مع وفاة أخر عظماء الأدب الروسي quot; ألكسندر سولجنتسين مؤخرا كان أمرا واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة أن يحاول المرء الوقوف على بعض من تراث هذا الراحل الكبير والذي استحق وعن جدارة لقب احد اكبر الضمائر الروسية في القرن العشرين وبين ثنايا الكثير من الأوراق نجد موقفا يكاد ظاهره أن يكون مناقضا لباطنه لكن وقفة تأمل دون تعطل تؤكد عكس ذلك... ماذا يعني ذلك الكلام؟
نحن نعلم أن سولجنتسين قد عاش زهاء ثمانية عشر عاما في مدينة فيرمونت الأمريكية لاجئا هاربا من نير الطغيان الشيوعي الأمر الذي كان من الممكن معه أن يضحى مستغربا بأكثر من الغربيين وكاثوليكيا بأكثر ولاء وانتماء من البابا غير أن الرجل بحسه الوجداني وضميره الإنساني قد رفض النموذج الغربي معتبرا أن رأسمالية الغرب التي تسلع الإنسان تعادل في قساوتها استبداد الحزب الشيوعي.
كان سولجنتسين ناقدا جدا للمادية وللفساد الأخلاقي في بعض مواقع ومواضع الغرب ففي خطاب شهير ألقاه في جامعة هارفارد عام 1978 انتقد quot; الحرية الهدامة وغير المسؤولة quot;، والغرب في نظره كان الوجه الأخر للنظام الشيوعي، ذلك الغرب الاستهلاكي الذي انتقده في محاضرة شهيرة له ألقاها عام 1975 في مجلس الشيوخ الأمريكي وبدا فيها كاتبا محافظا لا يخفي انتماءه السلافي ولا مسيحيته الأرثوذكسية.
والشاهد انه في الثامن من حزيران 1978 رفض سولجنتسين أن يشيد بالديمقراطية الأمريكية أمام طلاب جامعة هارفارد المرموقة بل وجه أليهم انتقادات لاذعة قائلا: لا،لا يسعني أن أوصي بمجتمعكم بوضعه الحالي كمثال أعلى لتحول مجتمعنا quot;ووزع انتقاداته شرقا وغربا موازيا بين طغيان الحزب في الشرق وطغيان التجارة في الغرب.
والحاصل أن وفاة سولجنتسين قد واكبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2008 والتي يتساءل المرء هل هي انتخابات ديمقراطية وعن حق أم أنها في صورة أخرى من صور ديمقراطية القلة التي تتحكم في الكثرة الكثيرة من الأمريكيين ما يعود بنا إلى دائرة الحكم الاوتوقراطي وقصة العائلات الستين التي تحكم أمريكا؟
يقودنا الحديث إلى كتاب ديمقراطية للقلة للكاتب والمحلل السياسي الأمريكي quot; مايكل بارنتيquot; الحائز على درجة الدكتوراه من جامعة quot; ييل quot; الأمريكية والذي يرى أن جميع الأغنياء لا يشاركون في الحكم، بل أن معظمهم يفضلون التركيز على مصالح أعمالهم. أما الطبقة الحاكمة أو ما تسمى بالبلوتوقراطية (الطبقة الثرية الحاكمة) فهي تتألف في معظمها من الأعضاء الناشطين في الطبقة المالكة، وقد ظلت معظم المناصب القيادية العليا منذ قيام الجمهورية في الولايات المتحدة وحتى الآن في أيدي أشخاص من الذكور البيض الذين ينتمون للطبقة الثرية بما في ذلك منصب الرئيس ونائب الرئيس والوزراء وعضوية المحكمة العليا، بينما بقيت معظم المناصب الباقية في أيدي أشخاص من الطبقة المتوسطة العليا (رجال أعمال متخصصون).
وفي حين تظل الأساطير الرائجة تتردد بان معظم الرؤساء الأمريكيين هم من أصول متواضعة، فان الحقيقة هي أنهم جميعا تقريبا ينتمون لعائلات تتمتع بوضع اجتماعي اقتصادي أعلى مما ينتمي إليه 90% من سكان الولايات المتحدة.
ويتساءل المؤلف أين الديمقراطية إذا جاء معظم صناع السياسة القومية من إدارات الشركات الكبرى والشركات القانونية المرموقة وبنوك وول ستريت ثم بدرجة اقل من العسكريين ومن جامعات النخبة ومراكز البحوث والمؤسسات المرموقة والمؤسسات العالمية؟
والمؤكد أن هولاء ينقلون إلى الحياة العامة الكثير من المصالح والقيم الطبقية لطبقتهم والتي تشكل مسار أعمالهم في مؤسسات الأعمال، غير أن العامل الحاسم ليس الأصول الطبقية للقادة بل المصالح الطبقية التي يخدمونها فشخص غني يبدي ميولا تقدمية واضحة لن يدعى في الغالب لشغل منصب في السلطة، وبالمقابل فان أشخاص من خلفيات متواضعة نسبيا مثل الرؤساء ليندون جونسون ورونالد ريجان وبيل كلينتون، صعدوا إلى القمة لأنهم اظهروا أنهم حراس أمناء للدوائر العليا، فالقضية إذن ليست فقط من يحكم بل المصالح والأجندة التي يخدمها من يحكم ومن يستفيد ومن لا يستفيد وهي القضايا التي يركز عليها الكتاب والتي تفضح في شكلها ومضمونها فكرة الديمقراطية الغناء التي حاولت إدارة بوش مؤخرا الترويج لها ومطالبة دول العالم بمحاكاتها.
والشاهد انه إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تفاخر صباح مساء كل يوم بأنها بلد التعددية فهل تمثل تلك التعددية في حقيقة الأمر تنوعا حقيقيا أم وهميا؟
الإجابة عند مايكل بارنتي هي أن معظم سياسات الحكومة تحابي والى حد كبير مصالح كبار المستثمرين على حساب الشعب وعلى الرغم من أن عامة الناس حققوا بعض المزايا الحقيقية بعد كفاح طويل وشاق غير أن الظلم والجور الاجتماعي مازالا سائدين وبدرجة هائلة بل أنهما يزدادان سوءا. ويؤكد على انه إن نظرنا إلى الحكومة على أنها لا تعدو كونها مجرد حكم في وسط طيف كامل من المجموعات المتوازنة التي يفترض فيها أن تمثل كل المصالح الهامة في داخل المجتمع فإننا إنما ننسى بذلك أن الحكومة تقدم أفضل الخدمات لمن يستطيعون خدمة أنفسهم على أحسن وجه.
ورغم أن احد أنصار التعددية وهو quot; ماكس تيرنر quot; في كتابه quot;أمريكا كحضارة quot; يصف السلطة في أمريكا بأنها جمعية ومرنة، إلا أن الواقع هو أن السلطة تتركز ضمن نطاق القوى الاقتصادية السياسية المختلطة جيدا ما بين التمويل والتنظيم والمزايا السياسية المتغلغلة التي توفر السبيل للوصول إلى مصادر سلطة أخرى أما توزيع السلطة فهو ليس جمعيا ولا مرنا.
ويبقى التساؤل من يتحكم في أمريكا؟ وهل تتحكم بالحكومة الأمريكية نخبة وحيدة هائلة الحجم؟
يقول المؤلف لا، بل إن خلافات حادة قد تقوم بين حين وأخر في داخل الدوائر الحاكمة حول أفضل السبل لإسكات المنازعات الطبقية ولدفع مصالح أنصار السوق المفتوحة إلى الإمام، قد تثور الخلافات بين المحافظين المعتدلين والرأسماليين المحافظين المغالين، بين مصالح مستثمرين كبار وغيرهم من الصغار وبين الشركات الكبرى التي تعمل في داخل الولايات المتحدة وبين تلك التي تعمل على نطاق عالمي، غير أن هذه الصراعات قلما تأخذ مصالح جمهرة الناس العاملين في الحسبان، بل عندما يجد الجد فان ما يجعل هذه النخب تتماسك مع بعضها البعض هو مصالحها المشتركة في الحفاظ على نظام اقتصادي يؤمن باستمرار تراكم ثروات الشركات الكبرى وتامين ديمومة طراز الحياة الذي يعيش الأثرياء في ظله.
هل كان سولجنتسين على حق في رفضه لفكرة الديمقراطية الأمريكية من خلال رفضه تسليع الإنسان أو تنميطه من قبل الرأسمالية المتوحشة تارة والشمولية الشيوعية تارة أخرى؟ اغلب الظن أن ذلك كذلك.
نحن نعلم أن سولجنتسين قد عاش زهاء ثمانية عشر عاما في مدينة فيرمونت الأمريكية لاجئا هاربا من نير الطغيان الشيوعي الأمر الذي كان من الممكن معه أن يضحى مستغربا بأكثر من الغربيين وكاثوليكيا بأكثر ولاء وانتماء من البابا غير أن الرجل بحسه الوجداني وضميره الإنساني قد رفض النموذج الغربي معتبرا أن رأسمالية الغرب التي تسلع الإنسان تعادل في قساوتها استبداد الحزب الشيوعي.
كان سولجنتسين ناقدا جدا للمادية وللفساد الأخلاقي في بعض مواقع ومواضع الغرب ففي خطاب شهير ألقاه في جامعة هارفارد عام 1978 انتقد quot; الحرية الهدامة وغير المسؤولة quot;، والغرب في نظره كان الوجه الأخر للنظام الشيوعي، ذلك الغرب الاستهلاكي الذي انتقده في محاضرة شهيرة له ألقاها عام 1975 في مجلس الشيوخ الأمريكي وبدا فيها كاتبا محافظا لا يخفي انتماءه السلافي ولا مسيحيته الأرثوذكسية.
والشاهد انه في الثامن من حزيران 1978 رفض سولجنتسين أن يشيد بالديمقراطية الأمريكية أمام طلاب جامعة هارفارد المرموقة بل وجه أليهم انتقادات لاذعة قائلا: لا،لا يسعني أن أوصي بمجتمعكم بوضعه الحالي كمثال أعلى لتحول مجتمعنا quot;ووزع انتقاداته شرقا وغربا موازيا بين طغيان الحزب في الشرق وطغيان التجارة في الغرب.
والحاصل أن وفاة سولجنتسين قد واكبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2008 والتي يتساءل المرء هل هي انتخابات ديمقراطية وعن حق أم أنها في صورة أخرى من صور ديمقراطية القلة التي تتحكم في الكثرة الكثيرة من الأمريكيين ما يعود بنا إلى دائرة الحكم الاوتوقراطي وقصة العائلات الستين التي تحكم أمريكا؟
يقودنا الحديث إلى كتاب ديمقراطية للقلة للكاتب والمحلل السياسي الأمريكي quot; مايكل بارنتيquot; الحائز على درجة الدكتوراه من جامعة quot; ييل quot; الأمريكية والذي يرى أن جميع الأغنياء لا يشاركون في الحكم، بل أن معظمهم يفضلون التركيز على مصالح أعمالهم. أما الطبقة الحاكمة أو ما تسمى بالبلوتوقراطية (الطبقة الثرية الحاكمة) فهي تتألف في معظمها من الأعضاء الناشطين في الطبقة المالكة، وقد ظلت معظم المناصب القيادية العليا منذ قيام الجمهورية في الولايات المتحدة وحتى الآن في أيدي أشخاص من الذكور البيض الذين ينتمون للطبقة الثرية بما في ذلك منصب الرئيس ونائب الرئيس والوزراء وعضوية المحكمة العليا، بينما بقيت معظم المناصب الباقية في أيدي أشخاص من الطبقة المتوسطة العليا (رجال أعمال متخصصون).
وفي حين تظل الأساطير الرائجة تتردد بان معظم الرؤساء الأمريكيين هم من أصول متواضعة، فان الحقيقة هي أنهم جميعا تقريبا ينتمون لعائلات تتمتع بوضع اجتماعي اقتصادي أعلى مما ينتمي إليه 90% من سكان الولايات المتحدة.
ويتساءل المؤلف أين الديمقراطية إذا جاء معظم صناع السياسة القومية من إدارات الشركات الكبرى والشركات القانونية المرموقة وبنوك وول ستريت ثم بدرجة اقل من العسكريين ومن جامعات النخبة ومراكز البحوث والمؤسسات المرموقة والمؤسسات العالمية؟
والمؤكد أن هولاء ينقلون إلى الحياة العامة الكثير من المصالح والقيم الطبقية لطبقتهم والتي تشكل مسار أعمالهم في مؤسسات الأعمال، غير أن العامل الحاسم ليس الأصول الطبقية للقادة بل المصالح الطبقية التي يخدمونها فشخص غني يبدي ميولا تقدمية واضحة لن يدعى في الغالب لشغل منصب في السلطة، وبالمقابل فان أشخاص من خلفيات متواضعة نسبيا مثل الرؤساء ليندون جونسون ورونالد ريجان وبيل كلينتون، صعدوا إلى القمة لأنهم اظهروا أنهم حراس أمناء للدوائر العليا، فالقضية إذن ليست فقط من يحكم بل المصالح والأجندة التي يخدمها من يحكم ومن يستفيد ومن لا يستفيد وهي القضايا التي يركز عليها الكتاب والتي تفضح في شكلها ومضمونها فكرة الديمقراطية الغناء التي حاولت إدارة بوش مؤخرا الترويج لها ومطالبة دول العالم بمحاكاتها.
والشاهد انه إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تفاخر صباح مساء كل يوم بأنها بلد التعددية فهل تمثل تلك التعددية في حقيقة الأمر تنوعا حقيقيا أم وهميا؟
الإجابة عند مايكل بارنتي هي أن معظم سياسات الحكومة تحابي والى حد كبير مصالح كبار المستثمرين على حساب الشعب وعلى الرغم من أن عامة الناس حققوا بعض المزايا الحقيقية بعد كفاح طويل وشاق غير أن الظلم والجور الاجتماعي مازالا سائدين وبدرجة هائلة بل أنهما يزدادان سوءا. ويؤكد على انه إن نظرنا إلى الحكومة على أنها لا تعدو كونها مجرد حكم في وسط طيف كامل من المجموعات المتوازنة التي يفترض فيها أن تمثل كل المصالح الهامة في داخل المجتمع فإننا إنما ننسى بذلك أن الحكومة تقدم أفضل الخدمات لمن يستطيعون خدمة أنفسهم على أحسن وجه.
ورغم أن احد أنصار التعددية وهو quot; ماكس تيرنر quot; في كتابه quot;أمريكا كحضارة quot; يصف السلطة في أمريكا بأنها جمعية ومرنة، إلا أن الواقع هو أن السلطة تتركز ضمن نطاق القوى الاقتصادية السياسية المختلطة جيدا ما بين التمويل والتنظيم والمزايا السياسية المتغلغلة التي توفر السبيل للوصول إلى مصادر سلطة أخرى أما توزيع السلطة فهو ليس جمعيا ولا مرنا.
ويبقى التساؤل من يتحكم في أمريكا؟ وهل تتحكم بالحكومة الأمريكية نخبة وحيدة هائلة الحجم؟
يقول المؤلف لا، بل إن خلافات حادة قد تقوم بين حين وأخر في داخل الدوائر الحاكمة حول أفضل السبل لإسكات المنازعات الطبقية ولدفع مصالح أنصار السوق المفتوحة إلى الإمام، قد تثور الخلافات بين المحافظين المعتدلين والرأسماليين المحافظين المغالين، بين مصالح مستثمرين كبار وغيرهم من الصغار وبين الشركات الكبرى التي تعمل في داخل الولايات المتحدة وبين تلك التي تعمل على نطاق عالمي، غير أن هذه الصراعات قلما تأخذ مصالح جمهرة الناس العاملين في الحسبان، بل عندما يجد الجد فان ما يجعل هذه النخب تتماسك مع بعضها البعض هو مصالحها المشتركة في الحفاظ على نظام اقتصادي يؤمن باستمرار تراكم ثروات الشركات الكبرى وتامين ديمومة طراز الحياة الذي يعيش الأثرياء في ظله.
هل كان سولجنتسين على حق في رفضه لفكرة الديمقراطية الأمريكية من خلال رفضه تسليع الإنسان أو تنميطه من قبل الرأسمالية المتوحشة تارة والشمولية الشيوعية تارة أخرى؟ اغلب الظن أن ذلك كذلك.
التعليقات