ولو ادعوا أن الدولة الإسلامية هى دولة مدنية بالضرورة،... كل شىء مستمد من الدين، والدين يسبق الدولة و المجتمع والعلم والقانون والمجتمع المدنى وكل شىء،فكل شىء مصدره الدين الإسلامى، وكل شىء يجب أن يعمل من آجل الدين الإسلامى quot; فاللدولة وظائف دينية أساسية، فهى مسئولة عن حماية وحراسة الدين، والدولة الإسلامية يكون عليها حراسة الإسلام وحماية شئونه والتأكد من عدم وجود ما يعترض الممارسة الإسلامية من العبادة والدعوة والحج وغيرهاquot; ص 15....أما الاشياء الأخرى فهى مجرد تفاصيل ذرا للرماد فى العيون.
فمقدمة البرنامج التى تبدأ بديباجة دينية تخاطب المؤمنيين وتدعو غير المؤمنيين للهداية وتتحسر على ضياع فلسطين قلب الامة ذكرت كلمة إسلامية فى المقدمة وحدها 11 مرة و اختتمت المقدمة بأن quot; الله من وراء القصد وهو يهدى السبيل quot; فالله وليس الوطن هو الذى من اجله أعد البرنامج وهم وكلاءه على الارض أما الشعب أو الوطن فهذه اشياء ثانوية... وليس ادل على ذلك أن كلمة اسلامى واسلامية ومسلم قد ذكرت فى البرنامج 209 (مئتان وتسع مرات) علاوة على عشرات المرات لكلمة quot; أمة quot; ويقصد بها طبعا الامة الإسلامية، وعشرات المرات أخرى لكلمة quot; شريعة quot;ويقصد بها الشريعة الإسلامية، وفى المتوسط هناك اربعة كلمات فى كل صفحة من صفحات البرنامج تتعلق بالإسلام او الأمة الاسلامية او الشريعة، هذا بخلاف الحضارة و الهوية الإسلامية ومقاصد الشريعة والثوابت وغير ذلك من المصطلحلت المتداولة فى ادبياتهم.
ثانيا: هناك تفسخ واضح فى البرنامج نظرا لانه مكتوب بواسطة عدد كبيرمن الأفراد المكلفين كل فى مجال تخصصه،ولهذا ترى تناقضا بين فقراتة المختلفة، ففى كل فصل هناك مقدمة طويلة توضح رأى الإسلام والشريعة ثم يلى ذلك توصيات عادية غالبا هى منقولة من توصيات التقارير التى تقدمها المجالس القومية المتخصصة او مجلس الشورى فى القضايا العامة،ولهذا تشعر بهذه الازدواجية فى كافة الفقرات، توصيات منقولة من تقارير مكتوبة فى هيئات حكومية، ومقدمات دينية تم حشرها فى مقدمة كل فصل وفى مقدمة كل موضوع،والقارىء المدقق يفهم جيدا أن المقدمات الإسلامية هى رأى الاخوان فى الشئون العامة اما التوصيات المنقولة فقد كتبها خبراء متخصصون وهم بدورهم قد نقلوها من تقارير هيئات ومجالس استشارية، فهى ليست بجديدة وقد ساهمت انا شخصيا بكتابة مثلها فى التقرير السنوى الذى كان يقدمه البنك المركزى سنويا لمجلس الشعب فيما يتعلق بالسياسة النفدية. كل هذا يجعل البرنامج غير متجانس، بل ومتناقض مع بعضه فى فقرات كثيرة،فالدفع برأى الدين يتناقض فى كثير من التوصيات مع رأى العلم المنقول كما قلت من رأى خبراء متخصصين.
خذ مثلا الكلام عن quot;صياغة منظومة تشريعية تكفل العقوبة الملائمة لكل جريمة بعيدا عن الإفراط فى العقوبة او التفريط فى حق المجتمع quot; ص 95، فهذه توصية عادية تأخذ بها الكثير من الدول من آجل توازن العقوبات، ولكن فى الفقرة التالية مباشرة يطالب البرنامج بجعل الشريعة الاسلامية وحدها هى المصدر الرئيسى لإصدار تلك التشريعات، فهل قطع الايدى و الارجل والجلد و الرجم عقوبات ملائمة ؟!!،ام إنها عقوبات قاسية ومحظورة دوليا ؟. خذ مثل اخر إدعائهم أن الاقتصاد الاسلامى يحقق التنمية المتوازنة مثل ما حدث فى ماليزيا الاسلامية ص 61 فى حين أن المعروف أن ماليزيا تاخذ باقتصاد السوق الذى لا يعرف شىء اسمه إسلامى، فالاقتصاد كسائر العلوم لا دين له ولا جنسية له،والمعروف ايضا أن نهضة ماليزيا قائمة على أكتاف المايزيين ذوى الاصول الصينية وهم غير مسلمين، وأن المسلمين هناك يعدون القطاع الاكثر فقرا والاقل ابداعا.
ثالثا: كلمة وطن وكلمة مصر تائهة فى هذة الأممية الإسلامية، فمصر وفقا للبرنامج لها رسالة quot;فهى قلب الامة الإسلامية النابض وحامل لواء تحررها ونهضتها وانطلاقها فى التصدى لعدوها الغاشم على مر العصور quot;ص3،فالمهمة المقدسة للمسلم كما يراه الأخوان هو أن يكون فى حالة حافزية للجهاد والحرب حاملا سيفه ورمحه.مصر باعتبارها قلب الامة النابض فهى يجب ان تكون يقظة ومستعدة لمساندة المسلمين من السودان الى افغانستان ومن البوسنة الى الشيشان ومن الصومال الى ادغال الفلبين ضد quot;القوى المهيمنة على امتنا العربية والإسلامية هذه الأيام من احتلال لأفغانستان ومحاصرة لإيران وتمزيق للعراق وتهديد لسوريا وإثارة للفتن فى لبنان واستنزاف لدول الخليج وتدخل فى الصومال وتطويق للسودان وتفريق بين دول المغرب العربىquot; ص 3.
وإذا كانت مصر تائهة فى هذا البرنامج الإسلامى الكوكبى فبالطبع الأقباط غائبون فهم يفضلون المصطلحات التراثية مسلم وغير مسلم، فلم اقرأ كلمة قبطى إلا مرة واحدة فى ص 67 تحت بند عجز الموازنة العامة عن طريق quot;تفعيل مؤسسة الزكاة والوقف او خلال مجال العمل الخيرى لدى الأخوة الاقباط سواء من خلال الوقف او ما يعرف بالعشور والبكورquot;، يعنى بمعنى اصح فرض نوع جديد من الجزية على الأقباط و مصادرة اوقافهم وحتى بكورهم وعشورهم لصالح الدولة الإسلامية المحاربة المجاهدة، وفى نفس الوقت لا تنفق الدولة مليما واحدا على هذه الكنائس وعلى مرتبات رجال الدين الأقباط ومصروفات الكنائس المتعددة...فهل رأيتم إجحاف من قبل يفوق ما جاء فى هذا البرنامج؟؟، بل ويطالب البرنامج رسميا الكنيسة القبطية بدور واضح فى مقاومة التذويب و الغزو الفكرى الغربى الذى سيهدم العالم الاسلامى ص83، وأن تتصدى الكنيسة لدعم الفئات المعوزة اجتماعيا كالأيتام و المعاقين و المسنين من المسلمين ص 83quot; وان تركز الكنيسة جهودها فى دعم رسالتها الروحية بين المسيحيين دون غيرها من أدوار لا تتلاءم مع طبيعتهاquot;، أما المسجد فيقوم بكافة الأدوار الدينية والسياسية والإجتماعية
quot;توسعة نطاق دور العبادة فلا تقتصر على أداء الشعائر فقط، بل يجب أن تؤدى الرسالة التى رسمها الإسلام للمسجدquot; ص 81،أى بمعنى اوضح تأميم الكنيسة القبطية لصالح المشروع الإسلامى فأموالها ورسالتها يجب أن تصبح فى خدمة أهداف الإسلامية الدولية!!!.
هذه مجرد ملاحظات أولية وإلى التفاصيل فى الاعداد المقبلة
[email protected]
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات