اعتاد البورقيبيون في تونس خلال السنوات الأخيرة، على الاجتماع في مقبرة quot;آل بورقيبةquot; في قلب مدينة المنستير مرتين في السنة على الأقل، يوم ذكرى ميلاده في الثالث من أغسطس/آب، ويوم ذكرى وفاته في السادس من أبريل/نيسان، وذلك لقراءة الفاتحة على روح الزعيم الرئيس الذي صنع رحمه الله quot;أمة من غبارquot;، وبث في التونسيين روح الأصالة والحداثة معا، فعادوا بعده شعبا طموحا ودولة واعدة ومشروعا عظيما للمستقبل.
وقد اخترت في هذا الشهر، شهر رمضان المبارك، الذي هو شهر القرآن، أن أتحدث عن علاقة الرئيس بورقيبة بكتاب الله، حيث كان لقاء البورقيبيين الأخير في ذكرى ولادته الأخير قبل أسابيع، مناسبة لحديث مستفيض بينهم عن هذا الموضوع، ومواضيع أخرى ذات صلة، ترسخ في مجملها بين أتباعه صورة بورقيبة quot;المجددquot; المؤمن بضرورة الاجتهاد والتأويل المعاصر وتسخير الإسلام في خدمة معارك التنمية والتحديث.
أخبرني الأستاذ محمد بن نصر الوالي السابق (المحافظ) على زمن الرئيس بورقيبة، قصة تستحق أن تروى، مفادها أنه سأل في أحد لقاءاته الزعيم عن كيفية التعامل مع القرآن، فكان أن أجابه بما جاء في القرءان نفسه، موصيا إياه باتباع الآية الكريمة quot;هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله, وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به, كلٌٌّ من عند ربنا وما يذّكّر إلا أولو الألبابquot; (آية 7 من سورة آل عمران).
لقد كان الزعيم بورقيبة مدركا لحقيقة المشكلة التي واجهها المسلمون منذ وقت مبكر جدا في تاريخهم، لعله يعود إلى سقيفة بني ساعدة، في كيفية التعامل مع النص المقدس، وقد انقسموا في صراعهم حول هذه المسألة إلى عشرات الفرق والطوائف، ولا يزالون، غير أن المهم ذكره هنا، هو أن هناك خطان بارزان يمكن بتسطيرهما تلخيص الصراع، أحدهما خط عقلاني تطور مع المعتزلة وما يزال يفرز تجليات مختلفة إلى اليوم، وإليه بالمقدور نسبة المجاهد الأكبر، وخط نصي حرفي ظاهري ما فتئ يفرز دعاة للانغلاق والتطرف والعنف حتى الساعة، وإليه تنتسب هذه الجماعات المستهينة بالدم والعرض والإنسان.
والفرق الذي وجدته وأنا أقلب صفحات من السيرة البورقيبية، بين الزعيم التونسي الخالد وكثير من دعاة الحداثة في العالم العربي، أنه كان واعيا بحقيقة مكانة الدين في المجتمعات العربية والإسلامية، وأنه لم يكن مستعدا لترك الدين لمن يتطلع إلى تسخيره في مشاريع رجعية مضادة لروح العصر ومصالح المجتمع، و ما تزال الرؤية البورقيبية هي الأصح، حيث ثبت باستمرار أن معاداة الدين والتخلي عن وظيفة تأويله، لن يخدم إلا مصالح الجماعات المتطرفة والمنغلقة.
لقد تعرضت السيرة البورقيبية على امتداد عقود، خاصة فيما يتعلق بصلة الزعيم بالإسلام، إلى حملات تشويه وتضليل متعاقبة، سواء من أطراف داخلية أو خارجية، وهو ما حرم ربما ملايين العرب والمسلمين، ومن بينهم أجيال التونسيين الجديدة، من الاستفادة من مدرسة إصلاحية عظيمة، لعلها فتحت آفاقا رحبة أمام الفكر والفقه الإسلاميين، أكثر بكثير ممن يزعمون نصرة الدين وهم من يشتري بآيات الله ثمنا قليلا.
ومن الأمور التي يجب أن تذكر في هذا السياق، أن الزعيم بورقيبة كان واحدا من أبرز الملمين بعلوم القرآن والسيرة النبوية والفقه من أبناء جيله، وكان يحفظ الكثير من آيات الله، بل لعله كان حافظا لجلها، غير أنه كان مطلعا بشكل عميق أيضا على العلوم الإنسانية الغربية، متسلحا في تعامله مع الثقافتين بروحه النقدية والعقلانية الفذة، ومؤمنا بأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها.
وأذكر في هذا المجال قصة أخرى تؤكد هذا المنحى، أخبرني بها الدكتور أحمد القديدي الذي تولى مسؤوليات رسمية بارزة أيام حكم الرئيس الخالد، مفادها أنه كان يوما في حضرة بورقيبة إلى جانب عدد كبير من المسؤولين، ولم يكن ساعتها معروفا لديه، وعند تطرق الرئيس إلى أحد المواضيع وأراد الاستشهاد بآية قرآنية، نسي جزءا منها، فتدخل الدكتور القديدي على غير وارد مذكرا بما نقص. وقد انقضت أسابيع بعد الحادثة، فلما شغر منصب رئاسة تحرير صحيفة العمل، الناطقة بإسم الحزب الحاكم، قال المجاهد الأكبر لرئيس وزرائه الأستاذ محمد مزالي، إن أفضل من قد يشغل هذا الموقع، هو ذلك الذي ذكرني بما نقص من الآية، فإبحث لي عنه، وقد كان الدكتور القديدي فعلا واحد من أفضل رؤساء تحرير هذه الصحيفة التي اشتق الزعيم إسمها من القرآن الكريم.
وإن قارئ سيرة الزعيم الرئيس بورقيبة، سيعثر لا محالة على حقيقة كبرى وخيط واضح مستديم انطلق منذ اللحظة الأولى التي قرر فيها خوض غمار العمل السياسي أواخر العشرينيات، متطلعا إلى بث روح الحياة والاستقلال في شعب استكان إلى المستعمر، إلى أن التحق بالرفيق الأعلى، وفحوى هذه الحقيقة رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه، أنه كان متدبرا للقرآن مستشهدا على الدوام بآياته، أليس هو من اتخذ لنفسه ورفاقه وحزبه وبلده شعارا دائما، الآية القرآنية quot;وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..quot; (الآية 105/سورة التوبة).
لقد استهل بورقيبة الحياة السياسية بمقال دافع فيه عن الحجاب باعتباره حينها مقوما من مقومات الهوية التونسية، التي كانت مهددة بمشاريع المستعمر الفرنسي البغيضة، وما فتئ بعد ذلك يستشهد بالآيات المحكمات من القرآن كلما واجه المشروع التحرري خطب من الخطوب، ومن ذلك ختمه رسالته المشهورة إلى الباي (الملك) في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، والتي حظه فيها على الوقوف إلى جانب الحركة الوطنية والصمود في وجه الاستعمار وعدم اليأس من نصر الله، بالآية الكريمة quot; أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريبquot; (الآية 214 / سورة البقرة).
و قد تسلح المجاهد الأكبر بالآيات المحكمات كذلك، حين انتقلت البلاد كما وصف هو من الجهاد الأصغر (معركة التحرر من الاستعمار) إلى الجهاد الأكبر (معركة التنمية والتقدم في ظل دولة الاستقلال)، حيث كانت الآيات القرآنية سلاحه الأساسي في مواجهة أصوات الرجعية والتخلف، وسنده مجموعة من علماء الإسلام المستنيرين الأفذاذ من قبيل quot;العاشورينquot; محمد الطاهر ومحمد الفاضل رحمهما الله.
ومن معارك الزعيم الأولى، معركة تحرير المرأة، وقد كان عنوانها الرئيسي تشريع منع تعدد الزوجات، إذ بادر إلى الاستشهاد بالآية الكريمة quot; ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتمquot; (الآية 129/سورة النساء)، وهي آية يقول بعض الفقهاء أنها نسخت غيرها فيما يتعلق بباب النكاح وأحكامه، وقد سن المجاهد الأكبر بهذا التشريع سنة حميدة سبق إليها، شكلت مطمح التقدميين في سائر أنحاء العالم العربي والإسلامي إلى هذا الوقت، وله بلا شك أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
لقد حاول الشكلانيون في تونس وخارجها النيل من صورة الزعيم المجدد، مركزين على أحداث ظاهرية في سيرته تخالف العادات البائسة لا جوهر الدين، ومكرسين طريقة سطحية في التعامل مع النص الإسلامي، ومروجين لنمط من التفكير الفاسد شائع لم ينقطع، و موروث غير ممحص ولا مقدس، أنتجه بشر كسائر البشر، لعلهم اضطلعوا بمسؤولية في زمانهم، تماما مثلما أراد المجاهد الأكبر أن يكون المعاصرون مسؤولين في زمانهم.
وثمة أمران يخصان كاتب هذه الأسطر في نظرته لشأن البورقيبية الفريد، جدير بي أن أذكرهما كخاتمة لمقالي هذا، أولهما أنني وقفت على عبقرية التأويل البورقيبي للإسلام وعلى سبق الزعيم بورقيبة إلى كثير من الخلاصات والنتائج التي أدركها اللاحقون من المفكرين المجددين من العرب والمسلمين، وثانيهما أنني أدركت أيضا مدى استفادة الزعيم بورقيبة من سيرة من أنزل الله على جوفه القرآن الرسول محمد (ص)، سواء في مرحلة الدعوة والثورة أو مرحلة البناء والدولة، استفادة المتبصر النافذ إلى أعماق ومقاصد الرسالة القرآنية، ومن أعلاها شأنا الوثوق من نصر الله متى كان العمل لصالح خلقه مخلصا.
وقد اخترت في هذا الشهر، شهر رمضان المبارك، الذي هو شهر القرآن، أن أتحدث عن علاقة الرئيس بورقيبة بكتاب الله، حيث كان لقاء البورقيبيين الأخير في ذكرى ولادته الأخير قبل أسابيع، مناسبة لحديث مستفيض بينهم عن هذا الموضوع، ومواضيع أخرى ذات صلة، ترسخ في مجملها بين أتباعه صورة بورقيبة quot;المجددquot; المؤمن بضرورة الاجتهاد والتأويل المعاصر وتسخير الإسلام في خدمة معارك التنمية والتحديث.
أخبرني الأستاذ محمد بن نصر الوالي السابق (المحافظ) على زمن الرئيس بورقيبة، قصة تستحق أن تروى، مفادها أنه سأل في أحد لقاءاته الزعيم عن كيفية التعامل مع القرآن، فكان أن أجابه بما جاء في القرءان نفسه، موصيا إياه باتباع الآية الكريمة quot;هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله, وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به, كلٌٌّ من عند ربنا وما يذّكّر إلا أولو الألبابquot; (آية 7 من سورة آل عمران).
لقد كان الزعيم بورقيبة مدركا لحقيقة المشكلة التي واجهها المسلمون منذ وقت مبكر جدا في تاريخهم، لعله يعود إلى سقيفة بني ساعدة، في كيفية التعامل مع النص المقدس، وقد انقسموا في صراعهم حول هذه المسألة إلى عشرات الفرق والطوائف، ولا يزالون، غير أن المهم ذكره هنا، هو أن هناك خطان بارزان يمكن بتسطيرهما تلخيص الصراع، أحدهما خط عقلاني تطور مع المعتزلة وما يزال يفرز تجليات مختلفة إلى اليوم، وإليه بالمقدور نسبة المجاهد الأكبر، وخط نصي حرفي ظاهري ما فتئ يفرز دعاة للانغلاق والتطرف والعنف حتى الساعة، وإليه تنتسب هذه الجماعات المستهينة بالدم والعرض والإنسان.
والفرق الذي وجدته وأنا أقلب صفحات من السيرة البورقيبية، بين الزعيم التونسي الخالد وكثير من دعاة الحداثة في العالم العربي، أنه كان واعيا بحقيقة مكانة الدين في المجتمعات العربية والإسلامية، وأنه لم يكن مستعدا لترك الدين لمن يتطلع إلى تسخيره في مشاريع رجعية مضادة لروح العصر ومصالح المجتمع، و ما تزال الرؤية البورقيبية هي الأصح، حيث ثبت باستمرار أن معاداة الدين والتخلي عن وظيفة تأويله، لن يخدم إلا مصالح الجماعات المتطرفة والمنغلقة.
لقد تعرضت السيرة البورقيبية على امتداد عقود، خاصة فيما يتعلق بصلة الزعيم بالإسلام، إلى حملات تشويه وتضليل متعاقبة، سواء من أطراف داخلية أو خارجية، وهو ما حرم ربما ملايين العرب والمسلمين، ومن بينهم أجيال التونسيين الجديدة، من الاستفادة من مدرسة إصلاحية عظيمة، لعلها فتحت آفاقا رحبة أمام الفكر والفقه الإسلاميين، أكثر بكثير ممن يزعمون نصرة الدين وهم من يشتري بآيات الله ثمنا قليلا.
ومن الأمور التي يجب أن تذكر في هذا السياق، أن الزعيم بورقيبة كان واحدا من أبرز الملمين بعلوم القرآن والسيرة النبوية والفقه من أبناء جيله، وكان يحفظ الكثير من آيات الله، بل لعله كان حافظا لجلها، غير أنه كان مطلعا بشكل عميق أيضا على العلوم الإنسانية الغربية، متسلحا في تعامله مع الثقافتين بروحه النقدية والعقلانية الفذة، ومؤمنا بأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها.
وأذكر في هذا المجال قصة أخرى تؤكد هذا المنحى، أخبرني بها الدكتور أحمد القديدي الذي تولى مسؤوليات رسمية بارزة أيام حكم الرئيس الخالد، مفادها أنه كان يوما في حضرة بورقيبة إلى جانب عدد كبير من المسؤولين، ولم يكن ساعتها معروفا لديه، وعند تطرق الرئيس إلى أحد المواضيع وأراد الاستشهاد بآية قرآنية، نسي جزءا منها، فتدخل الدكتور القديدي على غير وارد مذكرا بما نقص. وقد انقضت أسابيع بعد الحادثة، فلما شغر منصب رئاسة تحرير صحيفة العمل، الناطقة بإسم الحزب الحاكم، قال المجاهد الأكبر لرئيس وزرائه الأستاذ محمد مزالي، إن أفضل من قد يشغل هذا الموقع، هو ذلك الذي ذكرني بما نقص من الآية، فإبحث لي عنه، وقد كان الدكتور القديدي فعلا واحد من أفضل رؤساء تحرير هذه الصحيفة التي اشتق الزعيم إسمها من القرآن الكريم.
وإن قارئ سيرة الزعيم الرئيس بورقيبة، سيعثر لا محالة على حقيقة كبرى وخيط واضح مستديم انطلق منذ اللحظة الأولى التي قرر فيها خوض غمار العمل السياسي أواخر العشرينيات، متطلعا إلى بث روح الحياة والاستقلال في شعب استكان إلى المستعمر، إلى أن التحق بالرفيق الأعلى، وفحوى هذه الحقيقة رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه، أنه كان متدبرا للقرآن مستشهدا على الدوام بآياته، أليس هو من اتخذ لنفسه ورفاقه وحزبه وبلده شعارا دائما، الآية القرآنية quot;وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..quot; (الآية 105/سورة التوبة).
لقد استهل بورقيبة الحياة السياسية بمقال دافع فيه عن الحجاب باعتباره حينها مقوما من مقومات الهوية التونسية، التي كانت مهددة بمشاريع المستعمر الفرنسي البغيضة، وما فتئ بعد ذلك يستشهد بالآيات المحكمات من القرآن كلما واجه المشروع التحرري خطب من الخطوب، ومن ذلك ختمه رسالته المشهورة إلى الباي (الملك) في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، والتي حظه فيها على الوقوف إلى جانب الحركة الوطنية والصمود في وجه الاستعمار وعدم اليأس من نصر الله، بالآية الكريمة quot; أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريبquot; (الآية 214 / سورة البقرة).
و قد تسلح المجاهد الأكبر بالآيات المحكمات كذلك، حين انتقلت البلاد كما وصف هو من الجهاد الأصغر (معركة التحرر من الاستعمار) إلى الجهاد الأكبر (معركة التنمية والتقدم في ظل دولة الاستقلال)، حيث كانت الآيات القرآنية سلاحه الأساسي في مواجهة أصوات الرجعية والتخلف، وسنده مجموعة من علماء الإسلام المستنيرين الأفذاذ من قبيل quot;العاشورينquot; محمد الطاهر ومحمد الفاضل رحمهما الله.
ومن معارك الزعيم الأولى، معركة تحرير المرأة، وقد كان عنوانها الرئيسي تشريع منع تعدد الزوجات، إذ بادر إلى الاستشهاد بالآية الكريمة quot; ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتمquot; (الآية 129/سورة النساء)، وهي آية يقول بعض الفقهاء أنها نسخت غيرها فيما يتعلق بباب النكاح وأحكامه، وقد سن المجاهد الأكبر بهذا التشريع سنة حميدة سبق إليها، شكلت مطمح التقدميين في سائر أنحاء العالم العربي والإسلامي إلى هذا الوقت، وله بلا شك أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
لقد حاول الشكلانيون في تونس وخارجها النيل من صورة الزعيم المجدد، مركزين على أحداث ظاهرية في سيرته تخالف العادات البائسة لا جوهر الدين، ومكرسين طريقة سطحية في التعامل مع النص الإسلامي، ومروجين لنمط من التفكير الفاسد شائع لم ينقطع، و موروث غير ممحص ولا مقدس، أنتجه بشر كسائر البشر، لعلهم اضطلعوا بمسؤولية في زمانهم، تماما مثلما أراد المجاهد الأكبر أن يكون المعاصرون مسؤولين في زمانهم.
وثمة أمران يخصان كاتب هذه الأسطر في نظرته لشأن البورقيبية الفريد، جدير بي أن أذكرهما كخاتمة لمقالي هذا، أولهما أنني وقفت على عبقرية التأويل البورقيبي للإسلام وعلى سبق الزعيم بورقيبة إلى كثير من الخلاصات والنتائج التي أدركها اللاحقون من المفكرين المجددين من العرب والمسلمين، وثانيهما أنني أدركت أيضا مدى استفادة الزعيم بورقيبة من سيرة من أنزل الله على جوفه القرآن الرسول محمد (ص)، سواء في مرحلة الدعوة والثورة أو مرحلة البناء والدولة، استفادة المتبصر النافذ إلى أعماق ومقاصد الرسالة القرآنية، ومن أعلاها شأنا الوثوق من نصر الله متى كان العمل لصالح خلقه مخلصا.
التعليقات