إذا كانت الصدفة والضرورة كلتاهما عاجزتان عن تفسير الجمال؛ فلابد من وجود شيء غير هذين البديلين؛ فحيثما تصرفت العلة بفعل ضرورة، فلا بد من وجود داع لهذا التصرف، ولكنه تصرف أغلقت دونه جميع المسالك باستثناء مسلك واحد..
أما الصدفة فهي من الناحية الأخرى تقبل البدائل، ولكن ليس هناك سبب يفسر تحقيق بديل دون غيره، والطريق الأوسط بين هذين الطرفين علة تقبل البدائل، ولكن لديها في الوقت ذاته سببا يفسر اختيارها لواحد منها دون سواه.
إذا تأملنا مليا حرفيا يصنع سكينا لتقطيع الخبز لاستخدامه الشخصي،فبالضرورة ستكون للسكين الجديد شفرة، إذ أنه من دونها لن يستطيع تقطيع الخبز؟؟ ومن الضرورة أيضا صنع مقبض لمسك السكين..
أما تصميم المقبض إذا كان مرصعا أو مزخرفا فلا يمكن عزوه للضرورة، لأن السكين قادر على تقطيع الخبز بنجاح، دون الحاجة إلى أية زخرفة على الإطلاق...
والحرفي اختار بمحض إرادته أن يزين أداته بالزخارف، وفي وسعه أن يضيف الزخارف أو أن لا يضيفها، فإذا اختار إضافتها توفرت له تشكيلة غير محدودة من التصاميم ينتقي منها ما يشاء..
إن زخرفة السكين تقبل البدائل، ومع ذلك فهناك سبب لوجودها، وهو أن الفنان لا يريد سكينا نافعا فحسب؛ بل سكينا جميلا، فالزخرفة ليست نتيجة الصدفة ولا الضرورة بل هي تصرف يتسم بالاختيار..
كذلك هناك عقل مسئول عن جمال الطبيعة..
إن هذه الجهود المبذولة ولسنوات طويلة من قبل علماء فلك وأحياء و فيزيائيين وكيميائيين، مستخدمين صفة الجمال، للوصول إلى اليقين بوجود إله واحد مبدع، هم الذين وصفهم القرآن بأولي الألباب؛ أن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار..
هاتان الآيتان تفتحان لنا جميعا باب الدعوة لحضور معرض دائم للسموات والأرض وما بينهما في الليل والنهار، وهي دعوة لأولي الألباب هذه الفئة التي لا تمر في هذا المعرض الكوني الدائم مغمضة الأعين، وهي دعوة للتفاهم بين فطرة الكون وفطرة الإنسان.
دعوة لأولي الألباب الذين يستنقذون حسهم من بلادة التكرار وسبات المألوف، وينتشلون بصيرتهم لاستقبال آيات الله الكونية، متخطين عوائق النظرة السطحية بينهم وبين ما يحيط بهم من جمال، ليس في المرأة فحسب بل في عظيم خلق الله..
دعوة استجاب لها هؤلاء العلماء، وانتهوا إلى الإيمان بوجود يد مبدعة مخططة حكيمة عليمة، وهذه الآيات تصور لنا خطوات الحركة النفسية التي ينشئها استقبال مشهد السموات والأرض واختلاف الليل والنهار في مشاعر أولي الألباب، وهذا ما نسميه بالاستقبال..
في هذه الآيات أيضا تصوير إيحائي يلفت القلوب إلى المنهج الصحيح في التعامل مع الكون، وفي التجاوب مع مشاهد الجمال، التي رأيناها في ندف الثلج، وفي تركيبة ال DNA وفي صوت الإنسان وفي ريش الطائر، وهذا ما يسمى الاستجابة، ثم انتهوا جميعا إلى قول واحد ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار وهنا كان الاتصال
إذا هناك ثلاث نقاط رئيسية:1
استقبال 2 استجابة 3 اتصال
هذه النقاط الثلاث تحدد لنا مثلثا هو نصيب كل إنسان منا في هذه الدنيا
1- الاستقبال: وهو ما يوجهنا له القرآن إنه التأمل، ويقول أبو الدرداء تأمل ساعة خير من قيام ليلة... لماذا؟؟ لأن التأمل يفرز علما وعملا، وهو مفتاح الاختراعات والاكتشافات، كما رأينا المتأمل في ندفة الثلج وورقة الشجر
2- الاستجابة: هي العمل وفي القرآن قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
3-الاتصال: وهي النتيجة الحتمية للتأمل، ثم للعمل ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار..
وراء هذا الكون خالق مبدع واحد أحد، والشريعة الإسلامية تجعل كل عمل مهما قل شأنه متصلا بالله..
مثال جوع (استقبال لرؤية الطعام)
أكل( استجابة بالأكل وهو ما سميناه بالعمل)
الحمد لله (اتصال)
مثال آخر أنا في السوق أتأمل السلع (استقبال)
اشتريت الثوب (استجابة) وهو العمل
اللهم أسألك من خيره وخير ما هو له وأعوذ بك من شره وشر ما هو له تم (الاتصال)
وهكذا هي مثلثات تضاف إلى رصيدنا في الآخرة وليست أعمال زائلة على بساطتها وضآلتها.
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات